فليذهب الاكراد ادراج الرياح -هآرتس

الساعة 01:37 م|08 أكتوبر 2019

فلسطين اليوم

بقلم: تسفي برئيل

(المضمون: اردوغان أثبت بأن التصميم مجد: هو يستخف بمطالبة ترامب وقد حصل على مصادقة منه لغزو اراضي حلفاء الولايات المتحدة في سوريا. وفقط روسيا هي التي يمكنها مساعدة الاكراد، لكن لا توجد لها أي مصلحة لفعل ذلك - المصدر).

 

الحكمة ما بعد الحدث تقول أن الاكراد كان يجب عليهم أن يعرفوا أنه لا يمكن الاعتماد على دونالد ترامب. يكفي احصاء الاتفاقات التي خرقها الرئيس الامريكي في فترة ولايته، التي تشمل الانسحاب من الاتفاق النووي مع ايران وخرق اتفاقات التجارة المختلفة و"صفقة القرن" التي تبين أنها مثل البالون وتجميد المساعدات المقدمة للفلسطينيين واخفاقه الكبير في عقد اتفاقات جديدة أو حل نزاعات، من اجل ان نفهم بأن الامر يتعلق بأسلوب هستيري ووحشي يستهدف تحطيم الانظمة "القديمة" فقط لأن ترامب لم يكن شريكا فيها.

 

إن التخلي عن الاكراد للعربدة التركية التي يتوقع حدوثها في شمال سوريا هو فقط حلقة اخرى في سلسلة الشرور. في نظر ترامب، الاكراد الذين سفك الكثير من دمائهم في الحرب ضد تنظيم الدولة الاسلامية (داعش) واثبتوا انفسهم باعتبارهم القوة المحلية الاكثر نجاعة في محاربة الجهاديين، هم ليسوا اكثر من مليشيا انتهى دورها والآن يمكنهم الذهاب الى الجحيم.

 

الرئيس التركي، رجب طيب اردوغان، اثبت أن التشدد يؤتي ثماره. بعد أن استخف بالمطالبة الامريكية بعدم شراء انظمة صواريخ اس 400 من روسيا واعلن بأن تركيا لن تتوقف عن شراء النفط والغاز من ايران رغم العقوبات الامريكية، فقد نجح في أن يجعل واشنطن تتراجع ايضا في المسألة الكردية. ترامب منحه يد حرة في السيطرة على القطاع الشمالي في سوريا وأن ينشيء فيه مواقع تركية بعمق اكثر من 30 كم وأن يغير المبنى الديمغرافي للمحافظات الكردية، بحيث ينشيء فيها منطقة آمنة يستطيع فيها أن يوطن فيها 2 مليون لاجيء سوري يقيمون الآن في تركيا.

 

يمكن التوقع أنه في الوقت القريب سيحدث الغزو التركي الاكبر الذي يشمل المناطق التي تقع في شرق نهر الفرات. الاكراد سيقفون بقوات ضعيفة لا يمكنها مواجهة سلاح الدبابات وسلاح الجو التركيين واجزاء كبيرة من مناطقهم ستنتقل الى سيطرة تركيا المباشرة. يمكن ايضا الافتراض أن

 

تركيا ستبدأ في حملة اعتقالات كبيرة لمقاتلي الوحدات الشعبية الكردية واعضاء الحزب الكردي السوري، وعمليا كل من هو متهم بالتعاون مع حزب العمال الكردي الذي يعتبر منظمة ارهابية.

 

خيارات الاكراد محدودة. بدون مساعدة عسكرية ودعم امريكي سيفقدون ليس فقط التمويل الكبير الذي حصلوا عليه من امريكا، بل القدرة على مواصلة السيطرة على حقول النفط السورية التي تدر عليهم الارباح وتمول نشاطاتهم اليومية. السيناريو المحزن يشير الى أن مصير المحافظات الكردية سيكون مشابها لمصير مدينة عفرين التي احتلها الاتراك والتي تحولت الى فرع تركي مدمر. هم يستطيعون حقا اجراء مفاوضات مع النظام السوري، لكن هذا هو نفس النظام الذي طوال سنوات قمعهم بالقوة وسلب مواطنتهم منهم. إن احتمالية أن يشن الجيش السوري حرب ضد تركيا من اجل لاقصائها عن المحافظات الكردية هي احتمالية غير واقعية.

