طاعون الاحتلال وصل الى برلين- هآرتس

الساعة 04:03 م|18 يونيو 2019

فلسطين اليوم

طاعون الاحتلال وصل الى برلين- هآرتس

بقلم: علي ياسيف

(المضمون: الموجة الكريهة التي تعتبر أي انتقاد للاحتلال كراهية لاسرائيل، انتشرت واغرقت تحتها أحد محبي اسرائيل، مدير المتحف اليهودي في برلين - المصدر).

ملحمة "بيتر شيفر"، الذي استقال مؤخرا من منصبه كمدير للمتحف اليهودي في برلين بعد تعبير المتحف في تغريدة عن تأييده لحرية التعبير لحركة مقاطعة اسرائيل، توجد في الذروة. ولكن الآن ايضا من الجدير النظر اليها من عدة زوايا، التي تعرضها في السياق المناسب والصحيح. الاول هو الشخص الذي يقف في وسطها، باحث في علوم اليهودية الالمانية (غير يهودي)، البروفيسور بيتر شيفر.

شيفر هو أحد الباحثين الهامين في تاريخ اليهودية والثقافة اليهودية في فترة الهيكل الثاني والأدب ما بعد الكتاب المقدس (الاسطورة، الشريعة، التصوف وعلم الكلام). لقد نشر عشرات الكتب المؤثرة جدا في هذه المجالات. لو أنه كان مواطن اسرائيلي لكان سيحظى بيقين بجائزة اسرائيل. ولكن هو ليس هذا أو ذاك. خلال عشرات السنين كان مشارك كامل في اللقاءات وفي أبحاث في اسرائيل، وشارك مع باحثين اسرائيليين رواد. لقد تسلم مناصب اكاديمية رفيعة في برلين، في برنستون وفي دار المانية للنشر مشهورة، وفي هذه الوظائف دفع قدما بدراسات العلوم اليهودية في اوروبا وأيد بشكل استثنائي الانجازات العلمية للباحثين الاسرائيليين. ليس هناك أي باحث غير اسرائيلي آخر دفع قدما الى هذه الدرجة العلوم اليهودية في العالم. إن عرضه ككاره لاسرائيل وكمن يعمل ضدها، هو ابعد بكثير من الغباء. هذا ظلم بحد ذاته.

زاوية اخرى يجب النظر من خلالها في الحدث هي الجالية اليهودية في برلين، التي قيادتها انتقدت بشكل كبير تغريدة المتحف. إن وضع شيفر، مع كل مكانته الاكاديمية، ليس في برلين والمانيا، بل في كل اوروبا، على رأس متحف لليهود، كان يجب أن يعتبر خطوة هامة وشجاعة لا مثيل لها. المانيا قررت وضع على رأس المتحف اليهودي ليس شخصية هامشية، بل من يعتبر رمز في نظر الكثيرين من الجيل الجديد في المانيا، والذين يمكنهم بقدراتهم الشخصية والفكرية مواجهة الواقع اليهودي عن طريق الماضي الغني والمليء بالتغيرات، وليس بواسطة الشعارات، بل من خلال بحث عميق ومعرفة هذا الماضي بشكل عميق.

رؤية صائبة ومعقولة للمنفى اليهودي، الذي لم يكن فقط مضطهد وملاحق كما تفضل القومية المتطرفة (الصهيونية اليهودية) عرضه، بل بديل مناسب لحياة يهودية غنية، ابداعية وانسانية، هي المصلحة الاولى لجاليات يهودية مثل التي توجد في برلين. لذلك فان عرض شيفر كشخص تسبب بالضرر للمصالح واعتقاد الجالية اليهودية في برلين، هو أمر خاطيء. واكثر من ذلك أن هذا يمس قبل كل شيء بها هي نفسها، وذلك لأنها ترفض فعليا اليد المدودة نحوها من جانب المانيا الجديدة وتضع نفسها في جانب القومية المتطرفة والمفترسة التي تميز اسرائيل الآن.

ويوجد لذلك ايضا جانب آخر هو الاشمل والاكثر ايلاما بالنسبة لنا كاسرائيليين. عندما حذر اشخاص مثل يشعياهو لايفوفيتش وعاموس عوز في العام 1967 من أن طاعون الاحتلال لن يظل فقط في حدود يهودا والسامرة لأن أوبئة من هذا النوع لا تعترف بالحدود. نحن اغلبية الاسرائيليين اعتبرنا اقوالهم اقوال هاذية لخيال هستيري. الآن من الواضح لنا، للاسف، الى أي درجة كانوا على حق. الهوس القومي المتطرف والديني، كم الافواه، الانغلاق وتجاهل معاناة الآخر، العربي الاسرائيلي والفلسطيني واللاجيء من افريقيا، تخفي من الافق العام للدولة طابعها كيهودية حقيقية: منفتحة وليبرالية. ولا اريد التحدث عن روحها الديمقراطية. جنود الجيش الاسرائيلي البائسين عند عودتهم من سنوات خدمتهم كجنود للاحتلال في المناطق لا يعودون يستطيعون فصل انفسهم عما فعلوه أو شاهدوه هناك. يجب علينا عدم الدهشة من أن الشباب اصبحوا اكثر يمينية.

مع ذلك، ما لم يستطع لايفوفيتش وعوز رؤيته هو أن طاعون الاحتلال سيقتحم ليس فقط الخط الاخضر، بل حدود اسرائيل. عندما يعمل الكونغرس الامريكي والبوندستاغ الالماني (لا أشمل هنا انظمة لها ميول فاشية مثل هنغاريا والبرازيل) حسب املاءات حكومة الاحتلال الاسرائيلي ويحاولون اسكات أي احتجاج ضد الاحتلال، يجب أن يكون واضحا لنا بأن هذا الطاعون آخذ في الانتشار أبعد بكثير من حدودنا. عندما رئيس حكومة اسرائيل يحاول بوقاحة أن يملي على حكومة المانيا كيف تدير مؤسسات ثقافية في بلادها؛ عندما توافق مؤسسات برلمانية في اوروبا وامريكا على الادعاء الكاذب والمنافق بأن انتقاد الاحتلال يعبر عن كراهية دولة اسرائيل وحتى يعتبر لاسامية، لا شك أن هذه الموجة الكريهة اجتازت البحر المتوسط والمحيط الاطلسي. هذه هي الموجة التي اغرقت تحتها أحد محبي اسرائيل، بيتر شيفر.

يجب القول هنا بصوت عال وواضح: انتقاد الاحتلال والنضال ضده هي بالتحديد محبة اسرائيل، واستمرار الاحتلال هو تطوير استمرار وجودها. إن الوقوف الصامد ضد عدم الانسانية الكامن في قمع شعب آخر من قبل اليهود هو النضال المهم والمناسب ضد اللاسامية. هذا ما حاول أن يفعله مدير المتحف اليهودي في برلين، وبسبب ذلك "تمت معاقبته". لا شك لدي بأنه عندما سيكتب تاريخ يهودية زماننا فان شيفر سيحظى بالاعتراف الذي يستحقه.

كلمات دلالية