أمريكا تستسلم للطاغية- يديعوت

الساعة 01:10 م|19 أكتوبر 2019

فلسطين اليوم

 

بقلم: نداف ايال

(المضمون: "اتفقوا" مع بينيس على انسحاب الاكراد من منطقة فاصلة بعمق 35 كيلو متر على طول أكثر من 400 كيلو متر على حدودهم مع سوريا، على تسليم السلاح الثقيل لدى الاكراد وعلى تفكيك كل مواقعهم واخلاء "المناطق الامنة" - المصدر).

 

نظر الاف الصحافيين ليلة أول أمس في النشر الحصري لمذيعين في شبكة "فوكس" ولم يصدقوا ما تشاهده عيونهم. فقد بدا انهم ضحية نكتة غير مسلية إذ نشروا رسالة زائفة من الرئيس ترامب الى نظيره اردوغان.

غير معقول، قال الالاف لانفسهم، وعندها عشرات الالاف فأكثر، بان الرئيس الأمريكي بعث برسالة الى الرئيس التركي قال له فيها شيئا مثل "لا تكن غبيا"، او "لا تلعبها رجلا" (ترجمة حرة). ولكن في غضون وقت قصير أكد البيت الأبيض بان الرسالة أصيلة.

مقلق حتى أكثر من ذلك كان الرد التركي: فقد أفاد القصر الرئاسي شبكة بي.بي.سي بان اردوغان "رد ردا باتا" الرسالة و "القى بها الى سلة المهملات". فالاتراك لم يهينوا ترامب فقط بل فعلوا هذا علنا، بإذن رسمي في أن رسالته القي بها الى سلة المهملات. هذا احتقار متجسد. اردوغان فعل شيئا آخر أيضا: في اليوم ذاته الذي تلقى فيه الرسالة الغريبة من الرئيس الأمريكي، بدأ الجيش التركي غزوه الى سوريا.

أمس كان تواصل آخر لكومة الحطام المسماة "سياسة أمريكية" في عصرنا. فبعد الإهانة التركي لترامب بعث بوزير خارجيته وبنائب الرئيس بينيس للتوصل الى صفقة مع الاتراك.

لم يكن للرئيس الأمريكي بديل: فللمرة الأولى منذ ثلاث سنوات اتحدت واشنطن بحزبيها كي تشجب البيت الأبيض على خيانته للاكراد. الحزب الجمهوري، الذي هو بشكل عام مداس لترامب، ثار كله تقريبا. فالظلم الذي احاقه الامريكيون بالاكراد كان عظيما، والانجاز للروس، للايرانيين وللاتراك واسعا لدرجة ان حتى الجمهوريين ما كان يمكنهم ان يبقوا صامتين. وامام القرار الذي لا لبس فيه في مجلس النواب، غير ترامب الاتجاه: في لحظة واحدة كان في الشرق الأوسط "مجرد رمال" على حد تعبيره ولا يوجد ما يمكن البحث عنه هناك، وفي لحظة أخرى تالية يبعث الى انقرة على عجل نائب الرئيس.

غير ان الاتراك اشتموا الدم في الماء. وهذا لم يكن دمهم، بل دم الاكراد ودم السمعة الامريكية. لم يعتزموا التنازل. "اتفقوا" مع بينيس على انسحاب الاكراد من منطقة فاصلة بعمق 35 كيلو متر على طول أكثر من 400 كيلو متر على حدودهم مع سوريا، على تسليم السلاح

الثقيل لدى الاكراد وعلى تفكيك كل مواقعهم واخلاء "المناطق الامنة"، تلك المناطق التي هجرتها قوات الجيش الامريكي على عجل بأمر من ترامب.

وأعلن نائب الرئيس بينيس باحتفالية عن "وقف النار" ولكنه وزير الخارجية التركي سارع الى التعديل: هذا ليس وقف للنار بل مهلة زمنية لانسحاب الاكراد. وهو محق. فمنطقة الفصل هذه هي بالضبط ما طالب بها اردوغان. لقد جاءت الولايات المتحدة الى انقرة كي تسلمها المفاتيح لمصير الاكراد وللاستسلام باسمهم امام الطاغية بما في ذلك نزع سلاحهم. فضلا عن ذلك، لم يحقق الاتراك الكثير في حملتهم – فقد فشلوا في السيطرة على مدن كردية وواجهوا صعود الجيش السوري شمالا. أما "الاتفاق" مع ترامب والذي هو عمليا الموافقة على كل مطالبهم، فقد أنقذهم من الاهانة وباع مصالح الاكراد – الحلفاء الوحيدين للولايات المتحدة في المنطقة. الحلفاء السابقين.

لقد دعا ترامب هذا "رائعا للجميع". بل انه قال ان هذا "رائع للحضارة"، وليس أقل. وبالفعل، هذا رائع مثلما كان اتفاق ميونخ رائعا.