خبر انتخابات لمنظمة التحرير وليس لسلطة أوسلو ..ياسر الزعاترة

الساعة 10:12 ص|31 يناير 2009

ـ الجزيرة نت 31/1/2009

ليس ثمة حديث عن المصالحة الفلسطينية، إلا ويتبع بلازمة عن الانتخابات الرئاسية والتشريعية المتزامنة، بصرف النظر عن موعدها (انتهت ولاية الرئيس محمود عباس في التاسع من يناير/كانون الثاني الماضي، بينما تنتهي ولاية المجلس التشريعي في شهر فبراير/شباط 2010).

ويفهم بالطبع -وقالوا ذلك مرارا- أن الانتخابات ينبغي أن تجرى وفق نظام القائمة النسبية بسبب استفادة حماس من النظام الحالي (نصف للقائمة النسبية وآخر للدوائر، حيث حصلت في القائمة النسبية على حوالي 45 % مقابل 42 % لحركة فتح، بينما حصلت على حوالي ثلاثة أرباع الدوائر).

ويبدو أن فريق السلطة يعتبر مسألة تغيير القانون مجرد تحصيل حاصل على رغم حاجتها إلى موافقة المجلس الذي تهيمن عليه حماس، ولعله يعول هنا على غياب تلك الغالبية تبعا لوجود عدد كبير من نواب الحركة في الأسر الصهيوني.

من الواضح أن قيادة السلطة في رام الله على ثقة بقدرتها على كسب تلك الانتخابات، ليس قناعة بشعبيتها بالطبع، وإنما لاعتبارات أخرى، من أهمها قراءتها (أعني قيادة السلطة) لوضع حماس في الضفة الغربية حيث تبدو الحركة في حالة صعبة بسبب الضربات المتوالية التي تلقتها في العامين الماضيين، تحديداً منذ عملية الوهم المتبدد التي ترتب عليها اعتقال أغلب النواب وأعضاء المجالس البلدية، إلى جانب معظم أعضاء التنظيم، بمن فيهم أناس لم يسبق لهم أن اعتقلوا، أعني أولئك المنخرطين في الأعمال الخيرية والاجتماعية والدعوية، ممن كشفتهم لعبة الانتخابات بشقيها البلدي والتشريعي، ومن بعدها تشكيل الحركة للحكومة وما ترتب عليه من حاجتها لكوادر على مختلف الأصعدة.

ولا تسأل بعد ذلك عن الضربات الهائلة التي وجهتها للحركة أجهزة أمن السلطة، سواء أكان على صعيد الأفراد، أم المؤسسات التي صودرت على نحو لم يسبق له مثيل، حتى أيام أسلو بين عامي 1993 و2000.

نقول ذلك على رغم ثقتنا بأن جماهيرية حماس في الضفة تبدو أكبر منها في القطاع، ربما بسبب المظلومية التي تعرضت لها طوال العامين الماضيين، مقابل فساد السلطة، وربما لأن حماس القطاع قد تعاملت بمنطق السلطة الذي يملي بعض القسوة والحزم الذي يؤدي إلى خسائر شعبية في كثير من الأحيان، وإن تأكد الجميع، حتى قبل المعركة الأخيرة أن جماهيرية الحركة ما تزال قوية إلى حد كبير، كما عكس ذلك مهرجان الانطلاقة في شهر ديسمبر/كانون الأول الماضي.

من الاعتبارات الأخرى التي تمنح قيادة السلطة الثقة بقدرتها على كسب الانتخابات قدرتها على التزوير، لا سيما أن نظام القائمة النسبية يتيح المجال لذلك أكثر من سواه، فكيف إذا وقعت الاستعانة بخبرات عربية صديقة، من تلك التي تسجل حالة عدائية لحركة حماس، وعلى رأسها مصر؟! ولعل التواطؤ الدولي ضد حماس يضيف مزيداً من الطمأنينة لأولئك، حتى لو تحدث البعض عن مراقبين دوليين.

