اذا صدقنا مسلسل "فتيان" -هآرتس

الساعة 01:36 م|08 أكتوبر 2019

فلسطين اليوم

 

فان لدينا المخابرات الاكثر أخلاقية في العالم

 

(المضمون: الجمال الكبير للمسلسل هو الفجوة التي بين دراما الاحداث المخيفة وهدوء التحقيق وتمثيل الجريمة. ان تحقيقات الشاباك العادية تبدو بشكل مختلف، مع محقق معهم منع عنهم النوم، مع محققين يصرخون، يشتمون ويبصقون. صورة هذه الامور اقل جودة، فهو بالتأكيد يمس بشخصية سيمون، ولكنه الواقع - المصدر).

 

نال مسلسل "فتيان" لشبكة "كيشت" و "HBO" دعاية بعد أن انتقد رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو بشدة القرار للتركيز على قتل محمد أبو خضير، على حساب قتل غيل عاد ميخائيل شاعر، يعقوب نفتالي فرانكل وايال يفرح، الذين اختطفوا قبل وقت قصير من ذلك. من حظنا أن النوعية الرائعة للمسلسل انقذته من نقاش تبسيطي وسياسي؛ فحسب الفصول التسعة التي بثت حتى الان واضح أن هذا عمل فني وترفيهي ينجح في توفير تحليل حاد ودقيق للمجتمع الاسرائيلي، بالالوان المختلفة للطيف الديني، القومي والرسمي.

 

على الطريق، وفي ظل التركيز على شخصية محقق المخابرات "الشاباك" المدعو سيمون (الذي يلعب دوره بكفاءة عظيمة شلومي الكبتس)، تنشأ أيضا صورة تحقيقات جهاز المخابرات "الشاباك". حين اقارن ما يصفه المسلسل بالاف الشهادات عن تحقيقات المخابرات التي تجمعت في مكاتب اللجنة العامة ضد التعذيب في اسرائيل، واضح أن منتجي المسلسل قاموا باستقصاء معمق هنا ايضا.

 

يشير المسلسل الى عدة نقاط في سياق تحقيقات الشاباك يجدر التوقف عندها. الاولى هي انعدام التوثيق: في الحلقة السادسة يشكو المحامي المرافق اوري كورف (ليئور اشكنازي) لرجال الشاباك بانه لن تكون لديه أدلة في المحكمة – إذ ان التوثيق الوحيد للتحقيق هو "مذكرة" أولية فيها جملة واحدة يمكن أن تجمل بضع ساعات من التحقيق. بالفعل، لا يوجد توثيق ولا يوجد تسجيل لتحقيقات الشاباك. لا يوجد سبيل لاثبات الادعاءات للعنف في التحقيقات – وعليه من الصعب ايضا منع العنف في التحقيقات. فخاضع للتحقيق يدعي انه كان في تحقيقه استخدام للتعذيب أو وسائل مرفوضة اخرى يجد نفسه دون أي اثباتات، حين توزن كلمته مقابل كلمة رجل الشاباك. كما

 

أن غياب التوثيق يجعل من الصعب ايضا التقديم الى المحاكمة في حالة رفع لائحة اتهام ضد المشبوه، مثلما يشير المسلسل.

 

النقطة الثانية هي "الوسائل الجسدية". في الحلقة الخامسة يسعى رجل شاباك كبير "للضغط" على الخاضعين للتحقيق، ويستجاب بان هذا لا يحصل في الدائرة اليهودية. بالفعل، حتى 2016، كانت التحقيقات مع اليهود تدار دون استخدام للعنف الجسدي، بخلاف التحقيقات مع الفلسطينيين التي يستخدم فيها الضرب، الشبح وثني الجسد، ووسائل اخرى لاحداث الم ومعاناة. كما ان الامر كان صحيحا في تحقيقات المشبوهين بالارهاب اليهودي، في تحقيقات التنظيم السري اليهودي وفي اعمال "تدفيع الثمن". يتبين أنه حين لا يكون خيار كهذا على الطاولة، فانه بلا مفر تكون الملفات تحل بشكل آخر ايضا، بالاعيب تحقيقية وباستخدام الاستخبارات، دون استخدام القوة.

