“المونتاج” يعيد بناء الواقع تشكيليًا وفكريًا بشكل مستقل عن محتوى الواقع الدرامي

الساعة 08:18 م|20 أكتوبر 2019

بقلم: سائد حسونة

الحياة مليئة بالشغف والطموح، فقد تمر عليك ساعات تحمل معها غزارة الأفكار والإبداع الذي يحتاج إلى تنفيذ وشرح للآخرين، خصوصًا إذا كنت صاحب فكر وخيال خصب، فإنك ترغب في أدوات عدة؛ لتطبيق هذا الشيء، كما تدفعك العزيمة إلى الباب الأوسع في التصميم “الإنتاجي” الذي يعتمد على تحويل الإبداع إلى منتج يرضيك أولًا، وينال إعجاب الآخرين من المهتمين وأصحاب العمل.

من منا ليس صاحب خيال خصب، كلٌّ في مجاله، على رحابة التفصيل، لكن المصمم إنسان مختلف عن الآخرين لجهة إمكاناته وأدواته، لذا كان واجبًا على شركات صناعة الإبداع أن تجاري عقل هذا الإنسان؛ لعلّها تفلح في الوصول إلى ما يريد ويطمح.

نتحدث عن قاعدة ضمنية مهمة لكل من يعمل على برامج «الجرافيك»، وهي أنها أدوات تعطينا النتيجة التي نريدها بناء على ما نعطيها من معطيات، فإذا أحسنا استخدامها، كان الناتج سريعًا وجيدًا، وإذا أسأنا فهمها، لم نصل إلى نتيجة التميز.

ففي أحد مشاريع إنتاج فيلم قصير يوثق أحد الحروب على غزة، لم يكن يمتلك فريق العمل الكثير من الإمكانات المادية، سوى كاميرا جيدة الأداء، لكنه امتلك حكمة في إدارة ما لديه من موارد، واعتمد جل اعتماده على الإمكانات الهائلة التي توفرها برامج المونتاج، ولا سيما برنامج «أدوبي بريمر».

في النتيجة انتهى ذلك العمل بعرضه في أكثر من مكان، وعلى فضائيات، بل نال إعجاب كثيرين رأوا أنه كان له أن ينتهي إلى نجاحات مثل نجاحات الأفلام الكبيرة التي يصرف عليها أموال وإمكانات باهظة.

هذا ليس تبسيطًا أو تقليلًا من أهمية الإمكانات المادية، بل توضيحا لأهمية احتراف «المونتاج»؛ لنخلص إلى قاعدة ضمنية أخرى تؤكد أيضًا القاعدة الأولى، وهي: أن المونتاج أكثر العناصر السينمائية خصوصية؛ لأنه أحد الركائز الأساسية للإنتاج المرئي التلفزيوني والسينمائي، إن لم يكن أهمها على الإطلاق. وقد اختلفت أهميته بين وسائل تعبير الفن السابع، مع أن هذه الأهمية ظلت مؤكدة. ونستطيع تعريف المونتاج بأنه ترتيب لقطات الفيلم وفق شروط معينة للتتابع وللزمن. ولا شك أن قيمة فيلم ما تعتمد إلى حد كبير على قيمة المونتاج.

وبالرغم من أن عملية المونتاج اليوم عملية طبيعية لا يمكن إلغاؤها، لكنها لم تنشأ مع اختراع «السينما توغراف»، ونستطيع القول إن نشأة عملية المونتاج ترجع إلى يوم التفكير في تعديل وجهة نظر الكاميرا في مشهد ما أثناء حدوثه، أي عند التفكير في تغيير وضعها للوصول إلى وصف أوضح للحدث أو إلى بناء درامي أفضل.

إن مفهوم المونتاج قد ارتبط ارتباطًا وثيقًا بمفهوم التقطيع، وهما لحظتان يكمل كل منهما الآخر، ولا ينفصلان في عملية الإبداع السينمائي: اختيار وتنظيم الواقع من أجل إنتاج عمل فني.

الحياة مليئة بالشغف والطموح، فقد تمر عليك ساعات تحمل معها غزارة الأفكار والإبداع الذي يحتاج إلى تنفيذ وشرح للآخرين، خصوصًا إذا كنت صاحب فكر وخيال خصب، فإنك ترغب في أدوات عدة؛ لتطبيق هذا الشيء، كما تدفعك العزيمة إلى الباب الأوسع في التصميم الإنتاجي الذي يعتمد على تحويل الإبداع إلى منتج يرضيك أولًا، وينال إعجاب الآخرين من المهتمين وأصحاب العمل.

سائد حسونه

ليس هذا الجزء التقني من عمل المونتاج الذي يشكل موضع الصعوبة، ففي هذا المجال تصير المعرفة أمرًا ضروريًا يسهل استيعابه. والواقع أن عمل «المونتير» فني أكثر منه تقني، لذا يكون فيه الحافز ضروريًا حتى لو اعتمد كلية على التطبيق العملي. المونتير يشارك في تحقيق العمل فنيًا.

إن مغزى اللقطة يتوقف في الواقع ليس على ما تمثله هذه اللقطة فحسب، وإنما على زمانها على الشاشة الذي يقدره المونتير مباشرة. هكذا يعطي المونتاج معنى الترقيم والإيجاز والإيقاع في الحكاية المرئية. ويعادل تبرير المونتاج النفسي متطلبات الرؤية لدى المشاهد الكامل (المثالي) الذي يشاهد الحدث في كل لحظة بشكل أوضح وأكثر تحديدًا واكتمالًا.

