حتى بدون السلام كشف مؤتمر البحرين السر العلني للشرق الأوسط.. هآرتس

الساعة 06:31 م|28 يونيو 2019

فلسطين اليوم

بقلم: نوعا لنداو

(الى جانب التقارب بين اسرائيل وعدد من دول الخليج فان ممثليها اوضحوا بأن المسألة الفلسطينية ما زالت تقف في طريق السلام الكامل. وحتى ذلك الوقت كل المشاركين يتفقون على أن الاختبار الكبير للمبادرة الامريكية سيكون عند عرض القسم السياسي في الخطة).

مثل المرق الذي يتم طبخه على نار هادئة وفي لحظة فجأة يغلي وينسكب بصورة دراماتيكية من الوعاء، هكذا في الايام الاخيرة كشف فجأة ومرة واحدة السر العلني للشرق الاوسط منذ سنوات. العلاقات بين دولة اسرائيل وعدد من دول الخليج وعلى رأسها مملكة البحرين آخذة في التعزز في ظل الصراع مع العدو المشترك، ايران، الى جانب مصالح اقتصادية كبيرة لرجال الاعمال الخاصين.

هذه العملية تراكمت منذ فترة طويلة تحت الرادار، بما في ذلك التعاون السري، لكنها نضجت هذا الاسبوع برعاية الولايات المتحدة قبل انعقاد مؤتمر السلام الاقتصادي لادارة ترامب. إن توثيق شخصيات رفيعة من دول عربية ومنها البحرين ودولة الامارات والسعودية وغيرها وهي تتحدث بشكل طبيعي مع رجال اعمال ومراسلين من اسرائيل في اروقة فندق "الفصول الاربعة" في المنامة، حطم علنا اسطورة الطابو الاقليمي القديمة. حفل التطبيع المدبر تغلب على الهدف الرسمي الذي من اجله تم عقد المنتدى، وهو تقديم المساعدة الاقتصادية للفلسطينيين. وأوضح اكثر من أي وقت مضى بأن تحالفات اقليمية جديدة وتيارات تحت ارضية تدفع نحو الزاوية عند الضرورة الايديولوجيا والشعارات. عوامل التغيير التدريجية هذه عميقة وظرفية أكثر من كل الزعماء الذين يريدون تحقيق مكاسب لصالحهم. بكلمات اخرى، الفضل لكل هذا يمكن نسبه هذا الاسبوع بالاساس للقيادة الايرانية التي تدفع الدول السنية المعتدلة مباشرة الى احضان اسرائيل.

إن البدلات الرسمية لاحتفال توزيع جائزة نوبل للسلام يمكن الآن ابقاءها في الخزانة. الوضع معقد ويجب الحذر من تصريحات سطحية. من جهة، المتضرر الاساسي هو القيادة الفلسطينية التي تلقت من كل اتجاه رسالة واضحة جدا الى أي درجة هي عالقة وخاضعة لجهات لها تأثير كبير في المنطقة مثل الشوكة في الحلق التي تمنع التقدم في التعاون الامني والتكنولوجي والاقتصادي. الامريكيون يُسمعون على الاغلب كمن يرمزون الى تغيير هذه القيادة، مع الأخذ في الحسبان التاريخ غير الناجح دائما للولايات المتحدة في التدخل في اسقاط انظمة في أرجاء العالم، فان هذه الاقوال مقلقة جدا لرام الله وغزة وتتسبب في هذه الاثناء بتعميق الشرخ.

في محادثات مع ممثلين لدول عربية سمعت "هآرتس" اثناء المؤتمر انتقاد شديد جدا لسلوك السلطة الفلسطينية. رؤساء حماس والتمويل المتدفق الى جيوبهم من ايران وقطر، وهنا وهناك حتى اقوال دللت على عدم التماهي وتفهم معين لقيادات الخليج لواقع الاحتلال في المناطق. ربما بالطبع أنه كان هناك من قالوا هذه الاقوال لأنهم اعتقدوا أن هذا ما يتوقع أن يسمعه منهم مراسلون من اسرائيل. ولكن رسائل مشابهة بكلمات لطيفة اكثر سمعت بين الفينة والاخرى من فوق منصة الحدث نفسه. البحرينيون ايضا حرصوا جدا على جعل الضيوف الاسرائيليين القليلين يشعرون براحة كبيرة في بلادهم. وهم ايضا شجعوا الجالية اليهودية الصغيرة في دولتهم الذي تعد بضع عشرات الاشخاص على الانكشاف بصورة استثنائية على وسائل الاعلام والاظهار لها بأن نمط حياتهم يتم قبوله هناك بتسامح كبير. هكذا ايضا فتح بصورة خاصة للمراسلين الاسرائيليين الكنيس الصغير للجالية في أزقة السوق. في مؤتمر السلام الامريكي شاركت ايضا ممثلة عن وزارة الخارجية في البحرين، هدى عزرا ابراهام نونو، اليهودية التي شغلت في السابق منصب سفيرة المملكة في واشنطن. وقد دعي من قبل المملكة عدد من الحاخامات منهم مستشار المملكة للشؤون اليهودية، الامريكي مارك شناير، والحاخام ميرفن هاير ونائبه ابراهام كوفر من مركز شمعون فيزنطال.

