خطوط جديدة- معاريف

الساعة 12:31 م|19 أكتوبر 2019

فلسطين اليوم

بقلم: الون بن دافيد

(المضمون: بعد 13 سنة هدوء مبارك على الحدود الشمالية، وعلى أمل ان يستمر، ينبغي الافتراض بان هذه الحدود ستعود لتكون حدود مواجهة. وما الذي يقف خلف الهدوء المفاجيء في جبهة غزة؟ - المصدر).

في اسبوع العريشة، مع عناوين رئيسة تراوحت بين صاعقة برق فتاكة وبين سلطة التونه، غاب موضوع واحد رافقنا على نحو منتظم في السنة والنصف الاخيرتين: غزة. من اسبوع قبل الانتخابات وحتى لحظة كتابة هذه السطور – تحافظ غزة على صمت لم يشهد له مثيل منذ أكثر من 18 شهرا (على أمل أن يستمر). أحد في جهاز الامن لا ينجح في عرض تفسير مقنع للصمت المطبق الذي هبط على غزة.

كان يفترض بنا ان نكون اليوم في مكان آخر، مع عدد أقل من الاسرائيليين الذين يعيشون بيننا وفي نهايته معركة اخرى في غزة تنتهي بطعم حامض وباحساس من انعدام الحسم. صاروخ واحد ازعج خطاب رئيس الوزراء في اسدود فعل ما لم تفعله 1.800 صاروخ نغصت حياة سكان غزة. فقد دفع نتنياهو لان يهجر سياسة الاحتواء التي يتبناها منذ سنتين وان يأمر الجيش والمخابرات الاسرائيلية بايقاع ضربة شديدة على غزة، كانت ستجرنا الى معركة عقيمة اخرى. بعض الحظ والكثير من الجرأة من بضعة ضباط ممن ذكروا بان الخروج الى الحرب يستدعي اجراءاً مرتبا لاتخاذ القرارات أتاحت لنا قضاء العيد في العريشة بسلام وليس في عريشة العزاء.

لعلهم في حماس وفي الجهاد الاسلامي فهموا ماذا كان يوشك أن يقع عليهم فرعوا. لعل دخول عتاد لبناء مستشفى جديد ووعد باقامة منشأة تحلية كبيرة تسبب لهم بضبط النفس. لعل الرسائل الهادئة، ولكن المهددة، التي اطلقتها اسرائيل عبر مصر وقعت هذه المرة على آذان صاغية. ولعل غزة، مثل اسرائيل كلها، تنتظر لترى كيف الخروج من الجمود السياسي واذا كان سيكون من يمكن الحديث معه على تسوية.

***

ولكن مثلما في كل سبت يمر على الجيش الاسرائيلي فان لكل الاعياد يوجد "ما بعد الاعياد"، وهذه ستحل في الحال. اما من لم يصمت في هذه الاعياد فهم الايرانيون، الذين عمقوا تواجدهم في مواقع اخرى في سوريا. بينما كنا نحتفل، كان الدفتر الاسرائيلي مفتوحا واليد تسجل. وعندما ستنتهي الاعياد، سيكون لاسرائيل غير قليل من العمل لمعالجة تثبيت التواجد الايراني في سوريا. معقول ان يكون هذا الموضوع وقف في مركز الحديث بين رئيس الاركان والنائب بيني غانتس.

في اسرائيل بدأوا يستوعبون بانها انتهت فترة ما وبدأت اخرى تحل عليها قواعد جديدة: فلا مزيد من الهجمات التي لا تنتهي من سلاح الجو على قوات ايرانية في سوريا، تمر بلا رد، بل محور شيعي قوي ومصمم أكثر على الرد. كما أن الاسد بعد الانسحاب الامريكي قد يبدي تصميما جديدا فيوقف التجلد على الهجمات الاسرائيلية. الرد قد يأتي من سوريا، من العراق ومن لبنان ايضا. بعد 13 سنة هدوء مبارك على الحدود الشمالية، وعلى أمل ان يستمر، ينبغي الافتراض بان هذه الحدود ستعود لتكون حدود مواجهة. الاف من رجال حزب الله الذين عادوا من المعارك في سوريا وتمكنوا منذ الان من الراحة والانتعاش، ينتشرون الان في جنوب لبنان وبدأوا ينظرون من زاوية جديدة على العدو القديم.

