خبر شهداء غزة بمصر « يبحثون » عن ثرى يواريهم

الساعة 08:35 م|05 فبراير 2009

فلسطين اليوم: اسلام اون لاين

 بين تفاصيل الجدل الدائر حول فتح معبر رفح الحدودي وإغلاقه دخل إلى مصر من قطاع غزة 398 جريحا فلسطينيًّا لم يبق بعضهم على أسرة المرض طويلا.. حيث صعدت أرواح نحو 30 منهم إلى السماء فيما ظلت أجسادهم بالأرض تبحث عن ثرى يواريها.

حيرة البحث عن مثوى أخير للشهداء الـ30 الذين أصيبوا في العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة طيلة 22 يومًا مخلفا 1412 شهيدا و5450 جريحا، تنازعت أسرهم، فمنهم من أصر على عودة الجثمان إلى غزة ليلتمس فيه قربا يبقي ذكرى الفقيد حية بين أهله وأحبابه متمثلا قول الشاعر "القَبْرُ اخْتِرَاعُ المَيِّتِ الفاني لشَكْل ٍضِمْنَ أشْكَال الوُجُودْ".

 

ومنهم من ظلت مشاهد الفوسفور الأبيض وقنابل دايم الذرية التي أمطر بها الاحتلال سماء غزة ماثلة أمام عينيه، فخشى أن تصيب القذائف العمياء جثمان الشهيد في رحلة عودته وفضل دفنه بمصر -أحد أكناف بيت المقدس- آملا أن تتغير الظروف يوما ما فيجد الجسد المسجى طريقا آمنا لثرى الوطن الذي اختار أن يحيا عليه حرًّا أو يدفن فيه شهيدا، وبقي لسان حال أهل هؤلاء الشهداء يقول "القَبْرُ أمنيةٌ تَعِزُّ على الذي قَدْ بَاتَ يَشْتَاقُ الفَقِيدْ".

وكشفت السفارة الفلسطينية بالقاهرة بيانات 18 من الشهداء الـ30 الذين أتوا للعلاج في مصر وأودت إصاباتهم الخطرة بحياتهم وهم: بلال غباين (19 عاما) من مخيم جباليا للاجئين، محمود أبو نحل (16 عاما) من مدينة غزة، عودة أبوفتية (25عاما) من رفح، ثائر قرموط (17 عاما)، صدقي حماد (26عاما) من خان يونس، ثائر جهاد النجار (20عاما) وأخيه فايز (21عاما) من جباليا، باسل فرج (19عاما)، نادر قدورة (15عاما)، زياد أحمد (24عاما).

 

فضلا عن إسلام فواز (30 عاما)، زياد علي (18 عاما)، عارف بركة (8 سنوات)، بسام ضفيرة (15 سنة)، أحمد سلامة (25عاما)، إبراهيم بركة (12عاما)، وإيهاب الحرازين (20عامًا)، والطبيبة فاطمة رضوان سالم.

 

"بلاد الله واحدة"

 

7 من الشهداء الـ30 دفنوا في رفح المصرية بعد أن طال انتظارهم لفتح معبر رفح، فيما اختار ذوو شهداء آخرين دفنهم في مصر؛ لأن "بلاد الله واحدة".

 

زوج الشهيدة إسلام فواز قرر فور الانتهاء من تكفينها دفنها بمدينة الإسماعيلية (شمال شرق) التي كانت تعالج بمستشفاها العام من شظية أصابت جمجمتها، وقال الزوج في تصريح خاص لـ"إسلام أون لاين.نت": "كفاها ما عانته طوال الأيام الماضية، آن لها أن ترتاح، ولن يفرق معها الآن العودة لغزة، فنحن نتخيل أن القرب يحقق شيئا، لكن هذا غير حقيقي وبلاد الله واحدة للمسلم".

 

وشيعت جنازة الشهيدة "إسلام" من مسجد عمر بن الخطاب بالمستشفى وصلى عليها -كما يقول حارس المسجد- ما لا يقل عن 300 شخص ثم دفنت بمقابر "الشهداء" بالإسماعيلية.

