الروس الجدد لليبرمان- هآرتس

الساعة 01:03 م|19 أكتوبر 2019

فلسطين اليوم

بقلم: دمتري شومسكي

(المضمون: ليس ليبرمان وحزبه هم الذين يتحركون نحو وسط المجتمع الاسرائيلي، بل مواقفه ليبرمان وقاعدته الروسية العنصرية هي التي احتلت في العقدين الاخيرين الساحة المركزية في المجتمع الاسرائيلي - المصدر).

النظرية التي سادت قبل جيل في الحوار السوسيولوجي الانتقادي في اسرائيل فيما يتعلق بالهجرة من الاتحاد السوفييتي في التسعينيات، اعتبرت هذه الهجرة الأمل الكبير لمعارضي الهيمنة العرقية المركزية اليهودية في اسرائيل. حسب هذه النظرية التي أحد المتحدثين البارزين باسمها هو البروفيسور باروخ كمرلينغ المتوفى، المهاجرون الروس، الذين هم غير ملتزمين تلقائيا بالروح الصهيونية، يشعرون بعدم المبالاة وحتى بالعداء تجاه الدين، وهم معنيون بالحفاظ على العلامات

الفريدة الخاصة لهويتهم وتراثهم الثقافي، يتوقع أن يقدموا اسهاما هام جدا في تعزيز التنوع الثقافي وعملية الدمقرطة في المجتمع الاسرائيلي.

وسرعان ما تبين الى أي مدى كان هذا الرأي منفصلا عن الواقع الاجتماعي – الثقافي والسياسي الحقيقي. جميع الذين تابعوا بتعمق الاتجاهات السياسية في اوساط الاسرائيليين الروس، منذ منتصف التسعينيات وما فوق، لاحظوا بوضوح أن المكان الطبيعي لمعظم الروس في الخارطة السياسية الاسرائيلية موجود عميقا في معسكر اليمين القومي المتطرف. هكذا، هذا الجمهور الذي في بداية عملية اوسلو وسائل اعلامه اعتذرت عن دعم العالم لحزب العمل في 1992، نفذ "التعديل المأمول في نظره في انتخابات 1996، عندما اصبح جسم كاسر للتوازن لصالح معارضي العملية السلمية. بعد ذلك، في نهاية العقد الاول من الهجرة، الحزب "الروسي" الهام الاول، "اسرائيل في صعود"، سبق المفدال في انسحابه من حكومة اهود باراك على خلفية محادثات كامب ديفيد. وبهذا بددت الانطباع الاول بشأن الحياد الايديولوجي الظاهري في سياسة الهوية الروسية – الاسرائيلية.

 

ولكن الدليل القاطع على التقارب المتأصل بين المجتمع الذي يتحدث الروسية في اسرائيل وبين اليمين العنصري الممأسس، وجد تجليه في انشاء حزب "اسرائيل بيتنا" في 1999. هذا كان بالتأكيد ظاهرة اجتماعية غير عادية، لم يكن لها مثيل كما يبدو في تاريخ الهجرة في العصر الحديث: حزب مهاجرين، هدفه الاول العلني كان الوقوف بالمرصاد دفاعا عن المصالح القطاعية لمجموعة ذات هوية لغوية – ثقافية محددة لمن جاءوا منذ فترة قصيرة، ليس فقط أنها اندمجت بنجاح كبير في المعسكر الايديولوجي السياسي بفارق حدود الهوية الداخلية للمجتمع المستوعب، بل أنها تحولت حتى الى جسم جاذب بالنسبة لسياسيين قدامى يمينيين ليسوا من هذه الطائفة، تم استيعابهم في الحزب. بهذا عكست ظاهرة اسرائيل بيتنا توجه تربوي سياسي ممتع، الذي تملص في حينه من عيون كمرلينغ وعلماء اجتماع آخرين: الالتزام بالمباديء الاساسية لليمين مثل فكرة التفوق العرقي – القومي اليهودي بين النهر والبحر، والرفض القاطع لعدد من قيم اليسار، باعتبارها عناصر اساسية وجوهرية لما يسمى بالهوية الثقافية الروسية – الاسرائيلية. والآن بعد مرور عقدين على اقامة اسرائيل بيتنا، يبدو أن نفس العمى النظري الذي ميز مقاربة عدد من باحثي المجتمع الاسرائيلي الانتقاديين تجاه السياسة الروسية في اسرائيل – عاد ليضرب مرة اخرى. كان يكفي مؤسسه وزعيمه بلا منازع لحزب اليمين العنصري الروسي الاسرائيلي، افيغدور ليبرمان، أن يطلق في الفضاء مفاهيم

مثل "علمانية" و"حكومة وحدة ليبرالية" من اجل أن يحظى على الفور بالتصفيق الذي في جزء منه هو تصفيق حذر وجزء آخر صاخب، ليس فقط من جانب الوسط "الفارغ"، بل حتى من جزء من بقايا اليسار الاسرائيلي. قبل اسبوعين نشر في "هآرتس" في 29/9 مقالي رأي من الاكاديميين البارزين الذين يمثلون اليسار بجميع اطيافه، البروفيسور يولي تمير والبروفيسور شلومو زند، اللذين كل واحد منهما يعتبر ليبرمان الأمل الجديد لليسار.

