"صيحة الفجر" وصوابية القرار! بقلم: توفيق السيد سليم

الساعة 04:24 م|14 نوفمبر 2019

فلسطين اليوم

كم كانت مذهلة أيام "صيحة الفجر" تلك التي قادتها سرايا القدس بحكمة واقتدار، وهي تدك عمق الكيان الصهيوني بدقة محسوبة وحكمة مقدّرة، ردا على جريمة اغتيال القائد الكبير بهاء أبو العطان ومحاولة النيل من القائد أكرم العجوري في دمشق.
لقد شكلت "صيحة الفجر" القدسية مرحلة وعلامة فارقة في تاريخ الصراع الذي تقوده المقاومة الفلسطينية في مواجهة العدو الصهيوني، من الناحية العملياتية أو السياسية.
فمن الناحية العملياتية، استطاعت سرايا القدس ومنذ اللحظة الأولى التي اتخذت فيها القرار بالرد على الجريمة انطلاقا من مسؤوليتها الوطنية والأخلاقية تجاه شعبنا ومقاومته، أن تدير الجولة الأخيرة من العدوان بحكمة واضحة أذهلت العدو الصهيوني وأربكت حساباته، وذلك لاعتمادها استراتيجية جديدة في الرد تمثلت في سياسة "التنقيط" المحسوب للصواريخ عددياً ومكانيا، ما يمكّنها من إطالة أمد الرد أطول فترة ممكنة وتوسيع دائرة النار شيئا فشيئاً، ما جعل كيان العدو بكل شرائحه وعلى مدار ثلاثة أيام متواصلة في حالة تأهب قصوى، غاب فيها الطلبة عن مدارسهم وجامعاتهم وأصحاب العمل عن أعمالهم، وباتوا داخل الملاجئ، وتوقفت عجلة الحياة الطبيعية في الكيان عن الدوران حتى بدت معظم مرافقه على بعد حوالي 80 كلم من قطاع غزة في حالة من الشلل التام، في انتظار رشقة صاروخية هنا أو أخرى هناك، حتى اضطرت صحيفة "هآرتس" في عددها الصادر الأربعاء إلى وصف مدينة "تل أبيب"، بأنها كما لم ترها من قبل، كأن قنبلة سقطت فيها، فحولتها لمدينة "أشباح".
فمدينة الترف "تل ابيب" (كما يصفها الإسرائيليون) لم يشرب قاطنوها قهوة الإسبريسو ولم يأكلوا البيتزا، وشوارعها باتت مخلاة من المارة والسيارات، باستثناء سيارات الإسعاف، وفي أجوائها لا يتردد سوى صدى "صيحة الفجر" كلما انطلقت من غزة!
أما سياسيا، فقد جاءت "صيحة الفجر" مذهلة في نتائجها أيضا، داخليا وخارجيا، أما داخليا فقد أظهرت مدى الانسجام بين الشارع الفلسطيني باعتباره أحد أهم حواضن المقاومة، والفعل المقاوم، حيث لم تستطع كل محاولات الاحتلال الصهيوني النيل من وحدة وصمود والتفاف الجماهير الفلسطينية حول المقاومة وقراراتها ومعاركها.
كما أنها (صيحة الفجر) نجحت في إرساء قواعد جديدة في العمل السياسي المقاوم، مفادها أن المقاومة صاحبة الميدان وهي في حل من أمرها في حال أقدم العدو على ارتكاب أي من حماقاته بحق شعبنا ومقاومته.
فيما جاءت شروط المقاومة التي وضعها القائد الوطني زياد النخالة واقعية وتلامس تطلعات شعبنا في هذه المرحلة الحساسة التي يمر بها، بعيدا عن الشروط التي لم يجنٍ منها شعبنا سوى مزيدا من الوهم والسراب.
أما خارجياً، ويقصد به الساحة الإسرائيلية، فقد نجحت المقاومة في زيادة حالة الشرخ بين مكونات الشارع الإسرائيلي أحزاباً ومؤسسات، ففي الوقت الذي حاول فيه نتنياهو أن يسوّق بأنه خرج منتصرا من هذه الجولة، خرجت العديد من الأصوات التي انتقدته وحمّلته مسؤولية ما تعرض له الكيان والصورة المُذلة التي خرج بها أمام الجميع، حيث انتقد عضو الكنيست، والرقم الثاني بحزب "كحول لفان" يائير لبيد، اتفاق التهدئة، معتبرا أن الردع الإسرائيلي، لم يعد موجودا أمام غزة، وأن سكان الجنوب لم يشعروا بالأمن.
أما عضو الكنيست "عوزي هندل" عن حزب كحلول لفان، فأكد أنه لا توجد أي ضمانات لعد م تكرار إطلاق الصواريخ من قطاع غزة، تجاه "إسرائيل"، ما يعني أن الجولة الأخيرة لم تأت بجديد للكيان سوى مزيد من الذل والهوان.
بينما لفت عضو الكنيست كاسيف، إلى أن سكان الجنوب والغلاف، لن يشعروا بالأمن والهدوء، طالما سكان قطاع غزة، تحت الحصار والجوع، مشيراً إلى أنه لن يتحقق الأمن والهدوء بالغلاف، إلا برفع الحصار عن غزة.
لهذا كانت "صيحة الفجر" مذهلة، وهي تضع النقاط على الحروف من جديد، لتصفع نتنياهو وجنرالاته المهزومين، ولتثبت قواعد جديدة من الاشتباك، اليد الطولى فيها للمقاومة، ولتبرهن للمرة المليون أن غزة هذه البقعة الجغرافية الصغيرة، الكبيرة فعلاً وثباتاً وتضحية، قادرةٌ على صنع ما يظنّه المنبطحون والانهزاميون من المحيط إلى الخليج مستحيلاً.
بوركت المقاومة وبورك رجالاتها وشهدائها.. ونحن على يقين أن "صيحة الفجر" سيتواصل صداها إلى أبعد ما يتوقعه الكثيرون!.