خبر كتب حلمي موسى : مصر تغلق أبواب رفح..ولا تهدئة في غزة

الساعة 09:29 ص|06 فبراير 2009

حلمي موسى

دخلت الاتصالات التي تجريها مصر مع كل من إسرائيل وحركة حماس بخصوص التهدئة، إلى طريق مسدود بعدما بقي الطرفان عند موقفيهما المتباعدين. فإسرائيل تشترط بأن تكون التهدئة مفتوحة ونهائية ومن دون ربطها بفتح المعابر، وتربط فتح المعابر بالتقدم بمفاوضات تبادل الأسرى من جهة، ووجود جهة أخرى في غزة لقيادة عملية إعادة الإعمار. ورغم المفاوضات المضنية للتوصل إلى اتفاق، فإن موقف حركة حماس ظل يربط التهدئة بفتح المعابر، ويرفض الربط بين المعابر وأية قضايا أخرى.

 

وهكذا، انتهى الخامس من شباط والذي شكل الموعد الأول في الخطة المصرية، من دون إعلان التهدئة، ما يضع علامات استفهام أمام الجدول الزمني للحوار الوطني الفلسطيني، وبالتالي لحكومة الوحدة ولخطط إعادة الإعمار. وقد جرت في اللحظة الأخيرة محاولات للدفع نحو إقناع حماس بالقبول بأية صيغة تتحدث عن التهدئة أو تفتح أفقا باتجاه تحقيقها. ولكن شيئا من ذلك لم يحدث بسبب الفجوة الهائلة بين مواقف الطرفين الإسرائيلي والفلسطيني.

 

وكانت القاهرة اقترحت موعد الخامس من شباط لبدء سريان اتفاق تهدئة في القطاع. وقد أغلق معبر رفح امس امام الوفود الطبية والإنسانية والإعلامية. وقال مصدر ان السلطات المصرية ستسمح للوفود الأجنبية التي ذهبت الى القطاع عبر المعبر بالمرور منه في طريق العودة، كما ستسمح بعودة الفلسطينيين العالقين في مصر الى القطاع من المعبر.

 

ورغم أن وفد حماس ترك القاهرة أمس على أمل العودة يوم الأحد المقبل، فإن الأجواء لا تبدو مشجعة، وهو ما يعرفه الطاقم المصري المسؤول عن هذا الملف. فقد خرج وفد حماس من القاهرة بعدما استمع إلى مقترحات «شبه نهائية»، يمكنه العودة فقط إذا كان يحمل عليها «ردا إيجابيا»، وإلا لا معنى للعودة، ومساء، علم ان القيادي في الحركة أيمن طه قال مساء امس ان اسرائيل لم تعد تربط موضوع فتح المعابر في قطاع غزة بمصير الجندي جلعاد شاليت.

 

وقال لـ«السفير» مصدر مطلع على المفاوضات التي جرت في القاهرة، بأنها كانت مضنية وشديدة التفصيلية ولم تخل من التحايل والتذاكي. ولكن هذه التفاصيل عن معابر مفتوحة بنسبة 75 في المئة وبضائع تدخل بنسبة 80 في المئة، لم تكن في الحقيقة أكثر من تغطية على عدم الاتفاق.

 

وجرى هنا وهناك الحديث عن ان الـ20 في المئة الممنوعة هي المواد التي يمكن أن تستخدم في صنع الأسلحة والصواريخ. ولكن سرعان ما تبين أن هذه النسبة تحوي أيضا كل مواد البناء والحديد والمعدات وما شابه. وحينها تبين أن الـ20 في المئة قد تكون أكبر من الـ80 في المئة. وهنا بدأت معركة الاستيضاحات والاستبيانات التي صارت في النهاية أشد وضوحا. وكان للمصريين موقف واضح وهو أن معبر رفح خارج كل نقاش التهدئة وأنه مرتبط باتفاقية المعابر للعام 2005.

 

وكانت حماس تشير بوضوح، ومنذ اليوم الأول، الى أنها لا تستطيع القبول بالتهدئة من دون فك الحصار ووجود ضمانات لذلك. وفي المقابل، فان إسرائيل كانت تعلن جهارا نهارا أنها لا تريد فعليا أي اتفاق بشأن التهدئة وأنها مرتاحة للتحرر من ضوابط الاتفاقيات السابقة. ورغم حاجة الطرفين للتهدئة، إلا أنهما يريدانها كل وفق شروطه. فإسرائيل تريد تهدئة تضمن إضعاف حماس بشكل لاحق، ولهذا جاءت اشتراطات من قبيل تعهد حماس بمنع حفر الأنفاق ومنع تهريب الأسلحة. وفضلا عن ذلك، هناك الحزام الأمني في قطاع غزة بعرض 500 متر على طول الحدود مع إسرائيل. ولا يقل أهمية عن ذلك أن إسرائيل تحتفظ لنفسها في أي اتفاق بحق استهداف الأنفاق واعتبار التهريب كأنه إطلاق نار.