 

وقبل أن يأخذ زوجها طريقه للعودة قال: "أتمنى فقط لو يهتم المسئولون بإقامة لافتة خاصة على قبرها حتى يقرأ لها الفاتحة كل من يزور تلك المقابر، وأرجو أن يتم ذلك لكل من دفن من شهداء غزة هنا"، وردًّا على سؤال حول احتمال مجيئه هو أيضا لزيارة قبرها قال: "لا أعتقد هذا، ولكن من يعرف؟! قد تجمعنا مقبرة واحدة في يوم من الأيام بغارة أخرى".

 

ومن على المعبر قال د. حسام طوقان المسئول الطبي بالسفارة الفلسطينية بالقاهرة: إن "عدد الشهداء بالمستشفيات المصرية يزداد باستمرار؛ لأن أغلب الحالات التي تمر حرجة جدًّا، وتتراوح بين إصابات بالجمجمة أو استنشاق كم كبير من الفوسفور الأبيض، وفي هذه الحالة يفضل أغلب الفلسطينيين العودة إلى وطنهم سواء أحياء أو أموات".

 

وأردف: "ولكن الأمر يتطلب توفير ممر آمن لتمر سيارة الإسعاف إلى الجانب الفلسطيني لتستقبلها سيارة أخرى، وهذا كان صعب جدا في الأيام الأولى للعدوان، وحتى بعد إقرار 3 ساعات هدنة يومية للحالات الإنسانية كان القصف الإسرائيلي يتواصل خلالها، خاصة على الشريط الحدودي بين مصر وغزة".

 

وأضاف: "ويستغرق مرور جثامين الشهداء عبر المعبر من 3 إلى 4 أيام حتى يتوفر ممر آمن، ويفضل أن يكون لجثتين أو ثلاثة مما يعني مزيدا من الانتظار وإذا لم تتهيأ الظروف يتم إقناع المرافق وأهله عبر الهاتف بأنه لا مفر من الدفن برفح المصرية مع وعد من بعض الجهات الأمنية المصرية بإمكانية نقله إذا سمحت الظروف فيما بعد"، ونفى طوقان قيام السلطات المصرية بتفتيش سيارات تقل جثامين الشهداء خلال عبورها.

 

تنافس مصري للفوز بالشهيد

 

الشهيد صدقي حماد، الذي كان مصابا بتهتك في الجمجمة والعمود الفقري، خشي عليه خاله المقيم بمصر منذ 40 عامًا من أن "يقصف الاحتلال" جثمانه خلال عودته لغزة، فقرر دفنه بمقابر منظمة التحرير الفلسطينية بمنطقة مقابر الغفير شرق القاهرة.

 

وأوضح أكرم حماد عم الشهيد: "كنت أيضا أخاف على شقيقه الذي كان في شدة الغضب والرغبة في الانتقام، وكان من المحتمل أن يصدر عنه أي فعل متهور إذا واجه أي تعنت على المعبر أو تعرض للقصف، وفضلت والدته أن يبقى لدي حتى تهدأ الأمور".

 

وتابع: "الأمر اللافت حقًّا أنني عقب تلقي خبر وفاة صدقي كنت أقف أمام غرفة العناية المركزة بمعهد ناصر، ففوجئت بكثير من الإخوة المصريين، سواء ممن أعرفهم من جيراننا أو من لا أعرفهم، كانوا جميعا يتنافسون في عرض دفن صدقي بمقابر أسرهم الخاصة، مؤكدين أن ذلك شرف لهم".

 

حاملا لوحة كتب عليها بيانات الشهيد الذي ولد بخان يونس (جنوب القطاع) في 21-3-1982، واستشهد في 8-1-2008 أردف العم "أمام بيتي نصبنا عرش الشهيد -لا عزاءه- وأطلقنا زغرودة واحدة ووزعت بدلا من القهوة السادة حبات الرطب والعصير، وهو الأمر الذي لم يعتده المصريون من قبل وأثار تعجب جيراننا كثيرا".

