بعد انسحاب الولايات المتحدة: -هآرتس

الساعة 12:58 م|10 أكتوبر 2019

فلسطين اليوم

تركيا تشرع بمعركة ضد الاكراد وادخال قوات الى سوريا

بقلم: تسفي برئيل

(المضمون: الهجوم التركي على معقل الاكراد في شمال سوريا حصد الأرواح وأدى الى هرب آلاف المواطنين. ومع تنصل ترامب من التزاماته لحلفائه فان احتمال التوصل الى حل سياسي سريع مرتبط بنوايا روسيا التي تظهر عدم المبالاة ولا تسارع الى منع سفك الدماء - المصدر).

اعلان رجب طيب اردوغان بشأن المعركة ضد المناطق الكردية في شمال سوريا رافقها أمس هجوم من الجو على مدينة تل ابياد. مسار تركيا للحرب ما زال غامضا، لكن شن الحرب بالذات في تل ابياد يشير الى النوايا الاستراتيجية للسيطرة على المناطق التي تقع شرق الفرات ومنها مواصلة السير نحو الغرب من اجل الالتقاء مع القوات التركية التي سيطرت على عفرين في آذار 2018. بهذا فقد اخترقت القوات التركية "الخط الاحمر" الذي شكل حتى الآن منطقة محمية من الهجمات حسب التفاهمات بينها وبين الولايات المتحدة.

 

تركيا لا تضيع الوقت، ومع خروج القوات الامريكية وتخلي الرئيس الامريكي ترامب عن التزاماته لحلفائه تحول القطاع الكردي الى منطقة حرة للصيد. آلاف الاكراد بدأوا بالهرب من بيوتهم. وحسب تقارير مختلفة فان المواجهة جبت ضحايا. القيادة السياسية والعسكرية للقوات الكردية من ناحيتها اعلنت عن حالة طواريء وتجنيد عام. وحسب تقارير متحدثين اتراك، فان مقاتليهم توقفوا عن محاربة داعش وهم لا ينوون مواصلة الاحتفاظ بآلاف الأسرى والأسيرات من هذا التنظيم، المعتقلون منذ اشهر في معتقلات في المناطق الكردية. وحسب اقوال مزلوم عقدي، القائد العسكري لـ "قوات سوريا الديمقراطية"، المليشيا الكردية المسلحة والاكبر التي تم تشكيلها بمساعدة الولايات المتحدة، فان الحرب ضد داعش والاحتفاظ بمعسكرات الاعتقال اصبحت "هدفا ثانويا".واوضح بأن جنوده يلتزمون الآن بالعمل ضد الاحتلال التركي والدفاع عن عائلاتهم في القرى والبلدات التي تتعرض للخطر.

 

الخيار العسكري الماثل أمام رجال عقدي هو اقناع الجيش السوري بالانضمام الى نضال القوات الكردية، لكن مشكوك فيه أن تكون سوريا تريد أو تستطيع الدخول الى جبهة جديدة امام تركيا، لا سيما عندما تكون روسيا تتعامل بلامبالاة مع الغزو التركي.

 

روسيا وعدت بمحاولة التوسط بين الاكراد وتركيا لمنع سفك الدماء الكبير. ولكن بالنسبة لها فان احتلال تركي مؤقت يمكن أن يضمن لاحقا نقل المنطقة المحتلة الى نظام الاسد وتسريع العملية السياسية التي تدعمها. خيار آخر واقعي اكثر هو أن الاكراد سيشنون حرب عصابات كبيرة ضد القوات التركية، بحيث تتحول المنطقة الكردية الى فيتنام تركية. اسلوب العمل هذا هو الطريقة التي تعتبر القوات الكردية خبيرة بها حيث أن القوات الكردية تقف امام القوات التركية بدون دعم جوي ومع وحدات مدرعة محدودة. يمكن ايضا التوقع أن يحاول الاكراد نقل المعركة الى داخل تركيا بواسطة عمليات كبيرة وضرب مباشر للتجمعات السكنية في المدن التركية، حسب نموذج العمليات التي نفذتها قوات حزب العمال الكردستاني في السنوات الاخيرة.

الوقت هو عنصر هام في هذه المعركة، لا سيما في الجانب الكردي. كلما كانت الحرب كثيفة وسريعة اكثر وأدت الى حسم عسكري، يمكن لتركيا التملص من الضغط الدولي الآخذ في التزايد. الاكراد في المقابل غير متسرعين. حرب استنزاف طويلة وناجعة يمكنها أن تجند رأي عام داعم، سواء من الدول الاوروبية أو الولايات المتحدة، وهي بالاساس يمكن أن تحرك احتجاج جماهيري في تركيا نفسها، كلما زاد عدد الجنود الاتراك القتلى. ومن اجل تقليص عدد القتلى في حرب برية فان تركيا تلقي على مليشيات "جيش سوريا الحر" الذي يعمل الى جانب القوات التركيةمهمة الاحتلال البري. وحسب المتحدثين باسم هذه المليشيا، فانه طلب منهم أن يستخدموا "قبضة حديدية" ونار حرة ضد المعارضة الكردية. ولكن عندما يدور الحديث عن خط حدودي بطوال 450 كم وعمق 30 كم، لن يكون مناص من دخول قوات تركية مدرعة ومشاة الى ساحة المعركة.

