التخلي عن الاكراد في سوريا سيعطي- هآرتس

الساعة 01:16 م|12 أكتوبر 2019

فلسطين اليوم

بالتحديد ترامب أرباح سياسية من الداخل

بقلم: عاموس هرئيل

(المضمون: بالنسبة للامريكي العادي الهجوم التركي يتم وراء الظلام، واذا تم سحب الشباب الامريكيين كي لا يصابون فما الضير في ذلك. خطوة الولايات المتحدة تفيد ايران وروسيا وداعش ايضا - المصدر).

هناك شيء ما مبالغ فيه وحتى أنه مصطنع، في الهزة الاخلاقية التي تتملك الآن السياسيين والصحافيين، من الولايات المتحدة واوروبا واسرائيل، في اعقاب قرار الرئيس الامريكي دونالد ترامب التخلي عن الاكراد واخلاء الجنود الامريكيين من شمال شرق سوريا من أن يسمح بالغزو التركي.

 

أولا، لأنه من المضحك أن يتم قياس ترامب بأدوات تقليدية. هذا الشخص لم يستخدم اعتبارات كهذه في أي يوم، ونظرة خاطفة في تاريخه كانت ستعلمنا أن الامر يتعلق بشخص لن يتردد في غرس سكين في ظهر حلفائه، وبعد ذلك الكذب حول ذلك دون أن يرمش له جفن. ثانيا، لأنه في كل ما يتعلق بالشرق الاوسط فان ترامب يسير في طريق سلفه براك اوباما، ووفقا لما يرى أنه رأي عدد كبير من الناخبين الامريكيين من الحزبين الكبيرين. هو يريد تقليص تدخل الولايات المتحدة في المنطقة، وبالتأكيد التقليل من حجم التزامها العسكري.

 

بعض تصريحات ترامب الاخيرة هي تصريحات غبية جدا، وربما أنها تحطم عددا من الارقام القياسية التي سجلها هو نفسه. أول أمس شرح ردا على الانتقاد لقراره التخلي عن الاكراد لمصيرهم، بأن "الاكراد لم يساعدونا في الحرب العالمية الثانية. هم لم يكونوا معنا على شواطيء نورماندي". ولكن في كل ما يتعلق بالسياسة الامريكية فان ترامب بعيدا عن أن يكون غبيا. عندما تكون وجهته الانتخابات الرئاسية بعد سنة تقريبا. يبدو أنه يلاحظ المشاعر الانفصالية القوية في اوساط المصوتين في الحزبين، ويقدر بأنه من وراء الغضب الموجود في واشنطن هذه الخطوة يمكن أن تعطيه ارباح سياسية اكثر مما ستتسبب بالخسائر له.

 

الديمقراطيون لم ينجحوا في تحويل القصة الكردية الى طبعة جديدة من سقوط الصين في أيدي الشيوعيين في نهاية الاربعينيات (خطأ استراتيجي اتهم فيه الجمهوريون ادارة ترومان الديمقراطية خلال عدة عقود). الناخب الامريكي العادي يجد صعوبة في التمييز بين الاكراد والاتراك وبين السنة والشيعة. الهجوم التركي يتم بالنسبة له خلف جبال الظلام. ليس له تأثير مباشر على حياته أو على حياتها، واذا تم سحب شباب امريكيين من هنا ك كي لا يصابوا فماذا في ذلك.

 

في المقابل، التقارير عن الطريقة التي ناور فيها الرئيس التركي طيب رجب اردوغان نظيره الامريكي في المحادثة الهاتفية فيما بينهما يوم الاحد، تدل مرة اخرى على المعرفة السطحية لترامب لمسائل السياسة الخارجية. المفاجأة التامة التي استقبل فيها قراره في المستويات الادنى منه، تجسد الانقطاع العميق بين الرئيس وبين الشخصيات المهنية في الادارة. ترامب الذي لا يحتمل خبراء المخابرات يفضل أن يتم تزويده بالاخبار الحديثة بواسطة شبكة "فوكس" وهو متقلب تماما في اتخاذ قراراته. مع ذلك، تصعب رؤية كيف سيكون لأدائه الضعيف في الازمة الاخيرة تداعيات سياسية في الانتخابات في 2020.

