الحواجز "الإسرائيلية" تخنق مداخل القرى الفلسطينية

الساعة 08:39 ص|13 يوليو 2019

فلسطين اليوم

يومياً قبل الساعة العاشرة صباحاً، تبدأ المركبات بالاصطفاف عند حاجز المحكمة، أو بمسمياته الأخرى، حاجز "بيت إيل" أو حاجز "دي سي أو"، شرقي مدينة رام الله، وسط الضفة الغربية المحتلة، على المدخل الشمالي لمدينة البيرة المجاورة للمدينة، وتنتظر تلك المركبات قيام جندي إسرائيلي بفتح البوابة الحديدية للحاجز للخارجين من رام الله والبيرة، فيما تكون بوابة القادمين إلى المدينتين قد فُتحت عند الساعة السادسة صباحاً.

يروي محمد عجاج، لـ"العربي الجديد"، وهو سائق سيارة عمومية من بلدة دير جرير، شرق رام الله، تفاصيل المشهد، ويقول "عند الساعة 9.30 صباحاً تبدأ المركبات بالاصطفاف، خصوصاً من يريد الذهاب إلى جنوب الضفة الغربية، فيتحاشى أزمة خانقة في مثل ذلك الوقت عبر سلوك مخرج رئيسي نحو الجنوب، وهو الشارع القريب من حاجز قلنديا، شمال القدس المحتلة، وسط الضفة الغربية".

ويضيف "ينظر الجندي إلى ساعته، وعند العاشرة يفتح البوابة الحديدية، في مشهد لا يشعرني فقط بأنني في سجن، بل في ذل"، مؤكداً أن الوقت يضيع والجهد يتضاعف عليه وعلى السائقين أمثاله، فهو يخرج صباحاً من بلدته دير جرير لإيصال الموظفين من الحاجز نفسه الذي كان قد فتح عند السادسة صباحاً، ولكن العودة ستكون من طريق أطول. ومساء يُغلق الحاجز بعد الساعة 11 ليلاً. وسبق للاحتلال أن أغلق حاجز المحكمة مطلع العام الحالي لأكثر من شهر، في أعقاب عملية إطلاق نار باتجاه مستوطنين في شرق رام الله، في أسلوب عقابي جماعي استخدمه ضد العديد من القرى والبلدات خلال الأعوام الماضية، قبل أن يعيد فتحه وفقاً لمواعيد تغيرت خلال الأشهر الماضية.

وإلى الشمال الشرقي من رام الله، تحديداً عند مدخل قرية عين يبرود، تفتح بوابة حديدية أيضاً في مواعيد محددة، بين الساعة الواحدة بعد الظهر والخامسة مساء. وسبق أن أُغلقت لأشهر، وبعد اعتراض تقدّم به المجلس القروي بمساعدة مؤسسات حقوقية، جاء رد الإدارة المدنية بفتحها أربع ساعات فقط يومياً.

ويقول رئيس مجلس قروي عين يبرود، سمير جبرة، لـ"العربي الجديد"، إن "حركة أهالي عين يبرود مكبّلة من اتجاهين، هما حاجز بيت إيل والبوابة الحديدية باتجاه ما يسميه الاحتلال شارع 60، وهما طريقان مقيّدان بمواعيد جيش الاحتلال، ليسلك المواطنون طرقاً أطول، لكن هاتين البوابتين مخرجان مهمان لمحافظة رام الله نحو المدن الأخرى"، مؤكداً أن "في الأمر عقاباً جماعياً، ومحاولة لخلق ضغوط مستمرة على المواطنين، وإشعارهم بأنهم داخل سجن مركب".

قبل شهرين تقريباً، أقام جيش الاحتلال عدداً من البوابات الإضافية على مداخل قرى غرب رام الله، بوابة على أحد مداخل قرية شقبا، غرب رام الله، أضيفت إلى بوابة أقيمت على مدخل آخر قبل عام، وبوابة على مدخل خربثا بني حارث غرباً، وأخرى في رأس كركر، غرب رام الله. لكن هذا جزء صغير من نظام بوابات حديدية أصبح منتشراً، بعضها قديم والآخر جديد.

ويؤكد الناشط في المقاومة الشعبية في قرية النبي صالح، عطا الله التميمي، لـ"العربي الجديد"، أن "هناك بوابتين على مدخل قريتي منذ سنوات، إحداهما مغلقة بشكل دائم، وأخرى يتحكم بها جيش الاحتلال بلا أي معايير، معرقلاً الحركة في كثير من الأحيان".

وتُعتبر بوابتا النبي صالح طريقاً لعشر قرى، ومخرجاً لمحافظة رام الله نحو سلفيت وقلقيلية. وليس ببعيد أغلق الاحتلال قبل أسابيع مدخلين لقرية دير نظام، غرب رام الله، بشكل دائم ببوابات حديدية، ليبقي طريقاً واحداً للقرية، يتحكّم فيه حاجزان عسكريان.

وحول انتشار الظاهرة في قرى ومداخل رام الله، يقول منسق الحملة الشعبية لمقاومة الجدار والاستيطان، صلاح الخواجا، لـ"العربي الجديد"، إنه "لا يوجد تجمّع سكاني متواصل في رام الله اليوم إلا ووُضعت على مداخله بوابات حديدية".