 

الانتقاد الذي تسمعه دول الاتحاد الاوروبي ضد الخطوة الامريكية وضد نوايا الغزو التركي يمر مرور الكرام في آذان اردوغان. فلديه ورقة رابحة تتمثل باتفاق اللاجئين الذي وقع عليه مع الاتحاد والذي بحسبه تركيا ملزمة بمنع انتقال اللاجئين من اراضيها الى الدول الاوروبية. اردوغان هدد مؤخرا بفتح البوابات واعطاء اذن للاجئين بمغادرة تركيا كما يشاؤون اذا لم يستكمل الاتحاد تحويل المليارات التي تعهد بها في الاتفاق وأذهل الاتحاد الذي يجري معه مفاوضات لمنع تطورات كهذه. على خلفية هذا التوتر، الاتحاد الاوروبي يمكنه فقط الطرقعة باللسان أو التلويح بالاصبع. يمكن أيضا التخمين بأنه في المكالمة الهاتفية الحاسمة بين اردوغان وترامب تم طرح اتفاق اللاجئين وتداعياته على الدول الاوروبية كسوط لوح به اردوغان من اجل اقناع ترامب بأن يسمح له بتنفيذ خطته في سوريا.

 

الدولة العظمى الوحيدة التي يمكنها منع الاحتلال التركي هي روسيا، لكن توجد لروسيا مصلحة في أن تسمح لتركيا بأن تعزز مكانتها في شمال سوريا، حيث أنها بذلك تستطيع أن تنفذ الاتفاق الذي وقع بين موسكو وأنقرة في ايلول 2018 والذي بحسبه عشرات آلاف المتمردين المسلحين المتركزين في منطقة ادلب يتم نزع سلاحهم وتفريقهم. تركيا دعمت في السابق عدد من هؤلاء المتمردين، ومنطقة سورية واسعة تقع تحت سيطرتها ستمكنها من الاقتراح عليهم، على الاقل نظريا، الخروج بهدوء من ادلب. هكذا سيتم منع حدوث معركة قاسية ضدهم من جانب القوات السورية والروسية، معركة يمكن أن تحرك موجة جديدة من اللاجئين نحو تركيا. السؤال الذي سيطرح

 

هو هل سيوافق المتمردون على نزع سلاحهم ولن يناضلوا ضد قوات الرئيس بشار الاسد الذي بدأ باحتلال مناطق في محافظة ادلب.

 

يوجد لروسيا والاسد مصلحة في اعادة اللاجئين السوريين من تركيا ومن دول اخرى هربوا اليها من اجل اثبات أن سوريا تحولت الى مكان آمن، ومن اجل تعزيز الاساس العربي في المحافظات الكردية. ولكن سيطرة تركية ستضع ايضا مشكلة كبيرة امام الاسد وروسيا، حيث أن الوجود العسكري التركي في الاراضي السورية هو عائق امام نشر السيادة السورية على اراضي الدولة كلها. بسبب ذلك ستضطر تركيا وروسيا للتباحث في هذا الامر من اجل تحديد جدول زمني للانسحاب المستقبلي لتركيا الذي سيتم تنسيقه كما يبدو مع تقدم العملية السياسية لانهاء الحرب.

 

خطوة ترامب التي تناقض موقف وزارة الدفاع الامريكية والـ سي.آي.ايه سيكون لها تأثير بعيد المدى يتجاوز سوريا وعلاقات الولايات المتحدة مع تركيا. إنه يرسخ الفرضية التي تقول بأنه لا يوجد لامريكا اصدقاء في الشرق الاوسط وأن أي تحالف ما زال ساري المفعول مطروح طوال الوقت لاعادة الاختبار ومعرض لخطر الالغاء من طرف واحد. الدولة الاولى التي يجب عليها أن تعرف عن التقلبات التي تميز الادارة الامريكية هي السعودية، التي شاهدت بذعر كيف أن ترامب ليس فقط يسارع الى اجراء مفاوضات مع ايران، بل ايضا يعتبر الهجوم على منشآت النفط السعودية الذي يبدو أنه خطط من قبل ايران ونفذ من قبل قوات مشغلة بأيديها، كشأن سعودي يجب على الرياض وحدها أن تقرر كيفية الرد عليه.

 

إن تخلي امريكا عن سوريا يفيد ايران بشكل جيد، على الاقل من الناحية السياسية. فهو يعزز ادعاءها بأنه لا يجب الاعتماد على الولايات المتحدة لأنها حتى تتخلى عن حلفائها في اوقات الازمة وأن رفضها لاجراء مفاوضات مباشرة مع الولايات المتحدة يستند الى دعائم شرعية. اسرائيل، التي هي من الاتباع العميان لترامب، يمكن ان تجد نفسها في ضائقة امام "المقاربة الترامبية". ويبدو أنه يمكنها الاعتماد على أن ترامب سيعطيها يد حرة في التصرف في المناطق، بما في ذلك ضمها، كما سبق وصرح مستشاروه. ولكن مؤقتية أي تحالف يعقده ترامب تقتضي الحذر والشك.