حركة الجهاد الإسلامي في حضور الشقاقي "قراءة في حيثيات الانطلاقة "-بقلم: ثابت العمور

الساعة 01:27 م|02 أكتوبر 2019

فلسطين اليوم

بقلم: ثابت العمور

تتزاحم في ذكرى انطلاقة حركة الجهاد الإسلامي التساؤلات لا سيما في ظل المتغيرات التي مرت بها القضية الفلسطينية أولا وحركة الجهاد الإسلامي ثانيا، وهي متغيرات جذرية وكبيرة تتشارك فيهما كلا من القضية الفلسطينية والحركة العلاقة هنا علاقة متوازية ترابطية ما يحدث في القضية ينعكس على الحركة والعكس صحيح. وواحد من ابرز هذه التساؤلات يتعلق بماهية حركة الجهاد الإسلامي؟، انطلاقتها وهويتها وطرحها وفكرها؟. ثم يحضر سؤال آخر ما هي الإضافة التي شكلتها حركة الجهاد الإسلامي في مسارات المشهد الفلسطيني ومكوناته؟. علما أن الحركة تداول على أمانتها العامة ثلاثة أمناء فما الرابط الثابت في خطابهم وهل تغير الخطاب بتغير الظروف والمتغيرات والتطورات؟. والى انطلاقة حركة الجهاد الإسلامي قراءة في حيثيات فكر الشقاقي.

تتزامن لحظة الذروة في ممارسة حركة الجهاد الإسلامي والتحول من الفكرة والبذرة والحوار والمنهج والفهم والتصور إلى الحضور والى الاشتباك والى الفعل في أكتوبر، ويتزامن اغتيال الشهيد الدكتور فتحي الشقاقي أمينها العام الأول ومؤسسها أيضا في أكتوبر، ومن هذه غالى تلك جرت في روافد الحركة مياه كثيرة ابدأها من البدايات وتحديدا من ماهية الحركة كيف قدمها الأمين الأول الشهيد فتحي الشقاقي رحمه الله.

يُعرف الشقاقي "ما هي حركة الجهاد الإسلامي في فلسطين؟"، وبداياتها وإرهاصاتها وتحولها من فكر إلى ممارسة في نشرة المجاهد الصادرة في تموز ،1992 ويقول: " حركة الجهاد الإسلامي في فلسطين حركة إسلامية فلسطينية مقاتلة تبلورت تنظيميا في مطلع الثمانينات داخل فلسطين المحتلة، بعد أن كانت حوارا فكريا وسياسيا امتد منذ منتصف السبعينات في أوساط بعض الطلبة الفلسطينيين الدارسين وقتها في مصر..".

ويربط الشقاقي في تعريفه وتقديمه للحركة بين الفكر والممارسة إذا يقول في نفس النشرة المشار إليها فيما سبق " مع نهاية السبعينات كان الحوار الفكري والسياسي في أوساط بعض الشباب الفلسطيني المسلم المثقف أثناء دراستهم في مصر يتحول إلى مناخ سياسي تنبثق عنه نواة تنظيمية، اندفعت لاحقا باتجاه فلسطين المحتلة لأجل بناء الحركة الإسلامية الثورية المحاطة بالجماهير الواعية المتحمسة لخلاص الذات والوطن تحت راية الإسلام".

النشأة إذن تشكلت في نهاية السبعينات ولكن الإحداثيات التي يذكرها الشقاقي عميقة فالنشأة بدأت بحوار أي أنها لم تكن مجرد فكرة أو أداة أو إجابة أو مواكبة لمتغير أو لظرف ما قد تزول بزواله، والحوار يعني النقاش ويعني أن هناك أكثر من شخص شارك في بلورة الأمر، ثم بدأ الميلاد طبيعيا شاملا إذ انه بدأ كحوار فكري أولا ثم سياسي ثانيا، وموقع الحوار والفكر كان في وسط مهم جدا وسط شبابي مسلم ومثقف ومغترب أي انه شاهد وعايش ظروف مختلفة وتجربة مختلفة لا سيما في مصر في تلك الفترة.

 تتجلى جذور الحركة هنا وعمقها في تعريف الشقاقي لما حدث بأنه تبلور وتشكل وتحول من حوار إلى مناخ سياسي، والمناخ حالة ممتدة وثابتة ويعكس أجواء ويتكون من عدة عوامل ومعطيات وليس مجرد طقس عابر يُعبر عن حالة جوية متغيرة، لتكون الخلاصة الرابطة بين الحوار والمناخ عبارة عن نواة تنظيمية تشكلت بعد حوار فكري ونقاش سياسي في وسط شبابي عايش واقع ووقائع في داخل فلسطين وخارجها ثم عاد لفلسطين المحتلة ليبني حركة إسلامية ثورية محاطة بالجماهير لخلاص الذات والوطن.

 هذا التعريف وهذا التوصيف الذي يُقدمه الشقاقي لحركة الجهاد الإسلامي يحمل في مدلوله معنى عميق وبعيد وهو أن الأمر لم يكن مجرد إقامة حركة أو هيكل تنظيمي يضاف لمكونات الحركة الوطنية الفلسطينية، نحن هنا لأول مرة في تاريخ فلسطين المعاصر نصبح أمام حركة وحالة تُقدم نفسها كحركة إسلامية ثورية، جاءت لتُجيب عن السؤال الفلسطيني إسلاميا، بعدما غاب وغُيب عن خطاب وفكر الحركة الوطنية والحالة النضالية آنذاك، فجاءت حركة الجهاد الإسلامي ورفعت شعار مركزي غير مسبوق يجمع ويوافق ويوائم ويلائم بين الفكر والممارسة بين الوطن والدين وقالت "الإسلام والجهاد وفلسطين"..وعنت بذلك المنظومة التالية : "الإسلام كمنطلق والجهاد كوسيلة وفلسطين كهدف للتحرير".