 

ذاكرة وطن لا شاهد قبر

 

المدن: حيفا.. الرملة.. صفد.. نابلس.. غزة.. إلخ، تواريخ الميلاد: 1933.. 1947..1952.. وغيرها، تواريخ الخروج: 1948..1967، تواريخ الوفاة.. 1971..1973..1985..1999.. وغيرها..

 

بيانات متنوعة خطت على مئات الشواهد بمقابر منظمة التحرير التي أقيمت بالعاصمة المصرية عام 1970م، وحرص واضعوها على حفر أسماء المدن والعائلات وتواريخ الميلاد بفلسطين والخروج منها.. يظن من يطالعها أنه يتصفح تأريخا لذاكرة وطن لا شواهد قبور.

 

"حوش (مقبرة) الفلسطينية" -كما يسميه الحاج إبراهيم الذي ورث حراسة المقبرة عن أبيه- يضم 3 عيون (مدافن) تستوي فتحاتها المغطاة مع سطح الأرض ويمتد بجوفها النفقي سلم صغير يفضي إلى ساحة بها 4 غرف تضم رفاة آلاف الفلسطينيين، أشار الحاج إبراهيم إلى أن معظمهم لاجئون جاءوا مصر بعد نكبة 1948، ونازحون أتوا بعد نكسة 1967.

 

وانتقل الحارس العجوز إلى ذكرياته المفضلة في سبعينيات القرن الماضي عندما كان شابا يقف بجوار أخيه يتابع جثامين الشهداء بالبذات العسكرية المدرجة بدمائهم المختلطة بالرمال وقال: "أخبرني أبي أن بعضا منهم نفذ عمليات في لبنان، بينما اعتدت بعد ذلك أن أعرف من أين أتت زفة الشهيد من نوع الرمال المتعلقة بثيابه".

 

وأقسم الحاج إبراهيم أنه كان يشم رائحة زكية لدماء الشهداء وأن هناك عينا (مدفنا) دفنت بها "شهيدة" ببذة عسكرية لا يعرف اسمها، لكنه كلما فتح هذه العين لجمع العظام منها أو إدخال جثمان جديد فاحت منها رائحة أشبه بالمسك.

 

وأضاف: "وبعد توقيع الاتفاق المصري الإسرائيلي (كامب ديفيد) لم يعد هناك شهداء يدفنون هنا، ولكن بعد انتفاضة الأقصى (عام2000) دفن شاب واحد ودفن آخر الأيام الماضية، وبرغم أني لا أعرف الأسماء لكني لا أخطئ رائحة الشهيد".

 

دماء تحيي القضية

 

المؤرخ الفلسطيني المقيم بالقاهرة عبد القادر ياسين أكد في تصريح خاص لـ"إسلام أون لاين.نت" أن "القضية الفلسطينية جعلت من كل بقاع العالم مثوى أخيرا للمناضل الفلسطيني علها تجعل من كل من يعيشون عليها مناضلين من أجل هذه القضية التي لا يختلف عليها اثنان".

 

وتابع: "لا يمكنني الجزم بأن هناك شهداء فلسطينيين من لبنان دفنوا في مصر، وأعتقد أن من جاءوا إلى مصر هم شهداء منظمة التحرير بتونس وذلك عقب الغارة الشهيرة التي نفذها العدو على مقر المنظمة عام 1985، واستشهد خلالها 50 شخصا، منهم العميد فؤاد أبو الفتح، وذلك ليكونوا في أقرب نقطة يمكن أن تعاد أجسادهم منها إلى فلسطين، فهم يعتبرون أن الحق في الدفن بوطنهم كالحق بالحياة فيه والعودة إليه".

 

وأضاف ياسين: "كما كان هناك مسار آخر لتدفق الشهداء الفلسطينيين على المقابر المصرية، وهو جيش التحرير الفلسطيني الذي أنشئ بقرار من أول زعيم لمنظمة التحرير أحمد الشقيري بهدف الحصول على تدريبات عسكرية لائقة والتنسيق مع دول المواجهة لتوجيه ضربات ضد الكيان الصهويني، وكان لكتائب هذا الجيش دور رائع في حرب الاستنزاف المصرية وحرب أكتوبر 1973 لكن دورها الأساسي كان الدفاع عن قطاع غزة".