عملية «غوش عتصيون» وشبح الانتفاضة - عوني صادق

الساعة 02:26 م|15 أغسطس 2019

بعد 48 ساعة من الملاحقة الحثيثة، أعلن الجيش «الإسرائيلي»، السبت الماضي، عن اعتقال شابين من بلدة بيت كاحل، جنوبي الضفة المحتلة، بزعم أنهما المنفذان لعملية «غوش عتصيون» التي أسفرت عن قتل الجندي «الإسرائيلي» دفير يهودا شورك طعناً. والشابان هما نصير عصافرة (24 عاماً) وقاسم عصافرة (30 عاماً). وأشارت تقديرات «إسرائيلية» إلى أن الشابين لا ينتميان إلى أي تنظيم فلسطيني. وقالت صحيفة (هآرتس) نقلاً عن المحققين، إنهما لم يخططا للعملية، لكنهما تصرفا بعد أن شاهدا الجندي صدفة!

فور الإعلان عن العثور على جثة الجندي القتيل، نفذ المستوطنون سلسلة من الاعتداءات على الفلسطينيين وممتلكاتهم في مناطق متفرقة من الضفة المحتلة، في وقت انشغلت فيه الأجهزة الأمنية «الإسرائيلية»، ومعها المحللون العسكريون الصهاينة، في قراءة و«تحليل» العملية، وكان الارتباك واضحاً على الجميع، حيث تضاربت التحليلات والقراءات شكلاً ومضموناً واستنتاجات، فتعددت الأسئلة وتعددت معها الإجابات: هل كان الغرض من العملية الأسر أم القتل؟ هل نفذها شخص واحد أم «خلية إرهابية» منظمة؟ وهل كان «القاتل» منفرداً أم عضواً في منظمة؟ وهل كانت العملية مخططة أم كانت مجرد «انتهاز فرصة»؟ وهل كان لها علاقة بالتوتر المتزامن مع السجناء في السجون، أم هي منعزلة عنه؟ وأخيراً، كيف يجب أن يكون الرد على العملية؟!

من جهة أخرى، كان طبيعياً في حمى التنافس الانتخابي أن تصل العملية وأن توظف في الدعاية الانتخابية للمتنافسين! وعلى سبيل المثال، وتعليقاً على العملية، قال وزير الدفاع السابق، أفيغدور ليبرمان، موجهاً الاتهام لبنيامين نتنياهو: إن «الخضوع للإرهاب في قطاع غزة، لا بد أن يؤدي إلى عمليات في القدس والضفة الغربية»! وأضاف: «السياسة الحالية لهذه الحكومة هي محاولة تحقيق الهدوء في المدى القصير، والتضحية بأمن المواطنين في المدى البعيد»!

وبينما تركز اهتمام الأجهزة الأمنية على كيفية الوصول بسرعة إلى المنفذين، وهو ما بشر به نتنياهو وكان في مركز اهتمامه، تركزت تحليلات المحللين حول كيف يجب أن يكون الرد على العملية، تحت الهاجس الدائم: هل تكون العملية باباً إلى انتفاضة ثالثة، أو على الأقل إلى موجة جديدة من العمليات؟!

المحلل العسكري في صحيفة (هآرتس)، أليكس فيشمان، كتب مذكراً بالعملية التي قتل فيها ثلاثة من المستوطنين في عام 2014، وكان الرد عليها العدوان الواسع في ذلك العام، يقول: إن «احتمال أن يحدث كما حدث في أعقاب عملية قتل ثلاثة مستوطنين في منتصف 2014، هو احتمال ضئيل. لكن طالما لم تقرر (إسرائيل) ماذا ستفعل مع (حماس) وغزة، فستظل عاجزة في ردود فعلها تجاه العمليات في الضفة! لماذا؟ لأن رد الفعل الشديد جداً قد يؤدي إلى مواجهات دموية، تعتبرها السلطة الفلسطينية و(إسرائيل) خطراً داهماً لتقويض استقرار السلطة والتدهور نحو الانتفاضة»!! وتابع فيشمان يقول: «الانتفاضة ليست خياراً لأبي مازن، إلا إذا اختارت (إسرائيل) خطوة ردعية تشعل المنطقة»!

من جانبه، كتب المحلل العسكري في صحيفة «إسرائيل اليوم»، يؤاف ليمور، يقول: إن «التحدي اليوم هو إحباط الإرهاب من دون التسبب في انهيار النسيج الحساس للحياة في الضفة». وأضاف: «إلى جانب المجهود من أجل الوصول إلى القتلة، تتركز الجهود حالياً على منع عمليات أخرى بالأسلوب نفسه. وهذه الجهود ستحبط بالتأكيد عدداً من العمليات، لكنها لن تخفض من الإرهاب إلى الصفر»!

الموقع الإلكتروني للقناة التلفزيونية (12) «الإسرائيلية»، ذكر أن مخاوف الأجهزة الأمنية تتمثل في تنفيذ عمليات أخرى، وأن تضرب موجة جديدة من العمليات مستلهمة من العملية الأخيرة»!

أما المحلل العسكري للقناة (13)، ألون بن دافيد، فرأى أن الحافزية لتنفيذ عمليات متوفرة دائماً، بعضها من مجموعات تتبع التنظيمات، وبعضها على مستوى أفراد، لافتاً إلى أن الواقع في الضفة والاحتكاك بين ملايين الفلسطينيين ومئات ألوف المستوطنين يوفر فرصاً كثيرة لتنفيذ هذه العمليات. وخلص بن دافيد إلى نتيجة مفادها أن أي رد «إسرائيلي» على العملية لن يمنع العملية التالية!

هكذا يلاحق شبح الانتفاضة الاحتلال وقواته ونخبته، ويظل هاجس الخوف من الانتفاضة هو المتحكم في كل تصرفاتهم، من دون أن يمنع ذلك أو يقلل من انتهاكاتهم وإجراءاتهم العنصرية والتوسعية، متمسكين بمقولتهم الإجرامية: «ما لا يتحقق بالقوة، يتحقق بمزيد من القوة»! وفي الوقت الذي يعترفون فيه بأن مقاومة الشعب الفلسطيني لن تتوقف، وأن عليهم «العيش على حد السيف»، يعترفون أيضاً بأن أعمالهم القمعية «لن تمنع العملية الفلسطينية التالية»، وأن الباب مفتوح دائماً أمام انتفاضة جديدة. ويبقى على الشعب الفلسطيني أن يدخل هذا الباب، وسيدخله آجلاً أو عاجلاً، لأنه ليس أمامه باب آخر يدخله.