خبر مشاعر مشوهة.. معاريف

الساعة 09:29 ص|05 فبراير 2009

بقلم: عوزي بنزيمان

بهدوء تام طوت اسرائيل العيادة التي اقامتها على حدود قطاع غزة، والتي كانت ترمي الى منح العلاج الطبي للفلسطينيين الذين اصيبوا في حملة "رصاص مصهور". وبهدوء تبددت ايضا المبادرة لمنح يتامى الحرب الفلسطينيين مجالا للاستجمام في اسرائيل. المشروعان تبخرا لانه لم يكن عليهما طلب: الجمهور المستهدف لم يتعاون.

محبو الخير في الجانب الاسرائيلي لم ينجحوا في التجلد على اهانتهم: الجيش الاسرائيلي، وزارة الصحة وباقي المحافل التي ارتبطت معا كي تقيم العيادة المتنقلة على بوابات غزة، شرحوا بان عمليا كان هناك طلب كبير على خدماتهم في الجانب الفلسطيني، غير أن حماس وضعت الحواجز في الطريق ومنعت المحتاجين البائسين من الاستعانة بالخدمات الطبية المتطورة التي عرضتها اسرائيل. الحركة الكيبوتسية، بلدية حيفا وباقي المتبرعين ممن تجمعوا كي ينظموا اسبوعين من المتعة ليتامى غزة عرفوا هم ايضا كيف يروون بان المذنب في هذا الفشل هو حماس: قادتها قساة القلب منعوا الفلسطينيين من اجتياز الحواجز للتمتع بخير اسرائيل.

على مستوى الحقائق الدامغ هذه التفسيرات صحيحة: سلطات حماس تمنع السكان الذين يخضعون لامرتها من الاستعانة بالعدو الاسرائيلي. وحتى لو كان هناك بعض الجرحى ممن هم مستعدون لتلقي المعونة حتى من الشيطان كي يشفوا، او بعض الاطفال اليائسين ممن هم مستعدون لان يمسكوا كل يد ممدودة نحوهم – فليست اوامر القيادة في غزة هي التي ادت بهاتين المبادرتين الى الفشل بل نقطة المنطق الاسرائيلية.

منذ البداية كان هناك شيء مشوه في المبادرتين: اسرائيل والفلسطينيون الذي يعيشون في قطاع غزة يعتبرون الواحد الاخر عدوا. المحاولة الاسرائيلية المزعومة لخلق تمييز بين اسماعيل هنية وجماعته وعموم الجمهور الذي رفعهم الى السلطة، هي محاولة يائسة.

اسرائيل هاجمت قطاع غزة لانها شعرت بان هذا هو السبيل المتبقي لها لتحقيق حقها في الدفاع عن نفسها. حجم الخطوة العسكرية وطبيعتها، والتي مست بشدة بالسكان المدنيين الفلسطينيين ايضا، نبعا من اعتبارات عملياتية. نمط العملية هذا سيكرر نفسهن حسب تصريحات القيادة في القدس ("رد غير متوازن")، في المستقبل ايضا، اذا لم يسد الهدوء. في هذه الظروف، ليس لاسرائيل أي احتمال ان تقنع ببراءة نواياها حين تضغط بيد واحدة على الازرار التي تمطر على غزة قذائف شديدة القوة، وفي اليد الثانية تدعو السكان المصابين الى تلقي الاغاثة عندها.

من السذاجة، ان لم نقل المزايدة المكشوفة، الاعتقاد بان اطفالا فلسطينيين مصدومين يسعون الى ايجاد مخرج لازماتهم بالذات لدى من اوقع عليهم المصائب. كيف كان الجمهور في البلاد سيشعر لو أنه، فور نهاية حرب لبنان الثانية، دعا حزب الله الاطفال من الشمال ليحلوا ضيوفا عنده في مخيمات صيفية؟ من المعقول القول انه في نظر الطفل الفلسطيني، اسرائيل تتخذ صورة طائرة اف 16 الذي تزرع الثكل والدمار وليس كالطبيب الرحيم او المنظم للالعاب المسلية. الطفل الفلسطيني يكره الاسرائيليين، يخاف منهم ويتمنى الا يراهم على مقربة منه. أي سذاجة مقدسة، او اسوأ من ذلك، حلول مغلقة الحس، تحرك شخصيات عامة ومنظمات اسرائيلية لمد الايادي للاطفال الفلسطينيين ومناشدتهم ان يأتوا ليجدوا في احضانها مأوى.

هذه البادرات الطيبة المزيفة تدل على اخفاق في الوعي، بل وربما في النفس ايضا، اخفاق عميق في الجانب الاسرائيلي: رفض استيعاب حقيقة أننا في حرب مريرة مع الشعب الفلسطيني وانه بسببها، وكنتيجة لها، فانه لا يحبنا ولا يريد التقرب منا. الافتراض بانه يمكن زعما فتح "صفحة جديدة" في العلاقات مع جيل الاطفال الفلسطينيين الذين قتل اهاليهم لتوهم بنار الجيش الاسرائيلي، هو سخافة. الطريق للمصالحة لا يمر عبر محطات العلاقات العامة بل بتشخيص جذور النزاع والاستعداد لتقديم نصيبنا في حله من أساسه.