 

حسب اقوال تمير وزند، المتشابهة الى درجة مدهشة، فان التوجه الذي يفيض بالأمل لليبرمان في خطاب علماني يعكس التغييرات الاجتماعية والثقافية والمفاهيمية التي حدثت في الجيل الاخير في اوساط المهاجرين من دول الاتحاد السوفييتي سابقا في اسرائيل. في حين أنه في البداية وبسبب عدم الثقة الذي شعر فيها في ارض جديدة، وجد المهاجرون انفسهم داخل "غيتو روسي" منغلق، الذي كان جزء من كتلة اليمين. ومع مرور الوقت وكلما انضم الى هذا القطاع ابناء جيل اكثر شبابا من مواليد البلاد، بدأ هذا الجمهور في البحث عن الطريق الى اجمالي المجتمع الاسرائيلي. ولأنهم عانوا الكثير من اضطهاد الحاخامية بسبب عدم الاعتراف بيهوديتهم، فان الكثيرين من الروس وجدوا "لغة مشتركة" مع الأسس المتقدمة والمتنورة للمجتمع الاسرائيلي (هذا حسب تمير). وربما حتى يمكنهم الارتباط بصورة غير مباشرة مع مجتمع المواطنين الفلسطينيين – الاسرائيليين والعمل ضد الطابع اليهودي – العرقي المركزي للدولة (هذا حسب زند).

من المؤسف أن أخيب أمل تمير وزند. ولكن التحليل المتفائل لهما بالنسبة للتطورات الاخيرة في اوساط الروس وفي ساحة اللقاء بين السياسة الروسية واجمالي المجتمع الاسرائيلي، يعكس رغبتهما أكثر من عكس الوضع كما هو موجود. الميول اليمينية القومية المتطرفة لكثير جدا من المهاجرين من الاتحاد السوفييتي أو من الولايات المتحدة أو من المانيا، ليست نتيجة ظروف وصعوبات اندماج في المجتمعات الجديدة، بل هي نتيجة بارزة للمفهوم الثقافي ما بعد الاتحاد السوفييتي، الذي يواصل تقرير مقاربتهم بالنسبة لمسائل المواطنة والقومية. الأسس الاساسية لهذه المفاهيم اساسين، الاول، نزع الشرعية الاخلاقية عن افكار اليسار بسبب الفجوة الكبيرة بين الخطاب الانساني لقيم اليسار في الدعاية السوفييتية وبين تجسيدها المشوه في الواقع الانساني؛ الثاني، تبني واستيعاب مبدأ السيطرة الحصرية للأمة العرقية في "وطنها التاريخي الأبدي"، الذي ترسخ وتم تطويره فعليا من قبل سياسات القوميات السوفييتية، رغم خطاب "أخوة الشعوب" الفارغة.

 

من الواضح أن الوعي الانساني ليس ظاهرة ثابتة، بل هو ظاهرة ديناميكية تتغير بشكل مستمر وفقا للتغيرات في واقع الحياة المادي – ليس أقلها عندما يتعلق الامر بوعي المهاجرين وأبناء وبنات المهاجرين في ارض جديدة. من هنا فان الواقع الاجتماعي – الثقافي والسياسي في المجتمع الاسرائيلي في العقدين الاخيرين أفاد استمرار نماذج التفكير العنصري من انتاج الاتحاد السوفييتي في اوساط "الطائفة" الروسية الاسرائيلية، وهذا لسببين، الاول، الحفل الذي لا يتوقف لسياسة الهويات في اسرائيل والذي يمنح الشرعية لاعتماد مجموعات الهوية المختلفة على اصلهم وماضيهم، يشجع الحفاظ على الهوية الروسية في اسرائيل، بما في ذلك المفاهيم الثقافية القومية الموجودة فيها. الثاني وهو الاهم، كنتيجة لحملة نزع الشرعية البيبية ضد اليسار، التي يشارك فيها ليبرمان واسرائيل بيتنا بصورة مهمة ومركزية، فان المواقف القومية المتطرفة اليمينية، بما في ذلك الكراهية الشديدة لمواطني اسرائيل الفلسطينيين (التي هي الهوية الواضحة لليبرمانية) كانت من نصيب المزيد من اجزاء في المجتمع الاسرائيلي القديم – الامر الذي يضمن أن المكون "الروسي" للعنصرية الاسرائيلية سيبقى بدرجة كبيرة مثلما هو، ايضا بعد جيل ونصف بعد الهجرة.

 

هنا يكمن اذا الفشل الاساسي في تحليلات تمير وزند، اللذين يشاركهما ايضا ساذجين آخرين من اليسار، الذين يسارعون الى التصفيق لخطوات ليبرمان الاخيرة. ليس ليبرمان وحزبه هم الذين يتحركون نحو الوسط لمجمل المجتمع الاسرائيلي، بل أن مواقف ليبرمان العنصرية وقاعدته الروسية التي احتلت في العقدين الاخيرين الساحة المركزية في المجتمع الاسرائيلي، هي التي تجذب مؤخرا قلوب المزيد من الاسرائيليين القدامى، بمن فيهم العلمانيين والليبراليين في نظر انفسهم. هؤلاء الاسرائيليون يشبهون كثيرا الكثير من بين مؤيدي الروس لليبرمان: هم لا يحتاجون الى إله من اجل حرمان الفلسطينيين من المواطنة والقومية، هم يكرهون شرقية ميري ريغف، وبالطبع هم يشمئزون من الحريديين. من اجل ضمان هؤلاء الاسرائيليين، تبنى ليبرمان مؤخرا الخطاب العلماني – هم الآن "الروس" الجدد له.