الامن قبل كل شيء -معاريف

الساعة 12:47 م|17 يوليو 2019

فلسطين اليوم

بقلم: زلمان شوفال

(المضمون: الشخصان مختلفان، الظروف مختلفة، العصر مختلف ومع ذلك يمكن ايجاد وجه شبه بين بن غوريون ونتنياهو – كلاهما يريدان الامن للكيان وللدولة اليهودية - المصدر).

 

مقال بقلم رئيس الموساد السابق تمير باردو نشر في وسائل الاعلام يدعي بانه على مدى التاريخ كان نموذجان من الزعماء: المبادرين والمجرورين. فقد كتب يقول ان "المبادرين وضعوا رؤيا واضحة وجلية واهداف وطنية تنشأ عنها، وكيفوا رؤياهم مع التغييرات في الواقع". هذا، بالطبع، وصف عمومي بعض الشيء لا يأخذ بالحسبان عناصر اخرى، خارجية وداخلية، شخصية ونفسية، يمكنها ان تؤثر على طبيعة ونشاط الزعيم. والفوارق على أي حال ليست حادة بهذا القدر: فحتى الزعيم المبادر ينجر احيانا – والعكس.

رغم أن نية كاتب المقال كانت على ما يبدو أن يشبه بمرآة مقعرة بين زعامة بن غوريون وزعامة بنيامين نتياهو، ففي نهاية المطاف نجد أن القاريء كفيل بان يصل الى الاستنتاج المعاكس. بمعنى انه توجد بالذات أوجه شبه بين الاثنين ، على الاقل في موضوع واحد ألا وهو الامن. فبن غوريون قال في حينه: "ان مواضيع الامن، برأيي، توجد في مركز سياستنا الخارجية". وكتب احد المحللين عن ذلك فيما بعد انه "لو كنا وضعنا كل المثل العليا في كفة واحدة، وامامها أمن اسرائيل في الكفة الثانية لاختار بن غوريون دوما امن اسرائيل".

هذا ايضا هو موقف نتنياهو. مشكوك، بالمناسبة، انه كان يمكن لبن غويون نفسه ان يتعامل مع نفسه كرجل رؤيا، إذ انه في نظر نفسه كان هو اساسا رجلا ذا مهامة ملموسة، اقامة دولة يهودية، له نفسه فيها دور في تحقيقها. "الرؤيا" هي كلمة كبيرة جدا يفهم منها احيانا جوهرا طوباويا وشبه ديني بروح رؤيا الآخرة، مقابل وضع هدف غايته واضحة، عملية وبراغماتية. في يد الناس غير السليمين من شأن حتى الرؤيا ان تتحول بلا صعوبة الى اضغاث احلام بل الى كابوس.

لبن غوريون ونتنياهو هدف واحد فوق كل شيء: ضمان امن دولة اسرائيل. من هنا ينبع كل ما تبقى، بما في ذلك احيانا الحاجة الى اتخاذ خطوات ابداعية ومتنوعة بل وارتجالات تبدو

كخروج عن الطريق. ما يعرضه التاريخ في نظرة الى الوراء كرؤيا هو احيانا نتيجة خطوات كانت في اصلها ارتجالية وتكتيكية في اساسها.

 

الزعيم ملزم بان يقنن افعاله على خلفية التطورات الخارجية والدولية ايضا، مثلما درج بن غوريون سواء في فترة ما قبل اقامة الدولة ام في اثناء ولايته كرئيس للوزراء، مثلما درج مناحم بيغن وفي فترات معينة شمعون بيرس ايضا. في عهد نتنياهو يتضمن هذا العلاقات مع الولايات المتحدة، روسيا وجزء من العالم العربي. ما يسميه المقال آنف الذكر المجرورين هو عمليا استغلال سياسي صحيح للتطورات على المستوى الاستراتيجي والجغرافي السياسي.

 

لقد كان لبن غوريون في معظم سنوات زعامته تفوق ليس لدى نتنياهو: رغم أنه عنده ايضا كانت نزاعات وحروب بين اليهود، حين قاد الحاضرة وبعد ذلك الدولة، كانت له بشكل عام اغلبية متماسكة جدا في حزبه، في حكومته وفي الكنيست، ما ليس لنتنياهو (ولن يكون، ولا حتى لمن سيأتي بعده، طالما لم تتغير طريقة الحكم في اسرائيل. اضافة الى ذلك، سيطر بن غوريون، بخلاف نتنياهو على قسم كبير من وسائل الاعلام ايضا. لا حاجة لخيال كبير لان نتخيل مثلا كيف كانت الصحف ترد اليوم لو كرر نتنياهو تصريحات الختيار عن الانتقاد عليه: "يعرضون هذا كمعارضة للحكومة، ولكن المعنى الحقيقي هو معارضة للدولة".

نتنياهو ليس بن غوريون واحد، بما في ذلك هو نفسه، لا يدعي ذلك ايضا. الشخصان مختلفان، الظروف مختلفة، العهد مختلف، ولكن كليهما يريان المولود ويتمسكان بالهدف. رؤيا نتنياهو، اذا كان لا بد من استخدام هذه الكلمة، هي ان يحمل اسرائيل الى وضع آمن اكثر في وجه بحر متلاطم من الفوضى، الارهاب والتغييرات الجغرافية السياسية التي تميز عصرنا - ولا سيما في المنطقة التي نوجد فيها.