خبر الفيلسوف الذي قال للجيش الاسرائيلي مسموحا..هآرتس

الساعة 11:33 ص|06 فبراير 2009

بقلم: عاموس هرئيل

عندما يُسأل ضباط كبار في الجيش الاسرائيلي عن قتل مئات المدنيين الفلسطينيين في القتال في قطاع غزة، فانهم يطرحون جوابا شبه موحد: استخدام القوة الكثيفة يرمي الى حماية حياة الجنود – وفي الخيار بين حياة المقاتلين وحياة مواطني العدو، الذين يعمل ارهابيو حماس تحت رعايتهم، فان الجنود يسبقون.

رد الجيش الاسرائيلي على الادعاءات لا يبدو عفويا او اعتباطا. فقد دخل الجيش الى القطاع وفي وسعه ان يقدر على يقين عال نسبيا ماذا ستكون نتائج القتال ضد الارهاب في منطقة مكتظة بهذا القدر. وقد عمل هناك ليس فقط باسناد من فتاوى قانونية من النائبة العسكرية العامة بل وايضا استناد الى نظرية اخلاقية تبرر اعماله، صيغت قبل بضع سنوات.

البروفيسور آسا كيشر من جامعة تل أبيب، الحائز على جائزة اسرائيل في الفلسفة هو الفيلسوف الذي قال للجيش الاسرائيلي مسموحا. في مقابلة مع "هآرتس" يقول كيشر ان الجيش الاسرائيلي عمل حسب مدونة مكافحة الارهاب التي تبلورت قبل نحو خمس سنوات "والمعايير التي استخدمها القادة في غزة كانت بشكل عام سليمة". برأيه، لا مبرر لتعريض حياة المقاتلين للخطر من اجل منع قتل مدنيين يسكنون في احياء الارهاب. رئيس الاركان غابي اشكنازي، يقول كيشر "يعرف على نحو جيد جدا مبادئنا. منذ الوثيقة الاولى التي بلورت في 2003 وحتى اليوم".

حجة كيشر باختصار وتبسيط، تعتقد انه في المناطق التي لا يوجد فيها للجيش سيطرة فاعلة (مثلما في قطاع غزة)، فان القيمة العليا امام القادة هي تحقيق الهدف. بعدها، يأتي منع تعريض حياة الجنود للخطر وفي الاخير الامتناع عن المس بمدنيي العدو. ومع ذلك، ففي المنطقة التي يوجد لاسرائيل فيها سيطرة فاعلة، مثل شرقي القدس لا يوجد أي مبرر لـ "احباط مركز" يصاب فيه مدنيون لانه يمكن اختيار اعمال حفظ النظام العادية (مثل الاعتقال) التي لا تعرض حياة الابرياء للخطر.

 

"من ناحية اسرائيل الجار أقل اهمية"

 

الصلة بين البروفيسور كيشر والجيش عميقة وطويلة. فقد صاغ كيشر المدونة الاخلاقية للجيش الاسرائيلي في منتصف التسعينيات. في 2003 صاغ، الى جانب اللواء عاموس يدلين (اليوم رئيس شعبة الاستخبارات) مقالا تحت عنوان "قتال اخلاقي ضد الارهاب" وفيه تبرير لـ "الاحباطات المركزة" (الاغتيالات لنشطاء الارهاب)، حتى بثمن المس بمدنيين فلسطينيين يمكثون على مقربة منهم. وفي السياق، عالج كيشر، يدلين وفريق ضم رجال قانون من الجيش الاسرائيلي المقال ليجعلوه وثيقة أوسع: "اخلاقيات الجيش في الحرب ضد الارهاب". رئيس الاركان في حينه موشيه بوغي يعلون وان لم يجعلها وثيقة عسكرية ملزمة الا ان كيشر يقول ان الافكار تمت تبنيها مبدئيا من يعلون وخلفائه. وعرضها الفيلسوف منذئذ في عشرات المحافل، في الجيش والمخابرات الاسرائيلية.

"المقال ترجم الى الانجليزية ايضا، في مجلة شؤون الاخلاقيات العسكرية ولا يزالون يتجادلون فيه في العالم. ردود الفعل في معظمها ايجابية، رغم أن الرسالة عسيرة على الهضم. في النهاية الجميع يعترفون بانهم هكذا يتصرفون: لا يوجد جيش في العالم يعرض جنود للخطر كي لا يصاب جيران العدو او الارهابي". يقول كيشر.

