من خلف التزوير- معاريف

الساعة 01:07 م|02 أكتوبر 2019

فلسطين اليوم

 

بقلم: د. رويتل عميران

(المضمون: لقد أظهرت الانتخابات الاخيرة بان المجتمع الاسرائيلي بدأ يستيقظ ويفهم بان اصلاحه لا يمكن أن يتم طالما كان من تسلق وصعد في ايام ما قبل الاغتيال الى الشرفة في ميدان صهيون، ونظر الى الجمهور الهائج دون أن يهدئه، لم ينزل عن المنصة السياسية - المصدر).

 

في هذه الايام، في قرب غير مصادف على ما يبدو من ايام التسامح وطلب المغفرة لرأس السنة ويوم الغفران، صدر للبث فيلم يرون زيلبرمان، "ايام رهيبة"، الذي يذكرنا في كل سنة من جديد بالحاجة الى حساب النفس الديني والخاص، يصادر عمليا منتجو الفيلم معنى الايام الرهيبة من السياق الروحي الى السياق السياسي – الوطني.

 

لقد نال الفيلم جائزة اوفير للفيلم الافضل وسيتنافس على تمثيل اسرائيل في الاوسكار. ولكن اهميته الفنية ثانوية على اهميته الاجتماعية؛ اهمية تعاظمت في اعقاب تهجمات وزيرة الثقافة شبه التلقائية، وهي التي للسنة الثالثة لا تأتي الى احتفال توزيع جوائز اوفير. فقد قالت الوزيرة ريغف "مع اني لم اشاهد الفيلم، فاني احتج على محاولة التلميح بان يغئال عمير تلقى ريح اسناد من محيط داعم اجتماعيا وسياسيا. جائزة اوفير التي منحت لفيلم يعطي شرعية، وليس لاول مرة، لجهات توسع الصدع وتحرض ضد جماهير معينة في دولة اسرائيل".

بهذه السطور عبرت ريغف عن الرواية المركزية لليمين التي نجحت في الرسوخ في المجتمع الاسرائيلي، واتاحت عمليا الكبت شبه المطل للصدمة الوطنية. صدمة كان يفترض بها أن توقظنا لحساب النفس والاصلاح، وبدلا من ذلك، عززت الاسس الراديكالية للمجتمع. فقد تحول رابين من ضحية اغتيال الى متهم، ولاحقا اصبح اليسار وطريقه الايديولوجي هدفا للشهير والتحريض.

ان خطا مباشرا يربط بين تصريحات الوزيرة ريغف والمزاج الذي تعبر عنه على حد قول النائب دافيد بيتان الذي دعا في الماضي بان اغتيال رابين لم يكن اغتيالا سياسيا، وكذا التصريحات المعادية التي تصدر عن شخصيات مثل افيشاي عبري. عبري، الذي يذكر كمن صور شريط انتخابات لليكود فيما كانت في الخلفية مقبرة عسكرية، غرد قبل نحو اسبوع: "متى سيجرى فيلم عن أن رابين وقع على اتفاق فاشل اعطى السلاح للارهابيين، وبسببه قتل 1.500 شخص؟"،

 

ولاحقا: "يتحدثون هنا عن المظاهرات ضد رابين دون أن يذكروا تفصيلا صغيرا وهامشيا (...) فقد كان مشبوها بتلقي السيجارات من صديق مليونير؟ لا، سلم بلاد ابائنا واجدادنا لقاتل سافل وحقير". ان الخط بين ريغف ومتحدثين يمينيين آخرين يغرس رسالتين. الرسالة الاولى هي أن رابين لم يقتل كنتيجة لتحريض اليمين واجواء العنف التي سادت في البلاد في ايام ما قبل الاغتيال واشعال اوارها قادة اليمين، بل كنتيجة لفعل فرد نهض ذات صباح ومسه الجنون ببساطة. اما الرسالة الثانية ذات النكهة المسيحانية، وبموجبها ينبغي ان نفهم القتل على خلفية استعداد رابين لاعادة الاراضي. هذه الرسائل التي تتضارب الواحدة مع الاخرى هي ذات هدف واحد: طي مسؤولية اليمين عن الاغتيال في النسيان.

لقد أظهرت الانتخابات الاخيرة بان المجتمع الاسرائيلي بدأ يستيقظ ويفهم بان اصلاحه لا يمكن أن يتم طالما كان من تسلق وصعد في ايام ما قبل الاغتيال الى الشرفة في ميدان صهيون، ونظر الى الجمهور الهائج دون أن يهدئه، لم ينزل عن المنصة السياسية. هذا الشخص اياه الذي يجر اسرائيل الى حملات انتخابية متكررة بسبب مشاكله القضائية، هو ذاته الذي يحيط نفسه باناس يحاولون تزوير معنى اغتيال رابين. ان فيلم "ايام رهيبة" هو فيلم واجب المشاهدة ليس فقط لغرض الحقيقة التاريخية، التي يوجد من يحاولون طيها في النسيان، بل وايضا للتأكيد في الزمن الحاضر والتذكير بان الايام الرهيبة لم تنقضي بعد.