 

هذا الاسبوع ينتهي ويعرض التحقيق في حدث "بين المضيقين" اطلاق صواريخ حزب الله ردا على الهجوم المنسوب لاسرائيل في بيروت. ومنذ الان تظهر فيه عدة دروس هامة لاسرائيلي: حزب الله لم يعد يقيد عمله في منطقة هار دوف ("مزارع شبعا") بل يسمح لنفسه ان يعمل على طول الخط الازرق؛ ويكاد لا يكون محصورا من ناحية حجم القوات لديه في جنوب لبنان كي ينفذ هجوما؛ وهو يعرف كيف ينفذه في جدول زمني قصير جدا – في هذه الحالة اسبوع.

نتيجة الحدث كانت بالاجمال جيدة: اسرائيل هاجمت، حزب الله اخطأ في التصويب والشمال لم ينجر الى تصعيد. ولكن الحظ وحده فصل بيننا وبين جولة ضربات في لبنان، حظ وقدرة غير جيدة في التصويب لدى حزب الله. هذان لن يكونا دوما الى جانبنا.

في الـ 13 سنة افترضوا في اسرائيل بان يكون لنا دوما اخطار كاف بنوايا حزب الله للعمل على الحدود الشمالية. والان ينبغي الاخذ بالحسبان بان الزمن بين الاخطار وبين وقوع الحدث قصر جدا. بل وحتى لن يكون اخطار على الاطلاق. الحدود الشمالية ملزمة بان تستعد للتصعيد، بامل الا يكون.

 

ان الانتشار معناه تنظيم الحدود من جديد. فقد استكمل الجيش الاسرائيلي بناء عائق حول اصبع الجليل الحساس وفي سلسلة جبال السلم في الجليل الغربي. وقريبا ستبدأ اعمال في نقاط ضعف اخرى على طول الحدود. في نهاية هذا المشروع الطموح سيقام جدار او سور على طول كل الحدود الشمالية، بكلفة 1.7 مليار شيكل. ولكن التغيير في الخط يجب أن يكون أوسع.

 

لقد أمر رئيس الاركان هذا الاسبوع ضباطه بقراءة كتاب "التغير تحت النار" (عن الثورة في اشكال القتال لدى الجيش الامريكي)، والحدود الشمالية هي بالضبط المكان الذي يتطلب تغييرا. فخط المواجهة هناك بني في سنوات السبعين واجتاز تعديلات بعد الانسحاب من لبنان، في الفترة التي كان فيها العدو وقدراته مختلفة تماما. لا يمكن للجيش الاسرائيلي ان يواصل كالمعتاد على مدى الزمن حين تكون معظم قياداته تعرض كهدف مغرٍ حقا لحزب الله. في لحظة ما لن يصمد حزب الله امام الاغراء.

***

السنة العبرية السابقة تشعة كانت بالاجمال جيدة بالنسبة لنا، على المستوى الامني. صحيح أنه كان احتكاك عال في غزة، ولكننا تمتعنا بحرية عمل اسرائيلية في كل الشرق الاوسط وبهدوء شبه مطلق في الساحات الاخرى. والان، بعد أن انتهت تشعة وبركاتها – فان تشف الصغيرة تجلب معها منذ الان بضع نقمات وعلى رأسها الهجر الامريكي.

في ضوء الكتف الباردة من واشنطن والتهكم المتصاعد من موسكو سيكون اصعب على اسرائيل بكثير الابقاء على حريتها في العمل. فقد حل محل الشرطي الاقليمي الامريكي رئيس

روسيا بوتين. وهذا لم يعد منذ الان لطيفا جدا. فذات يوم من شأنه أن يقرر أنه مل ايضا النشاطات الاسرائيلية ضد ايران في سوريا، فيضع امام سلاح الجو لدينا تحديات لم يصطدم بها منذ زمن بعيد.

في هذه الاثناء يفكك التحالف السني ويحاول حمله على التوصل الى توافقات مع ايران. فهو يتوسط بين الاسد والاتراك ويثبت مكانة الاسد بصفته الحاكم الشرعي الوحيد على كل اجزاء سوريا. وهذه ليست سوى مسألة وقت الى أن يبدأ الاسد وبوتين يتحدثان عن الجولان ايضا.

في مثل هذا الوضع فان اسرائيل ملزمة بان تتخذ لنفسها قيادة مستقرة، واسعة وموضوعية، تركز على مستقبلنا الجماعي وليس على مستقبلها الشخصي. فتحديات "تشف" تستوجب رئيس وزراء يكون متفرغا لاداء مهامه بوظيفة كاملة، وكذا وزير دفاع يستأنف الحوار الحيوي في قنوات الامن مع الامريكيين. في نهاية اعياد تشري هذه ينبغي الامل ان تقوم مثل هذه القيادة وان تستقر قبل الحانوكا (الانوار).