لاجئ على أبواب الوطن.. هيثم أبو الغزلان

الساعة 03:16 م|02 أغسطس 2019

فلسطين اليوم

وقفت على أبواب مخيم عين الحلوة.. وفي زواريبه مشيت، فهنا انسكب عرق والدي لبناء كوخ من الإسمنت تعلوه «ألواح الزينكو».. هنا سارت جدّتي، ووالدتي، ووالدي، وسميّة، وربيع، وخالد، وخولة... هنا كانت «نبعة الميّة» تروي العطشى.. هنا بوابة الحديد.. وشجر التوت والتين.. هنا سرت في الطرقات الضيّقة والمتعرّجة... وهنا صعدت التلال.. رأيت البحر.. وتنفّستُ هواء فلسطين...

ذهبت خيمة المخيم، وظلّ ناسه يحفرون في صخر الجبال قصة جديدة لفجر العودة القادم بالتأكيد... ألم يكتب غسان كنفاني عن المخيم بعد النزوح: "إن هذا المطر لن ينتهي الليلة وهذا يعني أنه لن ينام، بل سيظل مُنكباًّ على رفشه، يحفر طريقاً تجر المياه الموحلة بعيداً عن أوتاد الخيمة".

أتذكّر في هذه البقعة من المخيم عندما انقلب حائط منزلنا، وتصدّعت الجدران المتبقِّية... وعندما استشهد صديقنا تحت ركام منزله... وأطبقت الجدران على أربعة أطفال مع أمّهم... هنا، هناك انمحت «حارتنا»، وغدت أكواماً من حجارة وتراب، «يُزيِّنها» الشهداء، وقرقعة طبول النشامى العرب!!

هنا مشيت على أرض المخيم... هنا ذاكرتنا «الفولاذية القوية» باتت في خطر... هنا الأرض لم تعد أرضاً... هنا النشيد كان وما زال كالزلزلة: أطلِق اليدين والحجر.. إنزع الأسلاك الشائكة.. دُس الشوك بأقدامك العارية، وانطلق لعينيها أملاً، وأمضِ لحضنها شهيداً؛ فما يفصلنا عنها مساحة أمتارٍ وجنود وكلاب عاوية.. فلا تبك إلا قليلاً، فالدمع عند العرب بحورٌ ويزيد!!

أطلق يديك والغضب، أطلق شعلة النار ولهيب الألم.. احمل الروح تقذفها... احمل كلّ أماني الطفولة، ودموع النساء والأحبَّة والأطفال، اجعل الجسد جسر عبور بين الوطن والوطن.

دع الأمل يَعْبرُ عبر حقيبة الشظايا، دَعْها تلوّن سماءنا، أشجارنا، زهورنا، أسماءنا... دعها تنتفض عبر خيوط الصباح تجتاح نهارنا المسبي... وتصل للقدس رسالة وعنوان...

تمر السنون، وأيام العمر تتشابه، ووحدهم الذئاب قادرون على البقاء؛ فلا ورد يُزهر، ولا عمر يكبر عند طغيان. ويصبح الوطن وحده في المنفى بلا تضاريس، ولا عنوان ... ويضيع فيه الإنسان.

هنا نكتب بأمل الواثق بالنصر الأكيد أن الأعداء يمكن أن يُحاصروا القمر، ويأخذوا كل نور الشمس، ويكسّروا عظام الأطفال، ويدمّروا المنازل، ويحطّموا الأبواب، ويجعلوا الدنيا سجناً للأبطال، ويمزّقوا أكفان الشهداء، ويحرقوا كلّ شيء كما التّتار، لكنّهم لن يستطيعوا منعنا من عشق الأرض والتّشبث بالتراب فنحن «نحب الحياة إذا ما استطعنا إليها سبيلاً».

نص من كتاب #نقش_الجرح