المعركة الانتخابية في تونس بين ملف الاغتيالات السياسية والاستعانة باستطلاعات وهمية

الساعة 08:49 ص|14 سبتمبر 2019

فلسطين اليوم

أعادت الانتخابات الرئاسية ملف الاغتيالات السياسية إلى واجهة الأحداث في تونس حيث تعهّد عدد كبير من المرشّحين بكشف حقيقة اغتيال شكري بلعيد ومحمد البراهمي، فيما حذر مراقبون من التشكيك بالقضاء. فيما استعان مرشّحون آخرون باستطلاعات “وهمية” على أمل استقطاب المزيد من الناخبين، في مخالفة صريحة لقانون الانتخابات.

مرشّحون يستعينون باستطلاعات “وهمية” للتأثير على الناخبين

وكان عدد من المرشحين، بينهم عبد الكريم الزبيدي وحمة الهمامي والصافي سعيد وسيف الدين مخلوف، تعهدوا بكشف حقيقة اغتيال القياديين اليساريين البارزين، شكري بلعيد ومحمد البراهمي، فضلا عن إعادة فتح ملف شبكات تسفير الشباب التونسيين إلى بؤر التوتر في ليبيا وسوريا والعراق.

وعلّق المؤرخ والمحلل السياسي د. عبد اللطيف الحنّاشي على هذا الأمر بقوله “من الناحية القانونية والقضائية يجب أن تُبحث هذه المسألة (ملف الاغتيالات السياسية) ويتم إطلاع الرأي العام على حقيقة ما جرى، ولكن القضاء هو المختص بهذا الأمر، أي أن القرار السياسي لا علاقة له بذلك، وبالتالي من الخطأ أن تتحول هذه المسألة إلى “وعد انتخابي” بهدف استقطاب المزيد من الناخبين”.

وأضاف لـ”القدس العربي”: “المسألة قضائية وليست سياسية (كما أسلفت)، وعندما يتحدث السياسيون بهذا المنطق فكأنهم يشككون بالقضاء، وكذلك هناك اتهام ضمني للحكومة بأنها تغطي على هذا الأمر، وأعتقد أن التشكيك بالقضاء لا يخدم المناخ الديمقراطي في البلاد”.

وكان الرئيس الراحل الباجي قائد السبسي تعهّد في مناسبات عدة بكشف حقيقة اغتيال شكري بلعيد، إلا أنه لم يفِ بوعده لاحقا. لكنه أثار هذه الموضوع مجددا عقب لقائه بهيئة الدفاع عن بلعيد والبراهمي، التي اتهمت “الجهاز السري” لحركة النهضة بالضلوع في ملف الاغتيالات السياسية، وهو ما دفع الحركة إلى المطالبة بعدم إقحام رئاسة الجمهورية في مسار “ضرب استقلالية القضاء”.

وقال المحلل السياسي والدبلوماسي السابق، عبد الله العبيدي لـ”القدس العربي”: “ملف الاغتيالات هو من اختصاص الأمن والقضاء، واليوم يحاول مرشحو الرئاسة التغطية على عجزهم وغياب أي مشاريع لديهم عبر إثارة هذا الملف. قد يكون هناك تكتماً للمعطيات المتعلقة بهذا الملف، ففي علم الإجرام بقدر ما تبتعد عن تاريخ وموقع الجريمة بقدر ما تتعقد الأمور ويصعب حل لغزها. ولكن – من ناحية أخرى- لا يمكن أن نرهن مستقبل شعب كامل بهذا الموضوع (معرفة حقيقة الاغتيالات). كما أن إثارة هذا الأمر في هذا التوقيت هو محاولة لإثارة الفتنة بين الفرقاء السياسيين، وخاصة أن هذا الملف تم استخدامه في مناسبات عدة لضرب حركة النهضة”.

من جانب آخر، لجأ عدد كبير من المرشحين، مثل عبد الكريم الزبيدي والصافي سعيد وسيف الدين مخلوف ونبيل القروي إلى نشر استطلاعات “وهمية” منسوبة إلى مؤسسة سبر آراء غير معروفة، فضلا عن استطلاعات الكترونية عبر فيسبوك، تؤكد أنهم يحتلون مراكز متقدمة في نوايا التصويت، في محاولة لاستقطاب عدد أكبر من الناخبين.

ودون هشام عجبوني، القيادي في حزب التيار الديمقراطي “لا تصدّقوا التسريبات المتعلقة بنتائج سبر الآراء فهدفها توجيه الناخبين لمرشّح ما. ومن نتائجها يمكن فهم لصالح من قاموا بها. هنالك نسبة هامة من المترددين وهؤلاء يمكن أن يحسموا الأمر في آخر لحظة. ولا تصوتوا للفاشلين والعاجزين والفاسدين. تونس تحتاج إلى تغيير جذري في مستوى حوكمتها وإلى بناء ثقة بين الحاكم و المحكوم، وتحتاج للقطع مع الفساد السياسي والفوضى والتسيب والإفلات من العقاب. تونس تحتاج إلى قضاء قوي و مستقل و إلى سلطة تنفيذية تنفّذ أحكامه بقوة القانون”.

ودعا المحلل السياسي د. عبد اللطيف الحنّاشي إلى التحرك فورا لإيقاف “هذه المهازل (الاستطلاعات المزيّفة)، لأن هؤلاء خارجون عن القانون. كما أن هذه الاستطلاعات هي وهمية، وبالتالي فإن تأثيراتها محدودة باعتبار أن من يتابعها على وسائل التواصل الاجتماعي هم نسبة محدودة، وخاصة أنه لا توجد وسيلة إعلام رسمية تتفاعل معها، وبالتالي فهي محدودة الانتشار. وخاصة أن هناك نسبة كبيرة من التونسيين (أبناء الريف خاصة) لا يتابعون وسائل التواصل الاجتماعي بشكل كبير، وأعتقد أن جزءاً كبيرا من النخبة أو المثقفين عندما يجدون تضاربا في نتائج سبر الآراء فإنهم يميلون إلى عدم تصديقها، أضف إلى ذلك أن التونسيين يشككون أساسا في نتائج سبر الآراء التي تجريها المؤسسات الرسمية، فما بالك بالاستطلاعات الوهمية”.

كما شكك المحلل السياسي عبد الله العبيدي بتأثير نتائج هذه الاستطلاعات على نوايا التصويت، مشيرا إلى أن أغلب التونسيين لا يثقون بها “كما أن هناك مجموعة صغيرة تتابع هذه الاستطلاعات على مواقع التواصل الاجتماعي،”أما النخبة فقد حددت موقفها سلفا من مرشحي الرئاسة ولن يؤثر بها هذا النوع من سبر الآراء”.

ويمنع القانون الانتخابي في تونس (الفصل 70) “خلال الحملة الانتخابية أو حملة الاستفتاء وخلال فترة الصمت الانتخابي، بث ونشر نتائج سبر الآراء التي لها صلة مباشرة أو غير مباشرة بالانتخابات والاستفتاء والدراسات والتعاليق الصحافيّة المتعلقة بها عبر مختلف وسائل الإعلام”.

كلمات دلالية