المجاهد "محمد شراب" عشق طريق ذات الشوكة وتقدم الصفوف

الساعة 04:02 م|20 نوفمبر 2019

فلسطين اليوم

الحديث عن الشهداء كما تحدثنا مراراً وتكراراً في قصص سابقة، له رونقه، وله وحضوره، وله نفحاته الإيمانية، كيف لا!، والمولى عز وجل يقول في كتابه الحكيم:" ويتخذ منكم شهداء"، إذن نحن في حضرة أناس لهم مواصفات فريدة أهلتهم لهذا الشرف العظيم الذي نتمناه جميعاً.

ميلاده ونشأته

مع اشراقة رحيق يوم الأول من أغسطس عام 1991م كانت مدينة خانيونس على موعد مع ميلاد من تزينت حياته بألحان الجهاد وأسطورة التضحية والشجاعة، حيثُ ولد شهيدنا محمد عبد الله سليمان شراب"28" عام في خانيونس جنوب قطاع غزة، وسط عائلة ملتزمة دينياً وأخلاقياً ومحافظة على صلاة الجماعة، قدمت على مذبح الحرية العديد من الشهداء ولازالت على ذات الدرب تمضي وتجود بخيرة أبنائها على طريق مشاعل الحرية.

وحرص شهيدنا محمد طوال حياته على نيل رضا والدّيه، فكان باراً بهما، ومطيعاً لهما، متميزاً بعلاقته بأهل بيته وإخوته، علاقةٌ مبنية على المحبة والإخلاص والصدق يعاملهم أيضاً معاملة الأخ والصديق.

كان الشهيد محمد شراب رحمه الله على علاقة حميمة مع أقربائه وجيرانه، يعاملهم معاملة حسنة، وكان معروفاً عنه حُسن الخلق وطيب الحديث، فلا يترك مساعدة لأحد من جيرانه وأقربائه إلا ويقف بجانبه، ويشارك الجميع في أحزانهم وأفراحهم.

دراسته

درس شهيدُنا محمد شراب المرحلة الابتدائية في مدرسة معن، وبعد أن أنهى شهيدنا المرحلة الابتدائية بنجاحٍ، التحق بالمرحلة الإعدادية بمدرسة ذكور بنى سهيلة الإعدادية، ثم المرحلة الثانوية بمدرسة خالد بن الحسن ليحصل على شهادة الثانوية العامة (التوجيهي)، ليكمل بعدها دراسته في كلية العلوم والتكنلوجيا تخصص سكرتاريا وسجل طبي، حيث كان معروفاً بين أصدقائه الطلاب بحسن أدبه وعلو أخلاقه، وطيبة قلبه ونقاء سريرته، فكسب بهذه الأخلاق العالية قلوبهم وأسرها بحبه واحترامه.

وأكرم الله شهيدنا محمد بزوجة صالحة صابرة ومحتسبة بل ومعينة له في جهاده، ورزقهم الله تعالى بطفلته الأولى "ليان" ، فكان رحمه الله نعم الزوج والأب والصديق الحنون.

كان رحمه الله محباً لأسرته الصغيرة يمنحها من الحُب والحنان، حتى باتت طفلته "ليان" متعلقة به لدرجة أنها بعد استشهاده لا تفارق صورته التي تحسس عليها بأناملها وتخاطبها، كأن تقول له تحدث معي لاعبني خذني إلى ذلك البقال كي تشتري لي الحلوة اللذيذة التي أحببتها كما أحب كثيراً يا أبي، دون أن تدرك هذه الطفلة أنها فقدت والدها الذي لم يكمل معها قصة حب أبٍ لطفلته.

قلبه معلق بالمساجد

حافظ شهيدنا المجاهد محمد شراب على صلاة الفجر في مسجده، وصيام يومي الاثنين والخميس، كما كان يشارك في معظم الأنشطة الدعوية والاجتماعية والجماهيرية التي كانت تنظمها حركة الجهاد الاسلامي، وكان له دور بارز في المشاركة في الفعاليات.

ويقول الشيخ أبو عبد الله في حديثه عن الشهيد: " محمد ( تقبله الله) كان فيه خصلتين من أهل ظلال الرحمة يوم الفزع الأعظم أولى هذه الخصال, أنه كان شاباً نشأ في طاعة الله عز وجل, فكان ملازماً للمسجد منذ صغره, ولهذا السبب حاز على الخصلة الثانية وهي أنه رجلٌ قلبه معلق بالمساجد, فكان ملازماً  لكافة الصلوات الخمسة في مسجد الصحابي أنس بن مالك "رضي الله عنه", فكان قلبه معلق بهذا المسجد، كما كان يحرص على أن يكون من ماله شيء لله رغم قلة ماله.