في إطار هذه الرؤية الفوقية الذكية، يمكننا أن نقول إن الانتقال من لقطة إلى أخرى يتحدد من الإدراك البصري أو التوتر الذهني. ونظرًا إلى وجود هذا التساؤل المستمر بين كل لقطة، واللقطة التالية لها، يصير تتابع اللقطات مفهومًا لدى المشاهد، بل يعادل في الواقع رؤيته الطبيعية التي تصبح واضحة ثاقبة مع مطابقتها لذاتها تمامًا.

المونتاج يعيد بناء الواقع تشكيليًا وفكريًا بشكل مستقل عن محتوى هذا الواقع الدرامي، ونظرًا إلى طابع المونتاج الجمالي وتسيده، فإنه يظل بين وسائل التعبير السينمائي الأكثر خصوصية. والمونتاج يحدث داخل حجرة صغيرة مغلقة تنتهي فيها آخر العمليات الفنية، وأكثرها حيوية بالنسبة إلى الفيلم السينمائي، حيث تربط أجزاء الفيلم المختلفة التي يتمّ تصويرها مع بعضها بعضًا.

ومن بين أصابع فني المونتاج «المونتير» يمكن أن يخرج الفيلم مشوهًا كسيحًا أو قويًا مترابطًا ناجحًا، بل إن في قدرته أن يضيف ـ إلى هذا ـ أبعادًا أخرى من عنده تمنح العمل أصالة وجوده، كما في قدرته أن يفسد ويشوه هذه المجهودات كأنها لم تكن.

إذا افترضنا أن اللقطة السينمائية هي «الكلمة» وأن المنظر والمشهد هو «الجملة»، فإن تركيب اللقطات ووضعها في أماكنها المناسبة هو ما نستطيع أن نعتبرها قواعد «اللغة والإعراب» في المفهوم السينمائي. كذلك إن اللقطات السينمائية التي تمّ اختيارها بدقة، وتمّ تصويرها من الزوايا الصحيحة التي اختارها المخرج، وتحديد الطول الملائم لها الذي يجب ألا يزيد أو ينقص عنه، هي وحدة متكاملة، وهذا ما نسميه بالمونتاج أي العملية التي تخضع في تكوينها لليد.

التصميم “الإنتاجي” تحويل الإبداع إلى منتج يرضيك

يجب أن يكون كل شخص يعملُ في السينما لديه على الأقل بعض المعرفة لعمل ولنظام الآخرين، وعلى وجه الخصوص كتّاب السيناريو والمخرجين والمصورين، وهؤلاء يكون لزامًا عليهم المعرفة الكاملة بعملية المونتاج.

مكنتنا التكنولوجيا الحديثة من الجمع بين اللقطات المصورة بأساليب مختلفة، ويعطي التداخل بين تلك اللقطات نوعًا من الإثارة للفيلم، كما له تأثير مرئي مشوق. ولكن يظل هدف المخرج من الفيلم محورًا أساسيًا لكيفية استخدام تلك التكنولوجيا.

موضوع هذا المقال مهم أهمية بقاء الصورة واستمرار شريط الحياة، وشهرة هذا الموضوع عالمية ووجودية، وانتشر استخدامه في العالم، ولاقى إقبالًا هائلًا من الناس عبر التطبيقات المصغرة على الهواتف الذكية وصولًا إلى الأجهزة العملاقة للمونتاج.

مع التجربة أثبتت برامج المونتاج الحديثة أنها جاءت لتحل الكثير من المشكلات التي واجهتنا من قبل في التعامل مع الفيديو، وكيفية استغلال كل مقطع في العمل. سنستشعر بمدى أهميته في حياتنا اليومية في العمل، خاصة في حال كنا نعمل في ستوديو تصوير أو فريق فني، أو شركة إنتاج كبرى، أو حتى لتوثيق لحظاتنا الجميلة مع الأسرة، وفي الإعلام.

أخيرًا، عملية المونتاج هي إحدى مكونات «التصميم الإنتاجي» الذي يكون فيه أساس الإبداع نسبية الجمال والاحتراف. عملية المونتاج بذاتها عملية ابتكار وإبداع وشغف دائم.

 

لا بد أن يكون هناك مصطلح يجمع تعريف ما سبق في إطار واضح وصريح، ويدمج بين (الإنتاج- التصميم- الجرافيك- الدراما- الأشياء الأخرى كالإعلام والاقتصاد)، ويبين العلاقة الطردية في وصف «التصميم الإنتاجي». هذا الوصف يعني العلاقة بين فن «الجرافيك» وأساليب فن الدراما، وربطها بمقومات الإنتاج، واستغلال كل ما يخدم المستهلك والمُنتج للحصول على رغبة ومتعة متبادلة، وصولًا إلى زيادة الثورة الإنتاجية للشركات والأفراد، المُنتجة منها والمُعلنة، وتوطيد الثقة للوصول إلى مظهر مجتمعي راقٍ ومتقدم. ويكون جامعًا مبادئ فن «الجرافيك» وأساليب الحياة المتعددة في سبيل تطويع الشكل والجوهر على أسس هندسية صحيحة، ومقومات جودة عالية.

كلمات دلالية