احتمالية التوصل الى حل سياسي سريع للازمة تعتمد في هذه المرحلة على نوايا روسيا، الدولة العظمى الوحيدة التي يمكنها استخدام ضغط ناجع على تركيا وصد استمرار الهجوم. ولكن روسيا أسمعت حتى الآن تصريحات مائعة تطالب بحل دبلوماسي. وقد وعدت لكنها لم تلتزم بضم الاكراد الى المفاوضات السياسية التي ابعدت عنها حتى الآن بناء على طلب من تركيا. ربما أن روسيا تنتظر لترى كيف ستجري المعركة العسكرية، التي اثمرت حتى الآن توجيه انتقاد كبير من جانب ايران، من اجل أن تقرر هل ستقف الى جانب الاكراد مع الجيش السوري أم أنها ستسمح لتركيا باحتلال المحافظات الشمالية وأن تجري معها مفاوضات حول اخلائها، وذلك من اجل السماح لجيش الاسد بالسيطرة عليها بدون حرب، وهذا في حالة هزيمة القوات الكردية.

 

الولايات المتحدة التي تخلت نهائيا عن الاكراد، هددت تركيا بأن اقتصادها سيدمر اذا اجتازت "الخطوط الحمراء" التي اتفق عليها بين اردوغان وترامب في المكالمة الهاتفية الغريبة التي قاما باجرائها؛ لكن يبدو أن هذا التهديد فارغ، بالضبط مثل تحذير ترامب بمعاقبة تركيا بسبب شرائها صواريخ "اس400" من روسيا. السياسة الامريكية، هذا اذا كان يمكن وصفها هكذا، تقتبس الآن تقريبا بشكل كامل سياسة الرئيس جيرالد فورد وهنري كيسنجر في بداية السبعينيات تجاه الاكراد. تقرير لجنة بايك التي شكلها مجلس النواب في العام 1976 من اجل التحقيق في سلوك الـ سي.آي.ايه اشار في حينه بأن "الرئيس ود. كيسنجر وشاه ايران أملوا بأن زبائننا (الاكراد) لن ينتصروا. لقد فضلوا أن يستمر المتمردون في تنفيذ عمليات معادية (ضد العراق) من اجل استنزاف موارده. هذه السياسة غير منسقة مع زبائننا، ونحن قمنا بتشجيع استمرار الحرب... هذه كانت مؤامرة سخيفة من ناحيتنا". فورد لم يكن الرئيس الامريكي الاخير الذي صفع الاكراد بشكل مدوٍ. ايضا الرئيس جورج بوش الأب تعامل مع المذبحة التي نفذها صدام حسين ضد الاكراد والشيعة على أنها "شأن داخلي". الرسائل اليائسة التي ارسلها زعيم الاكراد مصطفى برازاني الى الرئيس الامريكي وهنري كيسنجر لم تتم الاستجابة لها. ايضا الآن ليس للاكراد أي عنوان في الولايات المتحدة التي قضى رئيسها بأنه "يجب الخروج من هذه الحروب الغبية". وأن الدخول الى الشرق الاوسط كان الخطأ الاكبر للولايات المتحدة.

 

ليس فقط الدعم الامريكي تبخر، بل أن الاكراد في سوريا لا يمكنهم الاعتماد على تضامن كردي يساعدهم من خلف الحدود السورية. بين قيادة الاقليم الكردي في العراق وبين قيادة الحزب الديمقراطي السوري، وهو حزب الاكراد في سوريا، يوجد خلاف ايديولوجي عميق وشكوك حول نية قيادة الاقليم في العراق للسيطرة على الحركة الكردية في سوريا.

 

يوجد للاقليم الكردي في العراق علاقات اقتصادية وسياسية قوية مع تركيا. وقيادته تنضم الى الصراع التركي ضد حزب العمال الكردستاني. والاكراد في سوريا لا يسعون الى دولة مستقلة، والنظام الكردي في سوريا تبنى طريقة الديمقراطية المباشرة مقابل السيطرة الهرمية الأبوية في العراق. في بداية الحرب ضد داعش اقترحت قيادة الاكراد في العراق ارسال قوات لمساعدة الاكراد في سوريا، لكن الاخيرة رفضت استقبالها خشية تحولها الى قوات دائمة.

 

قلق الاكراد الآن هو أن الحرب التركية ضد الاكراد ستحظى بصفة "حرب داخلية"، أو على الاكثر تمنح الاكراد تعاطف دولي بسبب النتائج الانسانية الشديدة المتوقعة. ولكونها هكذا، فانها يمكن أن تحول المشكلة الكردية في سوريا الى فصل يسحب منهم القدرة على اجراء مساومة على حقوقهم ومكانتهم، عندما تنضج المفاوضات السياسية ويبدأ النقاش حول الدستور الجديد لسوريا.