بريطانيا راعيـة الصهيونية - بقلم : نعيم عطا الله

الساعة 10:10 ص|23 أكتوبر 2019

فلسطين اليوم

بقلم :نعيم عطا الله

مختص في التاريخ الاسلامي

دعا رئيس وزراء بريطانيا هنري كامبل بنرمان، العديد من دول أوروبا (بريطانيا، فرنسا، هولندا، بلجيكا، أسبانيا، إيطاليا)، لعقد مؤتمر سنة 1905م، استمرت مناقشات المؤتمر لعام 1907م، وافتتح كامبل المؤتمر بكلمة مطولة جاء فيها: "إن الامبراطويات تتكون وتتسع وتقوى ثم تستقر الى حدًّ ما ثم تنحل رويداً رويداً ثم تزول والتاريخ مليء بمثل هذه التطورات، وهو لا يتغير بالنسبة لكل نهضة ولكل أمة، فهناك إمبراطوريات (روما، أثينا، الهند والصين، وقبلها بابل وأشور وغيرهم)، فهل لديكم أسباب تحول دون سقوط الاستعمار الأوروبي وانهياره أو تؤخر مصيره؟ وقد بلغ الآن الذروة وأصبحت أروبا قارة قديمة استنفذت مواردها وشاخت مصالحها، بينما لا يزال العالم الآخر في صرّح شبابه، يتطلع الى المزيد من العلم والتنظيم والرفاهية؛ هذه مهمتكم أيها السادة وعلى نجاحها يتوقف رخاؤنا وسيطرتنا".

فكانت إجابة الجميع: نريد البقاء على القمة، فما كان من بنرمان إلا أن قام بتوزيع خريطة الوطن العربي على جميع الحضور، وقال لهم هل استلمتوا الخرائط، فقالوا: نعم، فأخبرهم بأن هذه الخرائط للعالم العربي الذي يمتد من الخليج الى المحيط هي سر ضعفنا وسر قوتنا يكمن فيها، هذه المنطقة مهلهلة جاهلة متشرذمة، يتقاتلون فيما بينهم على قطره ماء، لكنهم يمتلكون كل مقومات النهضة، يمتلكون ما لا نملك، كلهم إلا بعض الأقليات البسيطة يتبعون دين واحد، بينما نحن في أوروبا عشرات وعشرات المذاهب والمعتقدات، والعرب تجمعهم لغة واحدة ودين واحد، بينما نحن بحاجة الى مترجم عندما نرغب بالسفر من دولة الى أخرى، فمن يذهب من نواكشط الى الكويت يتحدث اللغة العربية، يفهمون بعضهم البعض على الرغم من إتساع تلك الرقعة الجغرافية، فهذه المنطقة تُشرف على أوروبا من الشمال، وأفريقيا من الجنوب، وشبه القارة الهندية وعلى آسيا من الشرق والغرب، هذه المنطقة تحتوى على كل المواد الخام اللازمة للصناعة التي هي العمود الاساس للإقتصاد الأوروبي، هذه المنطقة تستطيع أن تخنق العالم كله من خلال المضيقات (هرمز، جبل طارق، باب المندب) وقناة السويس.

فما كان من جميع الحضور إلا الاتفاق على شيء أساس وهو زرع جسم غريب في المنطقة، يكون بمثابة حاجز بشري قوي وغريب ومعادي، دون تسميه ذلك الجسم، ويكون له ثلاثة أهداف رئيسة يعمل على تحقيقها وهي:

1-     أن يعمل على فصل المشرق العربي عن غربه.

2-     أن يكون ولاء ذلك الجسم للغرب الأوروبي.

3-     أن يجعل المنطقة بأسرها في حالة توتر وعدم توازن؛ لأن التوازن يولد الاستقرار، والاستقرار يولد النهضة، ونحن نريد أن نخلق أجواء تمنع نهوض الأمة العربية، لأنها إن نهضت ستكون على حسابنا، فما كان من تلك الدول الاوروبية إلا أن قررت إنشاء ذلك الجسم الغريب، وهدفه الرئيس تحقيق تلك المقررات.

عندها توجه اليهود بقيادة حاييم وايزمن الى بريطانيا وأخبروهم بأنهم قد قرأوا مقررات مؤتمر كامبل بنرمان وأنهم موافقين على أن يكونوا ذلك الجسم، وأن يكون ولاؤهم لأوروبا، ولكن لهم شرط واحد أن يقوموا بتزويدهم بكل ما يطلبونه منهم والوقوف بجانبهم، مقابل أن يقوموا بتعطيل نهضة الأمة العربية، فوافقوا على طلب اليهود على الفور.

المُطلع  على الدور البريطاني في المنطقة يدرك جيداً أنها أكثر دولة في العالم أضرت بمصلحة الشعب الفلسطيني وقضيته عبر مراحل تاريخها المختلفة، وسعت جاهدةً لزرع ذلك الجسم الغريب (إسرائيل) في فلسطين، وليس ذلك من خلال وثيقة بنرمان فقط، ولكن مروراً بوعد بلفور في 2 نوفمبر 1917م، وكذلك الانتداب البريطاني لفلسطين بين يوليو 1920ومايو1948م، وأول مندوب سامي كان السير هربرت صموئيل (1920 - 1925) وهو يهودي ومتعاطف مع الحركة الصهيونية ومخططاتها، حتى أن ضباطها كانوا يشرفومن على تدريب العصابات الصهيونية (الهاجاناة- اتس- ليحي-شتيرن) وأشهر أولئك الضباط ﺃﻭﺭﺩ ﻭﻴﻨﻐﻴﺕ، الذي أشرف على ﺘﺩﺭﻴﺒﺎﺕ ﻭﺤﺩﺍﺕ ﺍﻟﻠﻴل ﺍﻟﺨﺎﺼﺔ، كما أنها سلمت أسلحتها لتلك العصابات، بينما كانت تطارد أي فلسطيني يحصل على رصاصة؛ كل ذلك كان يصب في مصلحة الحركة الصهيونية.

والناظر إلى واقع العرب والمسلمين يدرك حقيقة التحالف القائم ما بين العرب واليهود من أجل تعطيل نهضة الأمة العربية وعدم توازنها، وهذا أمر لن تسمح به الدول الأوربية بالإضافة إلى أمريكيا، كما أنها لن تسمح بهزيمة ربيبتها "إسرائيل"؛ لان هزيمتها لا تصب في مصلحة تلك الدول، كما أن هزيمتها سيكون سبب رئيس في إنهاء السيطرة على العالم العربي، وقيام المارد العربي الذي يسعى إلى التحرر من العبودية والتبعية الإقتصادية والسياسية للغرب وأمريكيا.

لذا ستعمل "إسرائيل" ومن خلفها حلفاؤها أمريكيا والغرب الإبقاء على تعطيل النهضة العربية بكل ما أوتيت من قوة، وعلى العرب أن يصحوا من غفلتهم وسباتهم الذي تجاوز القرن من الزمن، ويسعوا جاهدين أن تعيش شعوبهم بحرية وازدهار واستقرار، وفي التاريخ العبر.

 

 

كلمات دلالية