 

نقطة اخرى تظهر من المسلسل هي أن المحققين ليسوا ساديين. فـ "فتيان" يطلب من المشاهدين التعاطف مع شخصية المحقق الرئيس سيمون المعذبة. محققو الشاباك هم في غالبيتهم الساحقة مهنيون، بعثهم المجتمع الاسرائيلي للقيام بعمل حيوي وهام. نحن ايضا من نقول لهم "افعلوا كل ما يجب". عندما تقع في التحقيقات افعال لا يجب أن تقع – وفي اللحظة التي لا يزال فيها الخاضع لتحقيق الشاباك سامر العربيد قيد المستشفى في اعقاب التحقيق، واضح أن هذه الافعال تقع – ليس هذا بسبب "التفاحات العفنة". نحن لا نريد أن نعرف ما يحصل، لا نريد أن ننظر، لكننا نقر للمحققين تجاوز قواعد الاخلاق الاساسية والمس بالجسد والنفس من اجل كسر الخاضعين للتحقيق.

 

مع ذلك، رغم كل ما يدركه المسلسل جيدا، فان "فتيان" يبقي مناطق كاملة خارج عدسة الكاميرا، ولهذا فانه يعطي صورة جزئية تمتدح الشاباك. في تحقيق قتل محمد ابو خضير، لم يكن استخدام لما تسميه النيابة العامة باللغة المغسولة "وسائل خاصة". ولكن منذئذ، في شتاء 2016، اقر المستشار القانوني استخدام "وسائل خاصة" ايضا في المحاولات لحل لغز قتل عائلة دوابشة في قرية دوما. لقد اظهر "فتيان" لاول مرة بداية المنحدر السلس الذي تكون فيه الوسائل التي كانت تستخدم ضد الفلسطينيين قد انتقلت الى الاستخدام مع اليهود ايضا.

 

كما يصف المسلسل ولمفاجأة معظم المواطنين، من الاعتيادي تماما منع الخاضع للتحقيق من لقاء المحامي وتلقي المشورة القانونية منه. عمليا، يمنع معظم الخاضعين لتحقيقات الشاباك من اللقاء الى أن ينتهي التحقيق. معنى الامر ان ليس لهم اتصال مع العالم الخارجي. وبخلاف ما يوصف في المسلسل، في حالة الفلسطينيين الخاضعين للتحقيق فان منع اللقاء لا ينتهي بعد 12 ساعة بل يمكن ان يستمر حتى 60 يوما. وفي حالة اليهود المحقق معهم والمشبوهين بخلافات امنية، يمكن لمنع اللقاء أن يستمر حتى 21 يوما. كما انه، ليس مثلما في المسلسل، يقر القضاة العسكريون والمدنيون بشكل اعتيادي تمديد منع اللقاء، دون رقابة وبشكل بصمة. هنا ايضا، يجدر الانتباه الى قصة سامر العربيد، الذي جيء به امام قاضٍ عسكري، اشتكى عن وضعه الصحي، ومع ذلك اعيد الى التحقيق الى أن انهار. نحن لا نرى في المسلسل المحققين ينكلون بالمحقق معهم، نحن لا نرى ان الجهاز القضائي يقر للشاباك التحقيق باسمنا بعنف يلحق اضرارا جسدية فورية وعلى مدى الزمن، في اشتباه يتبين كمبرر ام لا، من أجل انتزاع اعتراف أو حل اللغز. من يرى "فتيان" يقتنع بان الشاباك يقوم بعمله على نحو مخلص.

 

ان الجمال الكبير للمسلسل هو الفجوة التي بين دراما الاحداث المخيفة وهدوء التحقيق وتمثيل الجريمة. ان تحقيقات الشاباك العادية تبدو بشكل مختلف، مع محقق معهم منع عنهم النوم، مع محققين يصرخون، يشتمون ويبصقون. صورة هذه الامور اقل جودة، فهو بالتأكيد يمس بشخصية سيمون، ولكنه الواقع.