طريق ذات الشوكة

لأن الجهاد في سبيل الله اسمى أمانينا، لأنه الطريق الأمثل لتحرير الأرض والانسان من دنس عدوٍ مجرم قاتل، كان حتماً على أمثال محمد أن يتقدموا الصفوف، لحمل البندقية والدفاع عن أشرف بقعة على وجه الأرض بشهادة رب السماء الذي باركها وبارك من حولها، ولأنها حركة الجهاد الإسلامي التي حملت الأمانة التي رفضت الجبال حملها، التحق شهيدنا بصفوفها عام 2003م، فكان من الأشبال المشاركين في كافة الفعاليات التي كانت تنظمها الحركة، وانضم خلال فترة دراسته للرابطة الإسلامية الاطار الطلابي لحركة الجهاد الإسلامي، وعمل ضمن اطارها الاجتماعي، ومن هنا كون علاقات واسعة مع العديد من القادة الشهداء منهم ومن ينتظرون.

وفي عام 2008م، اختار شهيدنا المجاهد الانتقال إلى العمل العسكري بقوافل سرايا القدس المجاهدين ليحمل راية الجهاد ضد الصهاينة في زمن ماتت فيه كل الهمم وغابت فيه كل القيم، حيث فضل أن يكون ضمن مجموعات المجاهدين المخلصين في العمل ضد العدو الغاصب بكل الإمكانات المتاحة، وعدم التراخي بحجة عدم تكافئ القدرات العسكرية.

وقد عُرف الشهيد محمد شراب بإخلاصه في عمله لله، وكان معروفاً بإقدامه وشجاعته الباسلة، وتصديه المتواصل للاعتداءات المتكررة للقوات الصهيونية على قرانا ومدننا ومخيماتنا، فكان لا يتوانى عن الخروج لمواجهة الاحتلال المتوغل نحو منازل وأراضي المواطنين، فكان حقاً فارساً مغامراً مسافراً نحو العلا فخاض المعارك تلو المعارك.

وكان الشهيد محمد يتمتع بالسرّية والكتمان، ويخلص في عمله بشكل كبير، كما كان صاحب همّة كبيرة وإنجاز عظيم، وله بصمات جهادية كبيرة أثخنت في العدو الصهيوني منها: قصف العديد من المواقع العسكرية والمستوطنات المقامة فوق أرضنا المحتلة بوابل من القذائف المدفعية حيث يسجل له مشاركته في تنفيذ العديد من المهمات الجهادية.

وتقلد شهيدنا "محمد" خلال مشواره الجهادي العديد من الرتب العسكرية حتى وصل لرتبة مشرف إسناد وذلك بعد اجتيازه العديد من الدورات العسكرية المكثفة.

استشهاده

محمد الذي كان يرى في الجهاد في سبيل الله أسمى أمانيه، لم يخفِ ذلك على من ارتبط بها ليكمل معها طريقه، مخبراً ومخيراً  إياها بين مواصلة الطريق إلى جانبه أو البحث عن انسان آخر، لكنها نظرت إليه نظرة العاشقة لعاشق الوطن، لتقول له سأشاركك عشق الوطن وسأتحمل معك درب ذات الشوكة، فكان نعم الزوج الذي يجود بكل وقته لوطنه، وكانت نعمه الزوجة الصابرة المعينة لزوجها على حمل الأمانة، حتى كان صعود روحه الطَاهرة إِلى رَبها شاهدةً عَلى ثَباته وصبره واحتِسابه، فما وهن ولا استكان، ولم يعرف للراحة طعم، ليلحق على عجل مبتسماً مرحاً سعيداً بركب الشهداء.

كان الشهيد محمد شراب ورفيقه هيثم البكري على موعد من الاصطفاء الرباني لخيرة عباده، بعد ظهر يوم الأربعاء الموافق 13/11/2019 م، خلال معركة صيحة الفجر، عندما استهدفتهم طائرة صهيونية بصواريخها، وهم يوجهون قذائفهم نحو المواقع العسكرية الصهيونية المحاذية لقطاع غزة، لترتقي روح "محمد" ورفيقه "هيثم" وهم يجودون بكل شيء لأجل الله ولأجل الدفاع عن شعبهم وأمتهم.

رحمك الله يا محمد وتقبلك شهيداً مجاهداً مع النبيين والصديقين والشهداء، وصبّر من بعدك أهلك وإخوانك ورفاق دربك وكل محبيك، وأكرمهم بشفاعتك وأظلهم معك بظله يوم لا ظل إلا ظله.

كلمات دلالية