لا يكتفي الشقاقي في تقديم الحركة وتوصيفها بذلك لكنها يُفصل الحيثيات كلها ويقول:" مرت حركة الجهاد الإسلامي منذ انطلاقتها حتى الآن بثلاث مراحل أساسية، شملت الأولى العمل الجماهيري والسياسي والإعلامي والتعبوي كما شهدت الثانية الجهاد والقتال المسلح ضد العدو. ومن 6/10/1987 دخلت الحركة مرحلتها الثالثة بانطلاقة الانتفاضة الشعبية في فلسطين".

وفي تفاصيل هذه المراحل وحيثيتها يقول الشقاقي :" المرحلة الأولى: وهي التي تلت عودة واستقرار النواة الأولى التي تم تشكيلها أثناء الدراسة في مصر، أي عودتها واستقرارها في داخل فلسطين، وقد شهدت هذه المرحلة عملا جماهيريا وسياسيا وتعبويا كانت الأرض الفلسطينية متعطشة إليه. فها هي تشهد خطاباً إسلامياً ثورياً وجهادياً يمهد الطريق لتحقيق الفريضة الغائبة..".

حديث الشقاقي رحمه الله عن المرحلة الأولى لا يغفل ولا يُغيب مرحلة مهمة سبقت ما سماه المرحلة الأولى أي "مرحلة التشكيل"، لأن الشقاقي في سياق حديثه يشير ضمنا إلى ما قبل المرحلة الأولى يتحدث عن مرحلة سابقة هي " مرحلة النواة" التي بدأت وتشكلت في مصر. ويقول الشقاقي عن المرحلة الأولى مرحلة التشكيل، " في تلك المرحلة برز الدور الطلابي للحركة في كافة جامعات ومعاهد الضفة والقطاع. وفي نهاية عام 1981 تم تشكيل كتلة ( الإسلاميين المستقلين) الطلابية في الجامعة الإسلامية بغزة كممثلة لحركة الجهاد الإسلامي. وقد حققت نتائج إيجابية في أول انتخابات جرت في كانون الثاني /يناير 1982".

توصيف الشقاقي لهذه المرحلة وحديثه عن حيثياتها واستدعاء الجزء المسكوت عنه في النص وفي الفكر وإجراء قراءة موضوعية لما قاله الرجل يفضي لنتيجة مفادها أنه بنهاية العام 1981 كانت حركة الجهاد الإسلامي قد أنهت "مرحلة التشكيل" وبات لها هياكل ودور لم يقتصر على قطاع غزة لكنه امتد أيضا إلى الضفة الغربية، بل إن الحركة في هذه الفترة نجحت في أمرين الأول تشكيل كتلة طلابية تشارك في الانتخابات، والثاني أنها حققت نتائج ايجابية ما يعني أن هناك أرضية فكرية وبشرية كانت قد تبلورت وتشكلت والتقت واجتمعت واتفقت.

لا تتوقف ملامح هذه المرحلة في نشأة حركة الجهاد الإسلامي ومعالمها وفكرها وخطابها وحضورها عند حدود الجامعة فقط، لكنها امتدت وانتشرت في المخيمات والمدن والقرى حتى بات لها أنصار في العديد من المساجد، وهو ما اقتضى وفق الشقاقي إلى بدأ الحركة ( نتحدث - الكاتب- هنا عن هيكل تنظيمي بات له حضور وقرار وهياكل) بإصدار مجلة النور مطلع العام 1982 في مدينة القدس، وكانت المجلة قد توقفت لأكثر من عام عن الإصدار فاتفق الإخوة "سرا" في حركة الجهاد مع إدارة جمعية الشباب المسلمين التي تتبع لها المجلة على إعادة إصدار المجلة وفعلا استمرت المجلة في الصدور بشكل متقطع حتى نهاية 1982، وكانت تُعبر عن الموقف الحركي الأيديولوجي والسياسي للحركة. ومع نهاية 1982 بدأت تصدر في بريطانيا مجلة الطليعة الإسلامية معبرة عن نفس الخط الأيديولوجي والسياسي، وكان يعاد طباعتها "سرا" في القدس لتوزع في جميع أنحاء فلسطين، الأمر الذي دفع سلطات الاحتلال إلى البحث عن كيفية طباعتها وتوزيعها، فقامت بحملة اعتقالات في شهري أغسطس وسبتمبر 1983 شملت العشرات من أبناء الحركة كان من بينهم الدكتور فتحي الشقاقي، وقد استمر التحقيق معهم لخمسة شهور كاملة في أسوأ ظروف التعذيب وسميت تلك القضية بقضية الطليعة الإسلامية وتحولت مطبوعاتها إلى واحدة من أهم القضايا السياسية والأمنية في تلك الفترة. وتحول التحقيق على مدى الشهور الخمسة من قضايا مطبوعات وتحريض على الثورة والجهاد إلى البحث عن هياكل تنظيمية وسياسية وأمنية، وكذلك البحث عن سلاح وخلايا عسكرية.

وتعتبر هذه المجموعة الإسلامية التي ضمت العشرات من أبناء حركة الجهاد الإسلامي أول تنظيم إسلامي يتم اعتقاله منذ الاحتلال الصهيوني للضفة الغربية وقطاع غزة عام 1967.

في الجزء اللاحق نقرأ في فكر الشقاقي حيثيات النشأة وإحداثياتها وتنظيم أول خلية مسلحة في صيف عام 1981. ونستكمل المرحلة الثانية وتفاصيلها. ونجيب على ما افتتحنا به من تساؤلات.

 

كلمات دلالية