من الجانب الثاني، الذي كان حضوره لا يقل عن ذلك، لم يكن هناك عنصر عربي واحد في الاحتفال لم يظهر بكلمات كهذه أو تلك أن الموضوع الفلسطيني ما زال يقف بينهم وبين السلام المستقبلي الكامل مع اسرائيل. نحن نتقدم بخطوات بطيئة مع اسرائيل بالرغم من وليس بسبب غياب الحل. ولكن هناك لهذا التقارب حدود ايضا – هكذا سمعت الرسالة العامة. ايضا وزير خارجية البحرين الشيخ خالد بن احمد آل خليفة الذي اجرى للمرة الاولى مقابلات احتفالية مع وسائل الاعلام الاسرائيلية بعد تهربه منها لبضعة اشهر قبل ذلك في مؤتمر وارسو، حرص على الاشارة الى أن بلاده تؤيد حل الدولتين وأن الفلسطينيين من حقهم أن تكون لهم دولة مستقلة وجنسية خاصة بهم بالضبط مثل الاسرائيليين. وأشار بشكل غامض الى امكانية قدومه الى اسرائيل قريبا في ظل غياب حدوث أي تغيير.

عريس الاحتفال وصهر الرئيس الامريكي، غارد كوشنر، الذي يقود جهود السلام من قبل البيت الابيض اكد في مقابلة مع الصحافيين بأنهم بشكل متعمد لم يقوموا بدعوة وزير خارجية الى اللقاء لأن مقرري السياسات القائمة "مأسورين في النماذج". ولكن يبدو أن هذا تفسير بأثر رجعي لعدم مشاركة مستويات أعلى باستثناء وزراء المالية للسعودية واتحاد الامارات. لو أن الامريكيين اعلنوا مسبقا بأن نيتهم هي أن يجمعوا بالاساس شخصيات خاصة، ربما لم يكونوا يشيرون في العالم المرة تلو الاخرى الى غياب الممثلين الرسميين. الدول العربية التي شاركت بمستويات متدنية، بالاساس الاردن ومصر، نشرت ايضا توضيحات بأنها تواصل تأييد حل الدولتين، خاصة تأييد مبادرة السلام العربية. وهي ايضا أكدت بشكل نهائي مشاركتها فقط بعد أن اعلنت امريكا بأنه لن يكون ممثلون رسميون، ليس فقط من السلطة الفلسطينية، بل ايضا من اسرائيل. من المهم أن نذكر بأن الامر يتعلق بدول توجد لها مع اسرائيل اتفاقات سلام كاملة. هكذا يوجد هنا كالعادة ايضا نصف كأس فارغة الى جانب النصف المليء. كل جانب يختار الآن ما يركز عليه، ولكن الحقيقة هي أن القسمين يشكلان معا الكأس المعقدة الكاملة.

لماذا اراد الفلسطينيون الالتقاء مع كحلون في القدس

في الوقت الذي احتفلوا فيه في البحرين بالعرس الذي لا يشارك فيه العريس والعروس، فان ممثلين عن الزوجين المتخاصمين قاموا بالالتقاء معا حتى في القدس. بالضبط في الوقت الذي على المنصة في المنامة بدأت الجلسة الختامية للاحتفال بمحادثة بين وزراء المالية للولايات المتحدة والسعودية واتحاد الامارات، التقى وزير المالية موشيه كحلون في مكتبه في وزارة المالية في القدس، مع نظيره الفلسطيني، شكري بشارة، ووزير الشؤون المدنية في السلطة حسين الشيخ. حسب مكتب كحلون "اللقاء تناول مواضيع مدنية واقتصادية جارية، استمرارا للقاءات جرت بين الطرفين في السنوات الاربعة الاخيرة، وليس بشأن صفقة في مواضيع سياسية. منسق اعمال الحكومة في المناطق، الجنرال كميل أبو ركن، كان مشارك في اللقاء".