ويرى أن "هذا الأمر يأتي ضمن سياسة أوسع من مجرد محافظة، وتنتشر في كل مناطق الضفة، خصوصاً القريبة من المستوطنات، أو القرى التي تملك مخرجاً باتجاه الطرق الالتفافية الرابطة للمستوطنات". ويقرأ الخواجا في ذلك وتحديداً حاجز بيت إيل، إضافة إلى كونه جزءاً من سياسة التضييق، بأنها "تحمل رسائل سياسية، إذ يمكن خنق رام الله في أي وقت، أو في ظل أي ظروف تستجد".

ويضيف "إنه تغيير في طبيعة اعتراف الاحتلال بدور السلطة الفلسطينية، خصوصاً بعدما تمت إزالة لافتات على مداخل المناطق (أ) وفق اتفاق أوسلو، كانت تحذر الإسرائيليين من الدخول إليها باعتبارها مناطق تتبع للسلطة الفلسطينية، واستبدال تلك اللافتات التي تذكر سيطرة السلطة صراحة، بأخرى تحمل فقط أسهماً تدل على أن المنطقة (أ) أو (ج) من دون أي ذكر للسلطة".

ويبدو الأمر أكثر تعقيداً، إذ يشي بالنسبة للخواجا بطريقة تعامل الاحتلال في المستقبل القريب مع الجغرافية الفلسطينية، مضيفاً: "خلال الانتفاضة الأولى (1987 ـ 1993)، كان الاحتلال يستخدم منع التجوّل، ويضطر الجنود للوجود داخل القرية أو المنطقة، وفي الانتفاضة الثانية (2000 ـ 2004) استخدم بشكل أكبر الطوق العسكري، بالإغلاق من دون ضرورة انتشار جيشه داخل القرى بشكل دائم".

ويمكن برأي الخواجا أن تكون البوابات اليوم مقدمة لسيناريو يهدف إلى قتل الحركة والحياة والتنقل، واستخدام البوابات كعقاب، كما حصل بعد عدد من العمليات الفدائية خلال السنوات الماضية، ضد قرى منفذي تلك العمليات، لكن أيضاً كجزء من تمرين لسيناريو وخطة ضم مناطق في الضفة كالمستوطنات، وأراضي من دون استيطان، وتحويل الضفة إلى معازل.

ويشير الخواجا إلى أن "الاحتلال خطط بعد احتلال الضفة عام 1967 لتشكيل أحد عشر معزلاً، ولكن أوساط جيش الاحتلال تقسم الضفة اليوم إلى 176 كانتوناً ومعزلاً، يوازيها البدء بتنفيذ شوارع فاصلة توصل بعض المناطق الفلسطينية ببعضها، وتفصلها وتمنع تواصلها مع الأراضي، وتعزل المواطنين عن أراضيهم، كما حصل بداية العام من افتتاح شارع الأبرتهايد، شرق القدس، الذي يفصل حركة سير المواطنين الفلسطينيين عن المستوطنين، ويبعد الفلسطينيين عن طريق يصلهم بالخان الأحمر والأغوار الفلسطينية".

وعلى الرغم من الانتشار الواسع للبوابات، يبدو مدخل رام الله الشرقي مختلفاً قليلاً، بمواعيد الفتح والإغلاق، كما يؤكد المتحدث باسم هيئة الشؤون المدنية الفلسطينية وليد وهدان، لـ"العربي الجديد"، فيما تفتح الحواجز المؤدية إلى المناطق المحتلة عام 1948، وتغلق بالمواعيد، كحاجز الجلمة في جنين، وحاجز 104 في طولكرم.

وبالنظر إلى انتشار البوابات كمشهد عام في الضفة الغربية، مجاور لمشهد الحواجز العسكرية، يقول وهدان إن "الهدف إضافة إلى التضييق على المواطنين وخلق مزيد من المعاناة لهم، هو تقطيع التواصل بين المدن والقرى الفلسطينية، فتُغلق تلك البوابات لأي أسباب أو حجج أمنية، وتصبح المدن مقطعة الأوصال، وهذا للتذكير اليومي للمواطن الفلسطيني أنه تحت الاحتلال، وأن للاحتلال اليد الطولى".

في ظل التحذير من البُعد السياسي لتلك البوابات والخطط الإسرائيلية، يبقى البُعد الاقتصادي والاجتماعي حاضراً بقوة أيضاً، فقد صدرت بداية الشهر الحالي دراسة عن معهد الأبحاث التطبيقية - القدس (أريج) استمر العمل عليها ستة أشهر، تؤكد خسارة الفلسطينيين حوالي 60 مليون ساعة عمل سنوياً بسبب الحواجز العسكرية في الضفة، وقدّرها المعهد مادياً بـ270 مليون دولار سنوياً، بالإضافة إلى استهلاك وقود إضافي بحوالي 80 مليون لتر، ما يعادل 135 مليون دولار سنوياً. وتلك الساعات والوقود تأتي نتيجة لعمليات التفتيش التي رصدت بنظام (جي بي أس)، إذ احتسبت أيضاً ساعات الانتظار والتأخير للعمال الفلسطينيين على الحواجز الفاصلة بين الضفة والقدس والأراضي المحتلة عام 1948.

كلمات دلالية