جبل البيت في أيدينا؟- معاريف

الساعة 01:17 م|12 أكتوبر 2019

فلسطين اليوم

بقلم: جاكي خوجي

(المضمون: ما الذي يختبيء خلف الابتزاز الاردني غير المسبوق للسائح الاسرائيلي بالرسوم في معابر الحدود - المصدر).

عند دخولكم الى الاردن عبر أحد معابر الحدود سيسألكم الموظف كم يوما برأيكم ستقضون هنا. اذا قلتم ثلاثة ايام فأكثر، ستكونون مطالبين بدفع عشرة دنانير على التأشيرة. اما اذا قلتم 48 ساعة فأقل، فسيقفز السعر الى 40 دينار. والغرامة على الاقامة القصيرة مخصصة للاسرائيليين فقط، وهي متبعة منذ بضع سنوات. عند مجيئكم في زيارة خاطفة الى المملكة الهاشمية، مثلما يفعل الكثير من الاسرائيليين، ستدفعون 30 دينارا اضافيا، اي نحو 150 شيكل أكثر.

"الغرامة" ليست الكلمة التي يستخدمها موظفو الحدود الاردنيون. هذا تعبير اخترته عند كتابة هذه السطور، إذ ليس هناك وصف ملائم اكثر للسياسة التي وصفناها اعلاه، فما بالك انها لا تنتهي عند ذلك. دولة تغرم السياح من دولة اخرى لانهم اختاروا المكوث فيها يومين وليس ثلاثة أو أربعة ايام، مثلا.

 

ان العلاوة على تأشيرة الدخول هي مشكلة قديمة. مؤخرا فاجأ الاردنيون بغرامة اخرى، اكثر غرابة من سابقتها. كل اسرائيلي يريد الدخول الى اراضي مملكتهم يطالب بان يرافقه مرشد اردني الى مقصده، مدفوع الاجر. وتبدأ الاسعار بثلاثة – اربعين دينار وتنتهي في السماء، والامر متعلق بالمسافة الى المقصد. ويعلل الاردنيون التغيير بالاعتبارات الامنية، اي لحماية السائح من كل ضر. غير ان المرافقين ليسوا رجال أمن، واين سمعتم ان سائحا يكون مطالبا بان يستأجر لنفسه حارسا من جيبه الخاص؟ هذه وظيفة الدولة المضيفة ان تحميه. ان هذا الترتيب غريب على نحو خاص، حين يدور الحديث عن السفر الى العقبة. فالمسافة من معبر الحدود "وادي عربا" الى العقبة

 

هي بضع دقائق سفر، والمرافق يودعكم حتى قبل أن يتمكن من ان يقول "انديانا جونز" (والحملة الصليبية الاخيرة لمن يسأل).

 

واجب المرافقة متبع منذ أربعة اشهر، وفرضه الاردنيون من طرف واحد. وسياستهم بالنسبة لذلك متصلبة. اما الاسرائيليون الذيم لم ينسقوا لانفسهم مسبقا مرافقا وفندقا، فلا يسمح له بالدخول الى اراضي المملكة ويعادون الى الديار. واكثر من ذلك. وحتى في العودة ستكونون مطالبين باستئجار المرافق، جيئة وذهابا. والمعنى المالي هو انه اذا كنتم اردتم مثلا ان تقضوا عطلة نهاية الاسبوع في عمان، سيتعين عليكم ان تخرجوا من البلاد مع رزمة من الاموال النقدية ستتركونها في معبر الحدود فقط. 40 دينار للشخص على التأشرة، ومبلغ مشابه اقل او اكثر للشخص او للزوجين على المرافق. وهذا النظام سيدفع تكلفة العطلة بمئات الشواكل للشخص الواحد.

 

ويأتي الطلب لاستئجار المرافق لزيادة مداخيل المالية الاردنية من السياحة الاسرائيلية وتوفير مصدر رزق لبضع عشرات من العاملين. ولكنه يستهدف اساسا اطلاق رسالة للقدس بان عمان ثائرة الاعصاب. في الدول العربية يكون التحرش بمواطني دولة معينة في المداخل هو وسيلة احتجاج دبلوماسية في زمن التوترات بين الدول. صحيح أن العالم الواسع يرى في السائح ضيفا محترما ومرغوبا فيه، ولكننا في الشرق الاوسط.