ما ينبغي أن نؤكده هنا هو أن الرفض الذي نسجله هنا لمسار الانتخابات لا يتعلق البتة بمنطق الخوف من نتائجها كما سيذهب بعض صغار العقول، لا سيما بعد الانتصار الكبير الذي تحقق في قطاع غزة، والشعبية الجارفة الذي منحها لحماس، بل نفعل ذلك من منطلق سياسي يتعلق بمصير السلطة والقضية برمتها.

هل ثمة عاقل يمكنه استبعاد حصول حماس على الغالبية، وأقله المرتبة الأولى، لا سيما إذا ساندها الجهاد الإسلامي؟ بالطبع لا، وإذا حدث ذلك، ألن يعود المشهد إلى ذات المسلسل القديم؟ حيث لن يسلم القوم سلطة الضفة إلى حماس، بينما سيفرض الحصار، وتبدأ المؤامرات للالتفاف على النتيجة.

ما ينبغي أن يقال على رؤوس الأشهاد هو أننا إزاء انتخابات لها هدف واحد هو منح السلطة للفريق الرافض لبرنامج المقاومة، والذي يمنح صلاحيات الأمن للجنرال دايتون، ويقبل بسائر التزامات اتفاقية أوسلو، لا سيما المتعلقة بالتعاون الأمني والقبول بالواقع القائم، مع المضي في برنامج المفاوضات بصرف النظر عن نتيجته ومداه الزمني.

لقد صممت هذه السلطة لخدمة برنامج الاحتلال، أمنيا وسياسيا واقتصاديا (وصفها الكاتب الإسرائيلي عكيفا إلدار بأنها "الاختراع العبقري المسمى سلطة فلسطينية") وهي تمنح الإسرائيليين ما يسمى بالاحتلال "الديلوكس" أو الاحتلال الفاخر، حيث صورة الاحتلال لم تعد هي ذاتها (هنا دولتان تتنازعان حول قضايا تفصيلية مكانها طاولة المفاوضات) واقتصاديا، حيث لا يتحمل الاحتلال المسؤولية عن حياة المدنيين الواقعين تحت ولايته بحسب اتفاقيات جنيف، وأمنيا حيث لا يتواجد بجنوده وموظفيه المدنيين داخل المدن والقرى، مما يعرضهم للموت والإصابة، بل يتواجد خارجها، يدخل وقت يشاء، بالطريقة التي يشاء، ويعتقل ويقتل من دون التعرض لأي أذى، بدليل أن مسلسل الاعتقالات والاجتياحات لم يتوقف طوال سنوات، حتى بعد أن جاء الفريق الجديد المؤمن ببرنامج التفاوض، والرافض "أيديولوجيا" لخيار المقاومة.

أما ديمقراطية هذه السلطة، فإما أن تكون في خدمة الاحتلال أو لا تكون (يمكن للاحتلال أن يعتقل نواب حماس في ساعات كما فعل في المرة الماضية).

إذا كان بوسع برنامج من النوع الذي تتبناه السلطة أن يكسب حصة كبيرة من الشارع الفلسطيني في الضفة الغربية وقطاع غزة بسبب واقع الفئوية والانقسام، وبسبب الانحياز المتوقع للفصائل الأخرى لكتلة فتح، فإن الموقف ليس كذلك في الشتات، لا سيما أنه برنامج يهمش قضية اللاجئين، بل يشطبها بشكل عملي.

نتذكر بالطبع أن الفصائل الأخرى المشاركة في الانتخابات تنحاز على تفاوت بينها لحركة فتح لاعتبارات كثيرة (أيديولوجية وتمويلية، وكذلك شخصية تبعا لوجود قادتها في الداخل تحت رحمة السلطة والاحتلال) وقد حصلت جميعا في الانتخابات الماضية على حوالي 13% من القائمة النسبية، وقد حدث ذلك بسبب تطبيق النظام المذكور من دون نسبة حسم تشترط للتمثيل في المجلس، كما هو الحال في الدول التي تعتمده (أقلها 2% في الدولة العبرية، وأكثرها 10% في تركيا، حيث توزع أصوات القوى التي لا تصل نسبة الحسم للقوى الفائزة بحسب النسب التي حصلت عليها)، فضلا عن أن حركة مهمة مقربة من حماس وتتبنى ذات طروحاتها السياسية، وتحصل على النسبة الثالثة في الغالب (أعني حركة الجهاد) لا تشارك في الانتخابات.

