لفتة مؤثرة

بالصور هذا ما حدث مع مصور "فلسطين اليوم" في سوق خان يونس

الساعة 03:52 م|22 أغسطس 2019

فلسطين اليوم

كان يومًا شاقًا حارًا حاولتُ فيه أن أرصدُ كل استعدادات سوق خان يونس جنوب قطاع غزة لاستقبال عودة الطلاب إلى صفوف الدراسة، لم يكن ككل عامٍ حيث الأسواق شبه خالية، وحتى المحال التجارية التي فيها زبائن أغلبهم لا يشترون، وما بين محل وآخر استنفذت طاقتي.

درجات الحرارة العالية مع الرطوبة التي تغذيها أجواء السوق المكتظ بالبسطات والباعة وقليل من المشترين، جعلتني أصاب بالدوار، فقررت أن أحزم أمتعتي مكتفيًا بما التقطت من صور، وتوجهت سريعًا إلى أول مكان وجدت فيه مياهً باردةً لأروي عطشي، وأرتاح قليلًا، وهنا كأن يومي بدأ من جديد!

 

 

 

سحبت زجاجة المياه الباردة ولم ألتقط أنفاسي إلا وهي فارغةٌ كليًا، ثم جلست بجانب البسطة التي تبيع القليل من الحلويات والسكاكر الخاصة بالأطفال، ونظرت في عيني الرجل ساحبا ثمن زجاجة المياه من جيبي، وأنا أتفحص ابتسامته الغريبة، قبل أن يدفع زياد (صاحب البسطة) يدي برفقٍ ويعيدها من حيث أتت، وقال إن المياه التي شربتها ليست للبيع.

نعم كنت متعبًا ومنهكًا وليس لدي طاقة على الحديث، لكن إجابته استفزت فضولي وشغفي لمعرفة قصة هذا الرجل، فاستأذنت منه أن يحدثني ببطء شديد فليس لدي ما أفعل، وأخذ الرجل يقص قصته وقد طغى على صوته الدفء وكأنه يحكي بقلبه.

اسمه زياد صادق (54 عامًا)، تعرفه شوارع أسواق خان يونس جيدًا، ويحفظ وجهه الباسم الأطفال الذين اعتادوا على زيارته بسطته البسيطة لشراء السكاكر، حلوى تُعيل أسرةً كاملةً اختارت طريقًا صعبًا وشاقًا، لكنه كافٍ لحفظ كرامة العائلة، ونجيبها سؤال الناس.. كما يصف صادق.

أحب الرجل الخمسيني أمه كثيرًا، وكان يشهد لها كفاحها في سبيل تربيته وأخوته بشكل يحفظ كرامتهم، ويخرجهم رجالًا، وحين رحيلها انخلع قلب الرجل، وترك ذلك فجوة في ذاكرته وحياته اليومية، إلى أن اهتدى لفكرة التصدق بالماء عن روح أمه.

يعلم ويقول الرجل أن ذلك شيء بسيط جدًا، لكنه اختار الماء لأسباب تبدو رائعة حين تسمعها منه، فلقد وقع اختياره على الماء كونها سر الحياة، وشيء أساسي في حياة الإنسان، وحين يرتوي العطشى من الماء البارد الذي يقوم بتوزيعه مجانًا وكأنه أعاد الحياة لذلك الجسد المنهك، خاصة في درجات الحرارة الشديدة في فصل الصيف.

سمعت القصة والكثير من التفاصيل الحياتية الصعبة للرجل، وأخذت برهة من الوقت قبل أن أبادر وأفتح حقيبتي وأخرج كاميرتي من جديد وأطلب من صادق أن ألتقط بعض الصور له، وكانت صورة والدتي تحوم في رأسي، وأعي جيدًا لماذا يقوم هذا الرجل رغم أوضاعه المعيشية الصعبة بشراء الماء البارد وتوزيعه على الناس عن روح أمه.

وافق صادق أن أقوم بالتقاط الصور له، وقررت أن أقوم بنشرها من خلال ألبوم صور لحياة بائع متجول في مدينة خان يونس على موقع "وكالة فلسطين اليوم الإخبارية"، وبهذا أكون قد أوصلت صورة الرجل الطيب إلى عدد كبير من المتابعين، فلربما اقتدى به أحدهم، أو ساعده آخر، أو ترحَّم على والدته، وهذا ما طلبه الرجل الخمسيني.

يشار إلى أن عائلات كثيرة أخدتها الأحوال الاقتصادية إلى تحت خط الفقر، بسبب الحصار الإسرائيلي الخانق منذ أكثر من 11 عامًا، إضافة إلى العقوبات التي تفرضها السلطة الفلسطينية على قطاع غزة، واستمرار الانقسام الفلسطيني، مما أدى إلى تفاقم المشاكل الاقتصادية، وزيادة نسبة الفقر والبطالة في القطاع.

ولقد بلغت معدلات الفقر والبطالة 52%، في حين أن نسب الفقر أو (خط الفقر) في قطاع غزة وصلت إلى 80% عام 2017 (أي ما يزيد عن نصف سكان القطاع)، مقابل نسبة الفقر المدقع التي وصلت إلى 33.7% في نفس العام (يقل دخلهم عن 300 دولار شهرياً للأسرة )، وترتب على ذلك بالطبع الكثير من مظاهر القلق والانحطاط واليأس السائدة في أوساط أبناء شعبنا في القطاع.

بائع خان يونس 1
بائع خان يونس 2
بائع خان يونس 3
بائع خان يونس 4
بائع خان يونس 5
 

 

 

كلمات دلالية