 

الربيع العربي يعود

 

تخلي الامريكيين عن الاكراد سيكون له تداعيات محتملة على الشرق الاوسط واسرائيل بشكل خاص. في الساحة الاقليمية تعكس هذه القضية استمرار انخفاض الاهتمام الامريكي وانخفاض التأثير. منذ اللحظة التي تحررت فيها الولايات المتحدة من الاعتماد على النفط العربي كمصدر للطاقة، انخفض استعدادها للتدخل فيما يجري في الشرق الاوسط. الانسحاب الامريكي المتواصل الذي بدأ في عهد اوباما يخلي الطريق لصعود قوات اخرى، على رأسها روسيا وايران، الدولتان اللتان لا تعنيهما مصلحة اسرائيل. في الخلفية ضعف التحالف السني الذي حاول دفع الولايات المتحدة للقيام بخطوات عدائية أكثر ضد ايران.

 

وخلال ذلك، في سوريا نفسها، سيحدث فراغ جغرافي يمكن أن يسمح بعودة داعش من بين الاموات. حسب "واشنطن بوست" فان الاكراد يحتجزون نحو 11 ألف شخص من داعش في نحو 20 منشأة اعتقال بدائية في المناطق التي تقع تحت سيطرتهم. إن انسحاب القوات السورية الديمقراطية، التنظيم الاعلى الذي فيه الاكراد هم القوة الاساسية، يمكن أن يؤدي الى هرب رجال داعش. ومشكوك فيه اذا كان الاتراك معنيون في الأصل بالاشراف على ما يجري في هذه المنشآت، أو في معسكر المهجرين "الهول" الذي يوجد فيه نحو 70 ألف مواطن، الكثيرون منهم من أبناء عائلات ارهابيي داعش.

 

حتى الآن تركيا تركز على عمليات الاعداد قبل الهجوم البري. في يوم الاربعاء حدث قصف مدفعي على مواقع كردية على طول الحدود بين تركيا وسوريا، وأمس جاءت تقارير عن احتلال قريتين قرب الحدود. حسب ادعاء اردوغان قتل في المعارك اكثر من 100 كردي مسلح، وفي هذه الاثناء عشرات آلاف المواطنين بدأوا بالهرب من المنطقة.

 

وبسبب أن ترامب يبث رسائل متناقضة (اعلان البيت الابيض وصف الغزو التركي أول أمس كـ "فكرة سيئة") ربما الاتراك سيقررون التقدم بحذر. يوجد فرق بين السيطرة على مناطق قرب الحدود بعمق 5 كم في الاراضي السورية وبين السيطرة على قطاع أكبر بعمق 30 كم تقريبا. العملية الاوسع ستؤدي الى هرب جماعي للمواطنين وسيرافقه كما يبدو احتكاك عسكري اقوى مع المقاتلين الاكراد. نظام الاسد اعلن عن الانتصار في الحرب الاهلية في سوريا قبل سنة تقريبا، بعد أن استكمل السيطرة على جنوب الدولة بمساعدة مكثفة من روسيا. الاحداث في شمال شرق سوريا، ايضا في الغرب، في محافظة ادلب التي يتحصن فيها عشرات آلاف المتمردين المسلحين، تدل على أن الحرب لم تنته بعد، حتى لو كانت هوية الطرف المنتصر واضحة جدا. وللحقيقة، ايضا الهزة العربية ما زالت موجودة. احداث الاشهر الاخيرة تدل على أن الطاقة التي تحررت قبل عقد تقريبا ما زالت نشطة على الارض، والانظمة العربية المختلفة لا يمكنها أن تشعر بأنها واثقة في حكمها.

