تقرير الخليل بين فكي الاستيطان

الساعة 08:30 م|10 ديسمبر 2019

فلسطين اليوم

الزائر لمدينة الخليل وخاصة البلدة القديمة منها يلاحظ بوضوح مدى السيطرة الإسرائيلية على قلب المدينة، ففي كل مكان ينتشر الجنود الإسرائيليون على الحواجز والبوابات العسكرية والأبراج التي بنيت حيث البؤر الاستيطانية، إلى جانب المحال والمنازل الفلسطينية المغلقة بالكامل.

ويأتي المشروع الاستيطاني الأخير بالسيطرة على سوق الخضار " الحسبة" في قلب المدينة، كالقشة التي قصمت ظهر البعير، فهذا المشروع يصل كل البؤر الاستيطانية وسط البلدة القديمة وأطرافها، ويخلق تواصلا يصعب على الفلسطينيين تجاوزه.

فعلى مدار سنوات طويلة من عمر الاتفاقيات التي وقعتها منظمة التحرير مع الاحتلال بقيت البلدة القديمة من الخليل تحت السيطرة الإسرائيلية تحولت هذه السيطرة مع كل حدث على الأرض إلى مزيدا من الحواجز والبوابات والبؤر الاستيطانية وإغلاق المحال التجارية والسيطرة على منازل المواطنين هناك.

لجنة إعمار البلدة القديمة في الخليل تقدر عدد المحلات في البلدة بنحو 1829 محلا، تغلق إسرائيل منها 520 محلا وفقا للأوامر العسكرية، كلها تقع في شارع الشهداء أو الشوارع الفرعية منه، إلى جانب وجود 1154 محلا مغلقا بطريقة غير مباشرة.

وينتشر في البلدة القديمة، والتي لا تزيد مساحتها عن كيلو متر مربع فقط، 1500 جندي صهيوني لحماية 400 مستوطنا يسكنون في شارع الشهداء أكثر المناطق المنكوبة بالاستيطان.

خلال زيارتنا للمدينة حاولنا الدخول من شارع الشهداء وبعد فحص بطاقاتنا الشخصية رفض الجنود على الحاجز السماح لنا بالدخول بحجة أننا من غير ساكني الشارع. ويغلق الاحتلال هذا الشارع على 12 ألف فلسطيني لحماية 400 مستوطن فقط، منذ العام 1994 وتقسيم البلدة القديمة من الخليل إلى ما يعرف بمناطق H1 وH2.

لكثير منا هذه التقسيمات غير مفهومة، ولماذا وكيف تم التوصل إليها وكيف وافق عليها المفاوض الفلسطيني، ولكنها بالنسبة لأهل البلدة القديمة من المدينة فهي "اللعنة" التي حلت عليهم ويعيشون توابعها منذ ذلك الحين وحتى الأن.

السيدة "جميلة الشلالدة" 59 عاما، هي واحدة من سكان الشارع، تقول: "لم يكن الشارع يسكنه سوى ثلاث عائلات للمستوطنين استولوا على منازل فلسطينيين بالقوة، في حين كانت أكثر من 80 عائلة فلسطينية تعيش في الشارع".

تقول الشلالدة إن هذه الاتفاقية غيرت حياتها وعائلتها بالكامل، تضاعف عدد المستوطنين لأكثر من 400 مستوطن وقلت العائلات التي تعيش في الشارع بعد إغلاقه.

تحيط بمنزل الشلالدة أربع بؤر استيطانية يسكنها غلاه المستوطنين المسلحين، ولكنها رغم ذلك صامدة في منزلها: "نحن كمن يقبض على الجمر، لم يبق من العائلات الفلسطينية سوى عشرة عائلات مقابل 42 عائلة مستوطِنين".

البوابة الإلكترونية التي تدخل منها الشلالدة واحدة من سبعه بوابات الكترونية داخليه، بالإضافة إلى 29 حاجز اسمنتي و12 بوابة حديدة، و12 حاجز باطون، و13 حاجز قواطع إسمنتية، بمجموع 121 حاجز ونقطة تفتيش في هذا الشارع.

ويواصل مراسلنا المسير من محيط شارع الشهداء إلى الحرم الإبراهيمي، حيث المعركة الدائمة ولكنها غائبة عن المشهد الفلسطيني، اعتداءات يومية ومنع إقامة الأذان وعرقلة وصول المصلين للحرم ومحاولة المستوطنين السيطرة عليه بالكامل.