في ضوء ذلك، فإن من العبث الحديث عن إنهاء الانقسام عبر مصالحة فلسطينية عنوانها انتخابات رئاسية وتشريعية، لأن جوهر هذه اللعبة هو التنافس على السلطة، وهو تنافس يفضي إلى الصراع وليس الوحدة، لأن الوحدة لن تكون إلا على خيار المقاومة، أو تجسيده على الأرض بتعبير أدق، لا سيما أن فلسطين، كل فلسطين ما تزال محتلة.

إنها انتخابات إما أن تكون نتيجتها فوزا جديدا لحماس يعيد مسلسل الحصار من جديد، وإما فوزا لفتح ومن يتحالف معها، والنتيجة هي تكريس سلطة دايتون ومتاهة تفاوضية جديدة سبق أن جربها الفلسطينيون، والسبب بالطبع أنها انتخابات سلطة صممت لخدمة الاحتلال، ومعها ديمقراطيتها، وهي إما أن تكون في خدمته أو لا تكون.

الفلسطينيون اليوم في حاجة إلى مرجعية تعبر عنهم، أعني كل الفلسطينيين في الداخل والخارج، ولا أظن أن لحماس والجهاد مشكلة في أن تكون منظمة التحرير هي تلك المرجعية، على أن يعاد تشكيلها على أسس ديمقراطية حقيقية، وهنا يمكن إجراء انتخابات في الداخل وفي الخارج بما أمكن وصولا إلى قيادة جماعية منتخبة للشعب الفلسطيني، وبعد ذلك الاتفاق على حكومة مقاومة في الضفة والقطاع.

مع العلم أن النتيجة هي عودة الاحتلال المباشر، الموجود عمليا في الضفة، وإن بصيغة "فاخرة" تناسب الاحتلال، الأمر الذي سيصب في صالح القضية وضد مصلحة الاحتلال، بينما يدار القطاع من خلال توافق بين كافة الفصائل بوصفه قاعدة شبه محررة، تسند المقاومة وتمارسها في آن.

هذا هو المسار الوحيد الذي يجمع الفلسطينيين في الداخل والخارج، أما السلطة فلا تعبر إلا عن جزء من الشعب الفلسطيني، وأية مصالحة على قاعدة وفائها بالتزاماتها فلن تؤدي إلا إلى تيه جديد للشعب والقضية.

صحيح أن الوضع العربي الرسمي وعلى رأسه النظام المصري، لن يقبل بتصعيد من هذا النوع يقلب الطاولة في وجه المحتلين والأميركيين والأوروبيين، لكن الشعب الفلسطيني قادر على فرض إرادته، لا سيما أن الأوضاع الدولية الآخذة في التغير، ومعها بعض المواقف العربية والإقليمية الجيدة، قد تساعده على المضي في هذا المسار.

بقي القول إننا كتبنا هذا الكلام قبل حديث السيد خالد مشعل عن مرجعية جديدة للشعب الفلسطيني في كلمة له في الدوحة يوم الأربعاء 28 يناير/كانون الثاني، والذي تحدث فيه عن مرجعية جديدة للشعب الفلسطيني في الداخل والخارج، الأمر الذي يلتقي مع فكرة هذا المقال إلى حد كبير.

ويبقي السؤال هو ما إذا كانت تلك المرجعية هي ذاتها منظمة التحرير، أم صيغة جديدة، الأمر الذي يمكن التفاهم بشأنه، بحسب الظروف ومواقف الأطراف المختلفة، مع أن الفكرة الجديدة تبدو مثيرة بالفعل إذا أضافت إلى فكرة المرجعية الديمقراطية للشعب الفلسطيني في الداخل والخارج إمكانية مساعدة شرفاء حركة فتح على استعادتها من الذي خطفوها وحرفوا مسارها بالكامل بعد ياسر عرفات رحمه الله.