تقرير قبر يوسف .... بؤرة الصراع المتجدد شرق نابلس

الساعة 10:38 م|24 يوليو 2019

فلسطين اليوم

واكب "أبو محمد دويكات" منذ صغره التطورات التي وقعت في محيط "قبر يوسف" المقام على مدخل قريته بلاطة، الواقعة إلى الشرق من مدينة نابلس، وكيف تحول هذا المقام الذي كان يقصده الفلسطينيين للتبرك فيه، إلى مكان ينشر الموت والسواد على أبناء القرية وكل ما يحيط بها.

فلا يمضي أسبوع واحد حتى تندلع المواجهات في محيط مبنى "قبر يوسف" الواقع في المنطقة الشرقية من مدينة نابلس بين الشبان وقوات الاحتلال التي تقتحم المنطقة لحماية الالاف المستوطنين الذين يقتحمون القبر "للصلاة فيه" بحجة أنه قبر نبيهم يوسف "عليه السلام".

ولد "أبو محمد" في العام 1956، لم يكن المقام قد تغيرت ملامحه بعد، ولا بني حوله هذا السور الذي يحجبه عن نظر المارين حوله، يقول:" أتذكر الغرفة التي يتوسطها القبر، كان مغطى بالأخضر ومكتوب عليه باسم الله الرحمن الرحيم" ومغطى بالأخضر. ويتذكر "أبو محمد" أيضا قوافل السياح التي كانت تأتي إلى المقام، وأبناء الطائفة السامرية الذين كانوا ينزلون في مواسمهم الدينية إلى المقام يصلون ويطلبون البركات منه.

هذه البركات انقلبت ل "لعنات" لم تتوقف حتى والمقام الموجود منذ 1500 عاما بدأ الصراع عليه منذ العام 1967 بعد احتلال باقي فلسطين وأحكام السيطرة على الضفة الغربية، حيث بدأ المستوطنين اليهود بزيارة المقام والصلاة فيه، ليتطور الأمر في العام 1982 حين أعلن الاحتلال السيطرة الكاملة على المكان بصفته مكان يهودي مقدس، ومنع الفلسطينيين من الصلاة فيه وحول جزء منه إلى مدرسة توراتية.

ولكن قبل هذا الإعلان، كانت محاولات إسرائيلية أيضا خلال السنوات 1970 عندما قام الحاكم العسكري لنابلس بإجراء إصلاحات على المقام على نفقة الحاكم العسكري، ولكن مدير الأوقاف في حينه رفض، فعاد الطلب من جديد ليكون وضع لافته باللغة العبرية في المكان، إلا أنه قوبل بالرفض أيضا.

بعد ذلك الحين أصبح الدخول إلى المقام من قبل الأهالي صعبا، ولكنه لم يكن ممنوعا وأصبحت قوافل المستوطنين المتدنيين الذي يقصدونه تزداد، ليس فقط اليهود المستوطنين وإنما الجنود العساكر الذين كانوا لا يفارقون المكان ليلا ولا نهارا.

ومنذ ذلك الحين بدأت التغيرات تظهر على محيط المقام وداخله، فقط كتبت الافتات بالعبرية والإنجليزية، وأزيل بالكامل غطاء القبر وما كتب عليه "باسم الله ...".

وبقي الحال على ذلك حتى تأسيس السلطة الفلسطينية التي اعترفت خلال توقيعها على اتفاقية أوسلو "بقبر سوف" مكانا مقدسا يهوديا رغم أنه وقفية إسلامية، ووقوعه على مناطق ألف، سيطرتها بالكامل تقع على مسؤولية الفلسطينيين.

لم ينتبه الكثيرين لهذا البند من الاتفاقية التي تعطي السيطرة الكامل للجانب الإسرائيلي، واستمرت القوافل من قبل المستوطنين للصلاة فيه بهدوء حتى 1996 حين وقعت هبة النفق ووقع اشتباك بين العناصر الأمن الفلسطينية التي كانت تحرس المكان، والجيش الإسرائيلي وقع خلالها سته شهداء من الفلسطينيين.

وبالعودة إلى العام 2000، وهو العام الذي اندلعت فيه أول انتفاضة بعد اتفاقية أوسلو وتأسيس السلطة الفلسطينية، والتي امتدت إلى كل الضفة والقطاع. وكان لنابلس، ومحيط القبر نصيب الأسد من الأحداث والمواجهات التي وقعت في حينها.

وفي يوم حاصر الشبان المقام وقاموا بحرقه بالكامل، واستشهد في حينه سته شبان في المكان، وفرضت إسرائيل تشديد عسكري على المكان، ومن ذلك الحين قامت السلطة بإعادة ترميم المكان، وفي وقت لاحق أدخل المستوطنين مجسم لقبر جديد، وعادوا في العام 2007 لزيارته من جديد، ليعود بؤرة توتر في المنطقة مع كل زيارة له.

بقي التوتر يحيط بقبر يوسف، وأستمر تضارب الروايات التي تتحدث عن أنه يوسف النبي كما كتب عنه مئات الرحالة الذين زاروا فلسطين، وبين رواية أنه قبر لرجل صالح من أبناء عشيرة دويكات ويدعى " يوسف دويكات"، وبين هذا وذلك ضاعت البركة، وحقيقة أن المقام بما يحتويه وقف إسلامي فلسطيني، وأن الفلسطينيين أولى الناس بيوسف إن صحت رواية وجود رفاته هناك.

وينقسم الفلسطينيون في أنه قبر يوسف النبي الصديق، وبين كونه قبر لرجل صالح عاش ومات في المكان أسمه " يوسف دويكات".

وبحسب الأوقاف الفلسطينية فإن المقام مسجل لديها كوقف شرعي إسلامي، وأن التكوين الأثري يشير إلى أنه يعود بناءه إلى العهد العثماني في القرن الكامن عشر الميلادي.

وتقول وزارة الأوقاف إن الغرفة القائمة في الجهة الشمالية من المقام بنيت في العام 1950 بموافقة من الأوقاف الأردنية التي تدير أوقاف فلسطين في حينه، وبقي التدريس فيها حتى العام 1965، إلى جانب وجود محراب في الجدار القبلي للقمام كامن تقام فيه الصلاة وكانت النساء تزورنه للصلاة وتقديم النذور والتبرك في المكان.

يقول دكتور علم الأثار في جامعة النجاح الوطنية لؤي أبو السعود ومن خلال بحثه أعده عن المقام أن المبنى من الداخل يحمل طابع البناء الإسلامي وهو ما يدحض الرواية التي تقول بإنه يعود إلى النبي يوسف.

وأعد أبو السعود البحث بعد دراسة لمحتوياته من الداخل وخلص إلى أن المبنى ما هو إلا عبارة عن مقام ومسجد اسلامي بحت.

ولم يؤكد أبو السعود أو ينفي أن يكون النبي يوسف مدفونا في هذا القبر، ولكنه قال إن في حال ثبت أثرياً أن هذا القبر لسيدنا يوسف فنحن الفلسطينيون كعرب ومسلمين أولى في امتلاكه من اليهود.

وأضاف أبو السعود:" أن الصراع على مقام النبي يوسف هو صراع عقيدي إلى يوم الدين.".