على أبوابه بوابة الكرتونية دائمة، تفحص كل من يدخل ويخرج منه، وفي داخله الحسرة الكبيرة، حيث لا يتمكن الفلسطيني من الوصول لنصفه الثاني الذي أغلقته قوات الاحتلال وسلمته للمستوطنين، ولم تبق للفلسطينيين سوى شبابيك صغيرة أغلقت بقضبان حديدية.

يقول وكيل وزارة الأوقاف والشؤون الدينية "حسام أبو الرب" إن الاحتلال أغلق الحرم الإبراهيمي منذ بداية العام الحالي 2019 وحتى نهاية نوفمبر 12 يوما ومنع الأذان 572 كرة، واعتدى على حرمته أكثر من 30 مرة.

وبحسب أبو الرب فإن ابرز هذه الاعتداءات كانت اقتحام رئيس دولة الاحتلال ورئيس الوزراء للحرم، إضافة إلى مطالبة وزيرة القضاء الإسرائيلي السابقة "أييلت شاكيد"، ببناء "حي يهودي" جديد بجانب الحرم.

وأشار أبو الرب إلى الاعتداءات كانت من قبل سلطات الاحتلال والمستوطنين على حد سواء، حيث قيام المستوطنين باستحداث خط مياه على سطح الحرم، وتركيب صندوق إطفاء على باب الدرج الأبيض، ونصب ا خياما في ساحات قريبة منه.

ومن الحرم الإبراهيمي للوصول إلى حارة السلايمة وغيث، قصة استيطان ومعاناة فلسطينية أخرى، فبعد الخروج من الحرم، تمر بعدد من الحواجز، ليس ببعيد عنها المدرسة الإبراهيمية أكثر مناطق الاحتكاك اليومية.

هذه المدرسة تتعرض لإطلاق نار وغاز بشكل يومي، ويعاني طلبتها تضييق دائم للوصول إليها، وتفتيش على الحواجز، واحتجاز، وهذا أيضا حال طلبة مدرسة " الفيحاء" الابتدائية التي لا تبعد عنها الكثير وتحاذي منزل الرجبي الذي سيطر المستوطنين عليه.

وطوال هذا الشارع توشك أن تنسى أنك في مدينة فلسطينية، فالإعلام الإسرائيلية في كل مكان والعبارات باللغة العبرية، ولكن في أخر الشارع كانت أصوات فلسطينية تواجه الجنود على الحاجز المقام، أنهم فتيه وأطفال من ساكني حارة السلايمة وغيث يحاول مجموعة من الجنود اعتقالهم، ولكنهم تمكنوا من الهرب.

وأخيرا تصل إلى حارة السلايمة وغيث، وتفاجأ...فالحارة بكامل منازلها ومرافقها وسكانها كأنها وضعت في قفص حديدي له باب وحيد "بوابة الكرتونية" يتحكم فيمن يدخل ومن يخرج منها.

ولكن في داخل الحارة رغم صعوبة الإجراءات الإسرائيلية قصة تحدي يجسدها " الفلسطيني الخليلي" المعروفة بصلابته وعناده في حقه، من الطفل وحتى المسن.

الطفل معاذ الرجبي (12 عاما) أحد أطفال الحارة، والذي تعامل مع الحاجز والبوابة والشبك المحيط بحارته على أنه لعبة عليه أن ينتصر فيها دائما، وهو ما جعله يصاب أكثر من مرة ويتعرض للضرب من الجنود أكثر من مرة.

الرجبي وباقي أطفال حارته يتعاملوا مع الجنود على الحاجز الذي نصب قبل سنوات فقط على مدخل حارتهم بنِدية عالية، ولم تعد البندقية التي يحملها الجنود تخيفهم، وهو ما يراه الزائر للمنطقة بوضوح.، يقول: "بدهم نترك بيوتنا ونهاجر، ولكن هذا لن يكون أبدا".

ورغم صلابة الحارة وسكانها، إلا أنها وكما باقي المناطق المهددة بالاستيطان والسيطرة في البلدة القديمة من الخليل، بقيت تواجه مصيرها وحيدة، دون أي سند رسمي أو فصائلي أو شعبي.

كلمات دلالية