المرأة في الفكر الاجتماعي للجهاد الإسلامي/ بقلم: د. وليد القططي

الساعة 01:19 م|21 يوليو 2019

فلسطين اليوم

ظُلمت المرأة في المجتمعات العربية بين تيارين متناقضين: أحدهما مستورد من الثقافة الأوروبية الغربية، يذهب باتجاه تحرير المرأة وفق نموذج الحضارة الغربية المعاصرة بنزعته العلمانية المتطرفة، هذا التيار يريد تحرير المرأة العربية المسلمة من الإسلام والفطرة. وثانيهما مُستجلب من عصر الانحطاط العربي أُعيد إنتاجه في إحدى الصحراوات العربية القاحلة، يذهب باتجاه تقييد المرأة وفق النموذج الصحراوي المتطرف بعد ارتدائه الثوب الإسلامي، هذا التيار يريد تقييد المرأة العربية المسلمة بالإسلام والشرع. وبين هذين التيارين المتناقضين المتطرفين يقف النموذج الإسلامي الوسطي الحضاري الذي يهدف إلى تحرير المرأة بالإسلام وليس من الإسلام، ويسعى لعتق المرأة من الظلم وليس من الفطرة. هذا النموذج الحضاري هو ما يميز الفكر الاجتماعي لحركة الجهاد الإسلامي في فلسطين، وهذا واضح من خلال من خلال وثائقها وأدبياتها الأساسية التي نستعرض جزءاً منها.

الدكتور الشهيد فتحي الشقاقي نشر في مجلة المختار الإسلامي العدد العاشر إبريل عام 1980 مقالاً بعنوان (المرأة المسلمة: تيار جديد.. مهام جديدة) وضح فيه رؤيته للمرأة وفق النموذج الحضاري الإسلامي، وانتقد تيار التغريب الذي يسعى إلى تعليم المرأة بناء على قواعد الفكر الغربي العلماني بدلاً من الفكر الإسلامي. وانتقد دعوات نزع خمار المرأة تمهيداً لنزع حجابها ثم تعريتها تماماً، بينما الإسلام بمعظم فقهائه يرون في الحجاب وليس الخمار (النقاب) هو الزي الشرعي للمرأة. ورأى في الهجمة الغربية المستهدفة للمرأة أهم جوانب الهجمة الغربية على المجتمع المسلم، لتفقد المرأة أنوثتها ثم إنسانيتها ثم كرامتها ودينها، وينتهي الأمر بتدمير البيت المسلم والنشء المسلم والمجتمع المسلم بأكمله. ودعا إلى مساواة المرأة بالرجل ولكن ليس على الأسس الغربية، ولكن المساواة المضبوطة بالشرع والفطرة. فلكل من الرجل والمرأة مجاله وتخصصه وإمكانياته، والإسلام وحده هو الذي يقدم الفرصة المناسبة المتكافئة لكل منهما في إطار قدراته الجسمية والنفسية التي فُطر عليها.

الشهيد الشقاقي في رؤيته لمكانة المرأة ودورها في المجتمع يرى أن أمامها مسؤوليات ذاتية وأخرى موضوعية، فالمسؤوليات الذاتية تتعلق ببناء الذات الإسلامية كنموذج حي يتحرك اتجاه الوصول إلى رضى الله سبحانه وتعالى لتصبح قدوة  تُحتذى أمام الآخرين. وتتعلق كذلك بأهمية الوعي بالإسلام والالتزام به، ليكون الإيمان والوعي لدى المرأة أهم عوامل الصمود والمقاومة أمام الضغوط والإغراءات من حولها، ولا بد للمرأة المسلمة كما الرجل المسلم تمثل مفاهيم الأصالة والانتصار والفعالية والإيجابية في تحركهم الاجتماعي. والمسؤوليات الموضوعية تتلخص في فهم المرأة لقضية التحدي الذي تواجهه الأمة باعتباره أول خطوات تجاوز هذا التحدي الذي يريد تدمير إسلام المرأة كمقدمة لتدمير المجتمع المسلم، لذلك ركز على دور المرأة في مختلف المجالات، أهمها: مقاومة السياسات التربوية والتعليمية غير الإسلامية، واقتحام مجال العمل دون الإخلال بضوابط الشرع والفطرة، ومشاركتها في كافة مجالات العمل الاجتماعي التطوعي الخيري في مختلف ميادينه لنقترب من الجماهير وآلامها تمهيداً لترشيدها.