 

في المظاهرات في العراق، التي تركزت على الاحتجاج على فساد الحكومة، تم الابلاغ عن اكثر من 100 قتيل، في مصر بدأت قبل شهر تقريبا موجة جديدة من المظاهرات ضد النظام. وفي الاردن انتهى اضراب طويل للمعلمين فقط بعد خضوع الملك عبد الله لمعظم طلبات المتظاهرين الذين في البلاط الملكي لديهم شكوك في أن نشاط المتظاهرين تم تنسيقه مع الاخوان المسلمين. الربيع العربي يعود بادارة جديدة.

 

ولايات غير متحدة

 

بالنسبة لرئيس الحكومة بنيامين نتنياهو فان التطورات في شمال شرق سوريا هي مشكلة اضافية، في سلسلة احداث آخذة في التراكم لتشكل ازمة استراتيجية جديدة. منذ اللحظة التي فاز فيها ترامب في انتخابات الرئاسة في تشرين الثاني 2016 فقد سوق نتنياهو خط حاد وواثق. الرئيس، قيل، إنه صديق حقيقي لاسرائيل، ومحاط بأبناء عائلة ومستشارين يهود. شبكة العلاقات القريبة لنتنياهو معه – بعد اشمئزاز متبادل مع اوباما – ستمكن من تسخير ترامب لصالح الاحتياجات الاسرائيلية.

 

إن طموحات نتنياهو التي تم بثها للامريكيين بصورة دائمة في محادثات مع الرئيس وفي لقاءات بين السفير الاسرائيلي في واشنطن، رون ديرمر، ورجال طاقم ترامب، كانت بعيدة المدى جدا. نتنياهو أراد اقناع الرئيس بالانسحاب من الاتفاق النووي مع ايران، الذي تم توقيعه من قبل سلفه في صيف 2015، واستخدام اقصى درجات الضغط على النظام هناك من اجل توفير مظلة سياسية – استراتيجية للتقارب بين اسرائيل ودول الخليج. وبعد ذلك حتى الدفع قدما بحلف دفاع بين امريكا واسرائيل.

 

عندما صمم ترامب على أن يطرح ايضا صفقة القرن من اجل احلال السلام بين اسرائيل والفلسطينيين فان نتنياهو نظم لنفسه طريق للوصول الى طاقم السلام الامريكي بالحد الاقصى. خطة الادارة حتى بعد مرور سنتين ونصف التي ما زالت ليس لها موعد نهائي واضح لنشرها الرسمي، تتطابق بدرجة كبيرة مع مواقف الليكود بخصوص التسوية. اضافة الى ذلك: شخصيات كبيرة في اليمين الاسرائيلي وحتى رجال ترامب اشاروا الى أن رفض الفلسطينيين المتوقع للخطة يمكنه أن يفتح الطريق امام خطوات أحادية الجانب لفرض سيادة اسرائيل على اجزاء من الضفة الغربية. اللحظة المناسبة، قالوا، سيتم استغلالها من قبل اسرائيل من خلال الدعم أو عن طريق غض النظر من ناحية واشنطن.

 

أيار 2018 كان شهر عاصف بشكل خاص بالنسبة لاسرائيل وللمنطقة. نتنياهو كشف للعالم العملية الناجحة للموساد التي فيها سرقت من طهران وثائق من الارشيف النووي الايراني. وبعد بضعة ايام من ذلك اعلن ترامب بشكل رسمي عن انسحاب امريكا من الاتفاق النووي. محاولة حرس الثورة الايراني الانتقام من اسرائيل بواسطة اطلاق الصواريخ على هضبة الجولان على سلسلة هجمات ضد اهداف ايرانية في سوريا، تم احباطها بنجاح من قبل الجيش الاسرائيلي. في القدس احتفلوا بنقل السفارة الامريكية الى المدينة. وفي قطاع غزة وصلت المظاهرات العنيفة على طول الحدود الى الذروة في يوم نقل السفارة. نحو 60 فلسطينيا قتلوا بنار القناصة في يوم واحد، لكن الردود في المجتمع الدولي كانت ضئيلة نسبيا.

