يتحدث الحاج المقدسي "غالب أبو هدوان" بكثير من الأسى والقهر وهو يشير بيده إلى الجرافة التي تقوم بهدم بيته في وادي الحمص في قرية صور باهر جنوب مدينة القدس " تعب السنين كلها يضيع أمام عيني الأن"، لم يكمل حديثه معنا وفضل مراقبة الهدم بصمت. بيته يقع في بناية بدأ ببنائها في العام 2015 وأحتفل باستكمال أول طابقين منها في العام 2017 لتكون بيتا له ولأبنه المتزوج وأحفاده الخمسة، وكان المخطط أن يكمل بناء البناية لتكون استثماره في حياته هو وزوجته.
فمنذ الثالثة فجرا من اليوم الإثنين (21 تموز) بدأت جرافات الاحتلال باقتحام الحي، البالغة مساحته نحو ثلاثة آلاف دونم، وأخلاء السكان تمهيدا لبدء هدم 16بناية تضم قرابة ال 100 شقة سكنية، دون السماح لهم بإخراج أي من محتوياتها، تنفيذا لقرار احتلالي بهدم البنايات الواقعة في الحي بحجة أنها تشكل خطرا أمنيا لقربها من الجدار الفاصل الذي يفضل القدس عن قرى محافظة بيت لحم.
وعائلة وهدان واحدة من هذه العائلات:" عند الساعة الثالثة والنصف اقتحموا المنزل وأخرجونا منن الشقق بالقوة دون مراعاة لوجود خمسة أحفاد.
وأشترى أبو هدوان الأرض التي بنى عليها بنايته قبل أربع سنوات وبدأ بتعمير البناية " بكل ما أذخره في حياته هو وأبنائه" ليفاجئوا في العام 2017 بقرار الجيش هدم المنازل بحجة أنها قريبة من الجدار الفاصل، وعلى مدار عامين كاملين من المحاكم كانت لديه القناعة الكاملة أنه لن يخرج من بيته وخاصة أن القاضي كان متفهم لوضع العائلات:" كان القاضي يدافع عنا ويتعامل كأنه محامي العائلات وأن له حق في البنايات لم نتوقع أن يصدر حكما ضدنا" قال هدوان.
ولكن الانقلاب الكبير في رأي القاضي كان في الجلسة النهائية قبل شهر عندما أعطى نفس القاضي قرارا بالقيام بأي إجراء يراه مناسبا، وأعطى السكان مهلة شهر للإخلاء والهدم الطوعي لمبانيهم بإياديهم، وهو ما رفضه السكان بالمطلق.
"أبو هدوان" وعائلته جزء من سكان الحي البالغ عددهم سته الاف مقدسي، ويقع الحي بمعظمه ضمن الأراضي المصنفة (A) أي أنها تحت السيطرة الفلسطينية الكاملة، وبعد بناء الجدار الفاصل حول القدس في العام 2003 أصبح خارج حدود التي رسمتها "بلدية الاحتلال" للقدس، وهو ما جعل الأهالي يتوجهون بالبناء فيه بعد الترخيص من وزارة الحكم المحلي الفلسطينية.
وبدأت قصة الحي حينما أصدر ما يسمى "بالقائد العسكري" في جيش الاحتلال قرارا بمنع أي بناء على بعد 250 مترا من الجدار الفاصل وذلك في العام 2011، وبدأت أولى قرارات الهدم في العام 2015 ثم امتدت لتشمل الحي بالكامل.
واليوم يشكل تنفيذ الهدم أشارة إلى أمكانية تنفيذ عمليات هدم أخرى في كل المناطق الجدار في الضفة الغربية وليس فقط في منطقة القدس المحتلة، بهدف ترحيل الفلسطينيين من هذه المناطق، وخاصة أن البدائل الأمنية للجيش ببناء الجدار اسمنتي بدلا من التشييك العازل كانت يمكن أن تحل الحجة الأمنية، كما يقول الحاج "هدوان".
وتابع:" هم يريدون تهجيرنا من أراضنا فقط، كان يمكن بناء جدار أسمنتي وإبقاء على منازلنا ولكن مخططاتهم أكبر من كل هذه الحجج الأمنية".