 

وفي المقابل، فإن حماس تريد التهدئة من أجل إعادة تثبيت سيطرتها في القطاع وإعادة اعمار ما هدمته الحرب. وهذا يتطلب فتح المعابر من دون قيد أو شرط كما أنها تريد تبادل الأسرى ولكن وفق تسعيرة محددة.

 

وبين الموقفين الإسرائيلي والحماسي، هناك نقطة خلاف جوهرية تتمثل في إعادة الإعمار. فإسرائيل، وبحسب المراسل السياسي للقناة العاشرة، تعارض بشدة إدخال أية مواد بناء لغزة لإعادة اعمارها لأن هذه المواد ترمم أيضا قدرة حماس السلطوية في غزة. وتعلن إسرائيل جهارا انها لا تريد أن تكون حماس القوة التي تدير عملية إعادة اعمار غزة وترى أن هذه القوة يمكن أن تكون سلطة رام الله أو الأوروبيين، والمهم أية قوة على الأرض عدا حماس.

 

ومن المنطقي الافتراض أن الموقف الإسرائيلي هذا ينسجم مع مواقف العديد من قوى «الاعتدال» العربية التي تعتقد أن بالوسع تطويع حماس عبر هذه البوابة. ومع ذلك، فإن أحدا لا يجهل أن حماس قوة فعلية على أرض غزة وبوسعها منع أية قوة من تأدية هذا الدور في القطاع إذا كان ضد مصلحتها. وربما لهذا السبب أعلنت حماس استعدادها لتحرير إعادة الإعمار من التجاذب السياسي الداخلي، وقبولها بهيئة مستقلة للإشراف على إعادة الإعمار. ولكن هذا القبول يعني جوهريا رفضها تجيير إعادة الإعمار لمصلحة أطراف مناهضة لها.

 

وفي كل الأحوال، بدا أن العجز عن إعلان اتفاق أو صيغة ولو عمومية للقبول بالتهدئة يوم أمس أربك العديد من المخططات. وهذا ما حدا بالترويكا الإسرائيلية للاجتماع صباح أمس وقرارها إيفاد رئيس الطاقم الأمني السياسي في وزارة الدفاع الجنرال عاموس جلعاد على عجل إلى القاهرة. وجاء قرار إرسال جلعاد إلى القاهرة على أرضية انسداد أفق مفاوضات التهدئة.

 

واستمع جلعاد قبل سفره إلى توصيات أعضاء الترويكا. وبدا جليا أن جلعاد يحمل من جهة ردودا إسرائيلية على استيضاحات بعثت بها مصر بناء على تساؤلات من حماس، ولكنه من الجهة الأخرى يريد الإطلاع على آخر تطورات موقف حماس. وأشارت وسائل إعلام إسرائيلية إلى أن المجلس الوزاري الأمني المصغر بصدد اتخاذ قرارات حاسمة بهذا الشأن يوم الأحد المقبل.

 

وكانت وزيرة الخارجية الإسرائيلية تسيبي ليفني التي تعلن صبح مساء أنها تريد ردع حماس وليس الاتفاق معها، قد أشارت يوم أمس إلى «أننا لن ننتظر أن تصنع حماس معروفا معنا عبر أي طريق للموافقة على وقف النار. إذ علينا تفعيل وقف النار عبر استخدام القوة. هذه لعبة هكذا وإلا فلا».

 

ورغم الفشل الجلي للمساعي الراهنة، إلا أن القضايا موضع الخلاف تجبر الطرفين الإسرائيلي والفلسطيني على العودة للقاهرة التي ستضطر للبحث عن سبل أخرى. إذ لن يتحقق اتفاق في ظل إعلان إسرائيلي متواصل أنها ليست طرفا فيه وكأن التهدئة مصلحة لحماس لوحدها. كما أن استمرار الوضع الفلسطيني الراهن يحول دون تنفيذ أية خطة حقيقية لإعادة اعمار المناطق المنكوبة في غزة التي دمرتها الحرب الإسرائيلية.

 

ميدانيا، قال متحدث إسرائيلي «رصد جنودنا فلسطينيا كان يستعد لاجتياز السياج الأمني الفاصل بين جنوب قطاع غزة والأراضي الاسرائيلية، فأمروه بالتوقف من دون جدوى قبل ان يطلقوا عيارات نارية في الهواء ثم في اتجاهه». واضاف ان «الفلسطيني حاول إلقاء قنبلة يدوية، لكنها انفجرت حين أصيب بإطلاق النار وقتل».