خبر دروس القتال في غزة .. يعقوب عميدرور

الساعة 02:39 م|28 يناير 2009

مع تبدد غبار في حملة "رصاص مصهور" وفي ضوء العملية بجوار معبر كيسوفيم يخيل انه حانت اللحظة لاجمال نتائج القتال. خطوات القتال على الارض نفذت بتصميم ومهنية، وان كانت ببطء في الايام الاخيرة. يمكن اخذ الانطباع بان الرغبة في تقليص خسائر الجيش الاسرائيلي الى الحد الادنى أملت وتيرة القتال. نتائج اللقاءات القتالية على الارض اثبتت مرة اخرى انه في ميدان المعركة غير المتماثلة، التي اكثروا من اخافتنا منها بالنسبة لنتائجها، يتغلب جيش نظامي ومهني على عصبة ارهابيين، حتى عندما يعد هؤلاء الافخاخ في كل بيت مدني ويحفرون الانفاق في كل شارع.

 

يمكن الاستخلاص من معارك غزة ان في المستقبل ايضا سينتصر الجيش في ميدان المعركة غير المتماثلة اذا ما سيطر على المنطقة ولم يتردد في استخدام قوته النارية وقدرته وفقا لاحتياجاته، وليس بالذات بشكل متوازن.

 

لطريقة القتال هذه يوجد ثمن يجد تعبيره في العدد العالي نسبيا من اصابات المدنيين. السبب الاساس لذلك هو أن مثل هذه الحرب تجري في اوساط المدنيين الذين يستضيفون، طواعية او لانعدام المفر، عناصر الارهاب. هذا كان مصير المدنيين في الفالوجة في العراق حين احتلها الجيش الامريكي، هذا مصير مدنيين كثيرين في افغانستان في هذه الايام بالذات، وكان هذا مصير مدنيين يوغسلاف عندما قصفهم الناتو والولايات المتحدة.

 

اذا اردنا ان نفهم كم هي معقدة الحرب في منطقة مدينية مكتظة وكم هي الاخطاء جزءا لا يتجزأ منها، يجدر ان نتذكر أن اربعة من الجنود العشرة الذين قتلوا في الحملة، قتلوا بنار قواتنا. فلا  غرو أن مدنيين ايضا يعيشون في مكان يعمل فيه رجال حماس، قتلوا هم ايضا؟ لقد فعل الجيش الاسرائيلي غير قليل كي يفصل بين المخربين والمدنيين. ولكنه ليس معفيا من الاخطاء: "هذه حرب، مملكة انعدام اليقين"، وهذه نتائجها المحتمة عندما يتم القتال ضد ارهاب يعمل بين مدنيين.

 

التشبيه المحتم مع حرب لبنان الثانية يشير الى انه جرى تعلم دروس لبنان، ولا سيما في ستة مجالات: ثبت أن الجيش تدرب وهو يحتاج الى التدريب والمزيد من التدريب دوما؛ التعاون بين الجو والبر كان اكثر وثوقا وتنسيقا بكثير، وكذا ايضا الربط بين قوات المشاة والدبابات؛ تواجد القادة حتى مستوى اللواء كان هذه المرة في الداخل، مع القوات المقاتلة، وليس في القيادات الخلفية؛ التحكم بالمعلومات الصادرة الى وسائل الاعلام ووقف الثرثرة التي لا نهاية لها والتي عانى منها كثيرون في حرب لبنان، كان مثيرا للانطباع؛ وضوح الاوامر للقوات المقاتلة (رغم غموض هدف الحملة!) والاصرار على تنفيذها؛ بناء منظومة لوجستية داعمة للقوة المقاتلة وفقا لاحتياجاتها.

 

ومع ذلك، يجدر بنا أن نتذكر  أمرين هامين: في العام 2006 ايقظ نصرالله دولة اسرائيل في منتصف عملية خطيرة للتخلي عن القدرة العسكرية. كانت هذه مسيرة نبعت من اجواء التعب من الصراعات ومن الاعلانات عن انسحاب من طرف واحد كحل سهل، حتى عقب مفاهيم ما بعد الحداثة مشوشة تسللت الى الجيش بمسؤولية قادته. ولولا استيقظت الدولة في الوقت المناسب لما كان لها القدرة التي اظهرتها في غزة وما كان لتدهور الجيش ان يتوقف. ينبغي التفكير كيف يمنع تدهور مشابه في المستقبل، حين يخيل مرة اخرى بانه لم تعد هناك حروب.

 

الامر الثاني الهام بقدر لا يقل عن ذلك: الحملة كانت اختبارا سهلا نسبيا. العدو كان بائسا، مشوشا، بدون وسائل متطورة وبعيد عن ان يكون جيشا حقيقيا. طائراتنا المقاتلة عملت في ظروف مريحة اكثر من ظروف التدريب، دون أي مقاومة. لم يكن للعدو مدفعية، قوة مدرعات ولا حتى صواريخ مضادة للدبابات. استخباراته كانت ضعيفة وقادته غير مجربين وغير منظمين باستثناء الهرب السريع في الوقت المناسب.

 

عصبة الارهاب لحماس اقتسبت الان تجربة قتالية واغلب الظن ستقاتل على نحو افضل في المستقبل، ولكن لا يزال معظم اعدائنا اقوى من حماس. وعليه محظور على الجيش الاسرائيلي أن يتشوش – هذه ليست حربا. هذه كانت حملة ضد مقاتلين. صحيح أنه مبرر الشعور الطيب للقادة والجنود من النتيجة، ولكن محظور عليهم التفكير ان هذا بات برهان قاطع على قدرة الجيش الاسرائيلي في حرب ضد جيش نظامي. محظور أن تكون غزة بتحدياتها مقياسا في التدريبات. ينبغي الاستعداد لحرب حقيقية.