 

علاقات غير منسجمة

 

توجد القدس وعمان منذ فترة طويلة في انقطاع للاتصال، ويمكن القول بكلمات رقيقة ان الحوار بينهما ليس منسجما في هذه الايام. ليس لدى الاردن وفرة من اوراق الاحتجاج ضد اسرائيل، ولهذا فهي تطلق يدها الى جيوب السياح القلائل الذين يصلون اليها على أمل ان يفهم احد ما في القدس التلميح. وبهذه الطريقة فان الاردن يبدي احباطه من سياسة اسرائيل في شرقي القدس.

 

في نظرة من عمان، تميل حكومة اسرائيل الى تسخين الاجواء عبثا، حتى دون حاجة. هكذا كانت أزمة البوابات الالكترونية، هكذا هو كل فعل يتمثل باستخدام القوة في الحرم تجاه المصلين المسلمين. يعتقد الاردنيون بان اسرائيل يمكنها أن تبدي مرونة اكبر في معاملها مع المصلين، ولا سيما عندما تستخدم القوة الشرطية. للملك الاردني توجد مكانة خاصة في الحرم، منحه اياها اتفاق السلام مع اسرائيل. ولكن هكذا ايضا سيطرته في شرقي المدينة منذ قيام المملكة وحتى 1967. ولهذا فهو يعتبر كراع، كراشد مسؤول من ناحية المسلمين في العالم كله عن الاقصى.

 

ويلقي هذا الدور عليه ثقلا كبيرا. حين يمس بقدسية المكان، او يخيل لاحد ما انها مست، فان القصر الهاشمي هو من تتعلق به الانظار لتلقي الحماية. وفقط بعد ذلك تأتي الاوقاف. وعندما لا ينجح في حمل صديقته اسرائيل على تهدئة الاجواء، يبدأ الكثيرون في التساؤل لماذا عقد حلفا معها وما هي جدوى الاتفاق معها.

 

لسنوات طويلة صمد القصر الاردني امام هذه الضغوط. اما في السنوات الاخيرة فقد بدأ الشارع العربي والاردني يشدد ضغطه على القصر. وبالتوازي ضعفت العلاقات مع القدس، بسبب سلسلة الاحداث في الحرم وخارجه؛ والعلاقات على اي حال لم تتميز بالانسجام منذ بدايتها.

 

يحتمل أن تكون الحساسية الاردنية صادقة ومفهومة وان اسرائيل بالفعل تساهم في رفع التوتر في الحوض المقدس. ويحتمل أن تكون مبالغا فيها. ولكن التوتر بين عمان والقدس آخذ في التصاعد. ولهذا السبب تصلب قلب النظام الاردني في السنتين الاخيرتين. واحد التعابير البارزة عن هذا التصلب هو قرار الملك استرداد جيبي تسوفر ونهرايم. لم تكن هذه حاجة وطنية بل خطوة احتجاج تستهدف اطلاق رسالة تحذير وانعدام وسيلة لاسرائيل ولارضاء الرأي العام الاردني ايضا.

 

وعودة الى السائح الاسرائيلي. اشك ان يكون من توجه اليه الخطوات الاردنية العقابية في معابر الحدود، رئيس الوزراء ومستشاريه في مجلس الامن القومي، قد سمعوا عنها. وحتى لو سمعوا، مشكوك أن يطرقوا بقبضتهم على الطاولة. فاسرائيل لم يسبق ان رأت في السياحة الاسرائيلية الى الاردن قيمة عليا. ولا الى مصر. بالنسبة للقدس ما يهمها هو التعاون الاستخباري والعسكري وكل ما تبقى قليل الاهمية بكثير. ومثلما في الحالة المصرية، فان هذا خطأ استراتيجي. باستثناء مناحم بيغن واسحق رابين، اللذين وقعا على اتفاقات السلام، لم يسعى خلفاؤهما على التمسك بالعلاقات في مجالات السياحة، التجارة، الثقافة وغيرها من الفروع. ففهم القدس للسلام هو أمني، اي انه يتركز على تعزيز الاتصال السري بالحكام. غير أنه في العالم الجديد للمجتمع المدني في الدول العربية توجد اهمية ثقيلة الوزن، مثلما رأينا جيدا في السنوات الاخيرة. لهذا السبب لا يجب اهمال تطوير العلاقات معه.