الوصف دقيق. هذه المحادثات تجري بصورة جارية ومعتادة تماما. ايضا في هذه الايام التي فيها تشتد القطيعة كما يبدو، والفلسطينيون يرفضون تسلم باقي اموال الضرائب التي خصمتها اسرائيل، ولكن اجراء هذا اللقاء بالضبط بموازاة هيئة رئاسة الجلسة الختامية لوزراء المالية في البحرين، لم يكن بالفعل بالصدفة. الفلسطينيون هم الذين طلبوا ذلك من كحلون، بالضبط في يوم الاربعاء في الساعة الثالثة ظهرا في القدس. رسالتهم واضحة: نحن نتدبر امورنا وحدنا بدون الامريكيين، وبين الطرفين تم تحديد لقاء استكمالي بعد بضعة اسابيع. الامر الذي ربما لا يمكن قوله في هذه الاثناء عن المؤتمر في البحرين.

بانتظار القسم السياسي

بين الحضور الذين لم يشاركوا كمتحدثين في البرنامج الرسمي لورشة "سلام من اجل الازدهار" في البحرين، ولكن بالتأكيد راقبوا عن كثب ما يجري، كان هناك ايضا مجموعة صغيرة من الفلسطينيين، 15 شخص، من الضفة الغربية ومن شرقي القدس بقيادة اشرف الجعبري من الخليل. الجعبري هو شخصية مختلف عليها في اوساط الفلسطينيين، ضمن امور اخرى، بسبب تعاونه مع المستوطنين. مثل تعاونه مع "مكتب التجارة والصناعة في يهودا والسامرة"، الذي من اجل اللقاء في البحرين تحول الى بطاقة التعريف له لـ "شبكة الاعمال الفلسطينية". هذه المجموعة كانت مضغوطة جدا من احتمالية انكشاف هويتها. هم ارادوا من الصحافيين عدم التقاط صور لهم. رغم أن اللقاء كان مفتوحا امام وسائل الاعلام، وحتى أنهم تشاجروا بغضب مع كل من شكوا في أنه قام بتصويرهم (من بينهم ايضا كاتبة هذه السطور التي حقا لم تصورهم، لكنها تلقت التوبيخات المهددة). كان هناك بين الجمهور ايضا عدد من الفلسطينيين المستقلين الذين لم ينتموا لجماعة الجعبري، شباب مثقفون محبون للاستطلاع بخصوص المبادرة. ايضا هم خافوا جدا من الانكشاف. احدهم قدم نفسه بانفعال لكوشنر في نهاية خطاب الافتتاحية. بعد كل الكلمات الجميلة التي القاها مستشار الرئيس حول تعزيز الشعب الفلسطيني، رده على الشاب الذي قدم نفسه، بالضبط من نوع الناس الذين كان الامريكيون يعانقونهم بحرارة، كان الرد بارد بصورة مدهشة.

ايضا ممثلون آخرون من الدول الاوروبية بمستوى موظفين تجولوا بهدوء داخل الاحتفال وفحصوه بتشكك. في الوقت الذي تحدث فيه الامريكيون عن استثمارات بعشرات مليارات الدولارات في الاقتصاد والمجتمع الفلسطينيين، فان دافعي الضرائب في اوروبا هم الذين يمولون حاليا بالفعل حساب معظم المشاريع الانسانية القائمة على الارض في حين أن الامريكيين فقط قلصوا ميزانياتها.

هناك أمر واحد وحد كل المشاركين. ممثلون من دول عربية، اسرائيليون، فلسطينيون والمجتمع الدولي: جميعهم يتفقون على أنه لا يمكن الحكم على القسم الاقتصادي في خطة السلام الامريكية بصورة منفصلة عن القسم السياسي الذي لم ينشر بعد. ايضا الامريكيون انفسهم يتفقون مع ذلك ويؤكدون مرة تلو الاخرى بأن تطبيق "الحلم لاقتصادي" الذي استهدف أن يقدم للشعب الفلسطيني نظرة على عالم نظري افضل، مشروطة بقبول الاتفاق السياسي الذي ينوون عرضه لاحقا. في ظل غياب القسم السياسي هذا ليس هناك حتى الآن قدرة على الحكم عما سيتمخض عن مؤتمر البحرين. لا يوجد شك أنه في المنامة وضع هذا الاسبوع حجر زاوية مهم في طريق التطبيع العلني بين اسرائيل ودول سنية معتدلة، ولكن غياب الاتفاق مع الفلسطينيين ما يزال يعيق استمرار تطوير العلاقات. الاختبار الكبير للمبادرة الامريكية سيكون عندما سيعرض على العالم القسم الثاني من الخطة.