 

نتنياهو، هكذا ظهر في حينه، اجتاز بسلام جميع الاختبارات. مشجعون اغدقوا عليه الثناء كساحر استراتيجي الذي بفضل علاقاته ومؤهلاته ينجح في اقناع ترامب ورئيس روسيا بوتين بالعمل من اجل اسرائيل.

 

بعد سنة وخمسة اشهر على ذلك، الامور تبدو مختلفة في مضمونها. الادارة الامريكية ردت تقريبا بلامبالاة على الهجمات الايرانية ضد صناعة النفط في الخليج، التي استهدفت حث

 

ترامب على رفع العقوبات الاقتصادية عن طهران واستئناف المفاوضات حول العودة الى الاتفاق النووي. ترامب يعلن فوق كل منبر محتمل بأنه معني بالتفاوض مع ايران وليس بالحرب. السعودية واتحاد الامارات تنقل رسائل لطهران بشأن الحاجة الى تقليص الاحتكاك العسكري بين الطرفين واستبداله بالحوار الدبلوماسي.

 

في هذه الاثناء، ترامب يتنازل عن الاكراد ويبقي الساحة السورية مفتوحة لبوتين الذي من ناحيته لم يف بتعهداته لنتنياهو بشأن ابعاد الايرانيين ومبعوثيهم عن الحدود مع اسرائيل في هضبة الجولان. في الخلفية يظهر هناك خطر من أن تزيد ايران جهودها الثأرية ضد اسرائيل، ازاء سلسلة اخرى من هجمات سلاح الجو في الاشهر الاخيرة. الهجوم الايراني الاخير في السعودية جسد قدرة عملياتية عالية على المس من بعيد التي تلزم اسرائيل ايضا باستعداد دفاعي آخر. تقريبا يثور بالضرورة سؤال: ماذا ستفعل الولايات المتحدة اذا بادرت ايران بهجوم صاروخي واسع ضد اسرائيل.

 

اذا كان هناك من اعتمد على التحالف مع واشنطن فقد بقي على الورق فقط. في المقابلات السريعة له عشية الانتخابات في ايلول تفاخر نتنياهو: "لقد احضرت لكم حلف دفاع". واتهم وسائل الاعلام بتجاهل هذا الانجاز ("هذا يعني أن اسرائيل لن تدمر في أي يوم!"، غرد نجله بتحمس على حسابه في تويتر). ترامب اكتفى بمقولة عامة عن استعداده ليفحص بعد ذلك حلف دفاع. في هذه الاثناء مرت ثلاثة اسابيع ونصف على الانتخابات، وحتى الآن لم يتم الابلاغ عن أي محادثة هاتفية بين الزعيمين، ليس المحادثة التقليدية بمناسبة رأس السنة العبرية، وحتى ليس هناك تهنئة بالنجاح قبل جلسة الاستماع لمحامي رئيس الحكومة. ربما توجد حقيقة في الشائعات بأن ترامب يفضل أن يرى قربه منتصرين، وليس من يجد صعوبة في تشكيل ائتلاف حتى بعد حملتين انتخابيتين في خمسة اشهر.

أمس ألقى نتنياهو خطاب في الذكرى السنوية لشهداء حرب يوم الغفران، وقد ركز في اقواله على ايران عندما قال بأنها "مركز العدوان الحالي في الشرق الاوسط، وأن ايران تسعى الى تعزيز سيطرتها على لبنان وسوريا والعراق واليمن وقطاع غزة. وهي تتسلح بدون توقف وهي تجتاز المرة تلو الاخرى نسبة جرأتها وهي تهدد بأن تمحي اسرائيل عن الخريطة، وهي تقول بشكل صريح بأن اسرائيل ستختفي".

قبل بضع ساعات على قوله هذه الامور نشر رئيس الحكومة ادانة علنية للغزو التركي التي غاب عنها اسم الولايات المتحدة. هذا غير مفاجيء، فنتنياهو له خبرة وهو حذر من مهاجمة ترامب.