"يوجد نقص فهم في الاتصال بالنسبة لطبيعة القانون الدولي. فلا يدور الحديث عن قوانين نقليات متصلبة. قسم كبير منها هو قانون عرفي. السؤال الحاسم هو كيف تتصرف الدول المتنورة. نحن، في اسرائيل، ذوو دور مركزي في تطوير القانون في هذا المجال، اذ اننا نوجد في جبهة الكفاح ضد الارهاب. وهذا يقبل بالتدريج في العالم وفي الجهاز القضائي الاسرائيلي ايضا. بعد البحث في محكمة العدل العليا في موضوع الاحباطات لم تكن حاجة لتغيير حتى ولو فقرة واحدة في وثيقة يدلين وأنا. ما نفعله نحن يصبح القانون. هذه مفاهيم ليست قانونية بحتة، بل يوجد فيها عنصر اخلاقي قوي".

ويشرح كيشر بان "ميثاق جنيف يقوم على اساس تقاليد مئات السنين، نظرية القتال العادل، التي تناسبت مع الحروب الكلاسيكية، التي يقاتل فيها جيش جيشا آخر. ولكن في عهدنا كل قصة نظرية القتال العادل انتحرت. يوجد جهد دولي لاعادة صياغتها كي تتناسب والحرب ضد الارهاب. حسب الصيغة المتجددة لا يزال هناك مجال للتمييز بين من هو مسموح ومحظور المس به. ولكن ليس بالشكل الفظ الذي كان قائما في الماضي. كما أن مفهوم التوازنية يتغير: لا يوجد أي منطق في التشبيه بين عدد المدنيين والمسلحين الذين قتلوا في الجانب الفلسطيني او في احصاء قتلى صواريخ القسام حيال المدنيين الذين قتلوا في غزة".

فهل يعتقد بان على الجيش الاسرائيلي أن يعمل في القطاع انطلاقا من نهج "صفر مخاطرة" على حياة الجنود؟ "يوجد خطر على حياة الجنود في مجرد وجودهم هناك، في مجرد حقيقة أننا بعثنا بهم الى منطقة يعمل فيها قناصة العدو وزرعت فيها عبوات. مبرر ارسال جندي الى هناك لمقاتلة الارهابي، ولكن لماذا يتعين علي ان اجبره ان يخاطر بنفسه اكثر مما ينبغي كي لا يقتل جار الارهابي؟ لا جواب عندي على ذلك. من ناحية دولة اسرائيل الجار اقل اهمية. للجندي أنا ملزم أكثر. اذا كان هذا الجار او الجندي الاسرائيلي، فالاولوية للجندي. كل دولة كانت ستتصرف هكذا".

القرار بشدة الوسائل التي تستخدم للحفاظ على حياة الجنود محفوظ بيد القائد في الميدان. "على القائد أن يكون خبيرا في تقنين الوسائل"، يقول كيشر. "يوجد هنا استعارة من الشرطة التي يفترض ان تستخدم بالضبط القوة اللازمة لهدفها. هذا هو التوقع من القائد: ان يستخدم الوسيلة الكافية لازالة الخطر، لا يؤدي الى قتل زائد في المحيط. قاذفة هاون، دبابة، مروحية، طائرة قتالية – كل شيء منوط بالظروف. علينا أن نتحرر من النهج الذي يتناول بقلق مقدس حياة الاخرين وباستخفاف تام لحياة المقاتلين. المقاتل ليس مصدرا متآكلا".

بعد موت جنود الاحتياط في المعركة في مخيم جنين للاجئين في 2002 اتهم الاهالي الثكلى وزير الدفاع في حينه بنيامين بن اليعيزر، الذي رفض المصادقة على قصف المخيم بالطائرات القتالية، قبل دخول القوات. "لا اعتقد أنه كان للدولة جواب جيد لاهالي هؤلاء الجنود"، يقول كيشر. "لماذا قتل الابن؟ كي لا يقتل الجار؟ حياة الجار لا تساوي أكثر. في جنين كان بوسعنا أن نتخذ وسائل قبل دخول القوات، مثلما استخدمت هذه المرة في القطاع: السلاح غير القاتل، المناشير، التحذيرات الهاتفية، التأكد بعد ذلك من أن المدنيين انصرفوا وعندها – من يبقى، دمه في رقبته".

ولا يشخص كيشر نقلة تدريجية في سياسة الجيش الاسرائيلي، توسع حاجز الوسائل والتقنيات المسموح استخدامها. وهو يقول: "الجيش الاسرائيلي يستخدم هذه المبادىء منذ 2004 فما بعد، باستثناء أنها تلقت هذه المرة بروزا أكبر. لم نغير منذ ذلك الحين شيئا. ما حصل هو أن الوثائق دخلت في مداولات واستعراضات اكثر في الجيش ووصلت ايضا الى علم القادة في مستويات اقل ارتفاعا. حصل لي ان تحدثت عن ذلك في فرص كثيرة مع ضباط كثيرين. منذئذ بات هذا يشرح بشكل افضل".