الدكتور رمضان شلح الأمين العام الثاني لحركة الجهاد الإسلامي في كتابه (الأسس والمفاهيم الإسلامية) المنشور في فبراير 2018 كتب تحت عنوان (المرأة) ما يُعبر عن النموذج الإسلامي الحضاري استكمالاً لفكر الشقاقي الاجتماعي حول المرأة "النساء شقائق الرجال، وقد أرسى الإسلام العدل والمساواة بينهما في الإنسانية والكرامة، وفي التكليف الشرعي، وحض على حفظ حقوق المرأة وواجباتها الفردية والاجتماعية، وضمان مشاركتها في بناء المجتمع، والجهاد للدفاع عن الوطن، وذلك في حدود الضوابط والآداب الإسلامية". هذه الفقرات تُلّخص الفكر الاجتماعي في نظرته للمرأة مرسخة مبدأ المساواة بين المرأة والرجل في الإنسانية والكرامة والتكليف الشرعي، ومبدأ التوازن بين واجبات المرأة وحقوقها على المستويين الفردي والاجتماعي، ومبدأ المشاركة الفاعلة للمرأة الصادرة عام 2013، وفيها " يتأسس وضع المرأة في الإسلام على المساواة مع الرجل سواء في مكانتها الإنسانية، أو من حيث عضويتها في المجتمع، وتقوم العلاقة بين الرجل والمرأة على المسؤولية المشتركة... وللمرأة حقوق سياسية واقتصادية مساوية للرجل."

وفي (الوثيقة السياسية) لحركة الجهاد الإسلامي في فلسطين الصادرة في فبراير عام 2018 جاء تحت عنوان (قضايا ومهام وطنية) في البند الرابع ما نصه " تعزيز الدور النضالي للمرأة، ورفع مستوى مشاركتها في المقاومة، وفي العمل الوطني والإسلامي، والتأكيد على حقوقها وواجباتها، وتحقيق كرامتها ومكانتها في المجتمع، ركيزة أساسية تمد مشروع المقاومة والتحرير بأهم أسباب القوة والاستمرار." وهذا يدل بوضوح على البُعد النضالي للمرأة ، وهو تطور مهم في الفكر السياسي والاجتماعي للحركة الإسلامية الفلسطينية، فقد ربطت الوثيقة السياسية للحركة بين تعزيز الدور النضالي للمرأة ومشاركتها الفاعلة في المقاومة والعمل الوطني والإسلامي بتقدم مشروع المقاومة والتحرير واعتبر هذا الدور النضالي والمشاركة في المقاومة والعمل الوطني من أهم أسباب القوة والاستمرار. والوثيقة لم تغفل أهمية علاقة نيل المرأة لحقوقها وتحقيق كرامتها ومكانتها الاجتماعية بانجاز مشروع التحرير والعودة والاستقلال في علاقة جدلية تربط بين التحرر الوطني والتحرر الاجتماعي.

وهكذا نجد أن المرأة في الفكر الاجتماعي للجهاد الإسلامي مستمد من النموذج الإسلامي الوسطي الحضاري بعيداً عن التيارين المتطرفين – الغربي والصحراوي- وتوضيحاً وتلخيصاً لهذا الفكر اقتبس هذا الجزء من مقال سابق لكاتب هذا المقال نُشر قبل عامين بعنوان (المرأةُ تُوأدُ من جديد) جاء فيه "... إن قيمة المرأة في ذاتها كإنسان قبل كل شيء، فهي قيمة في حد ذاتها كإنسان له ذات مستقلة تتساوى مع الرجل في القيمة والكرامة الإنسانية، كما تتساوى معه في المسؤولية والتكاليف الشرعية (الجزاء والعقاب)، وتعارض الرجل في الجنس الذي يفرض بعض الوظائف المختلفة على كلا الجنسين. والخلاصة كي لا تُوأدُ المرأة من جديد لا خيار أمامنا سوى التصدي لنمطي الثقافة المتقابلتين: ثقافة إن المرأة عورة كلها ينبغي سترها وحجبها، فتُدفن حية فوق التراب بعد أن كانت تُدفن تحت التراب في الجاهلية، وثقافة مقابلة لا ترى في المرأة أي عورة ينبغي سترها وحجبها، فتُدفن حية أيضاً فوق التراب. لكنه تراب الحضارة المتقدمة وغبار التحرر الراقي.".