الأردن تناور بين ضغوط قاسية ومغريات هائلة

الساعة 09:56 ص|17 يونيو 2019

فلسطين اليوم

أطلس للدراسات

صحيفة "إسرائيل اليوم" استعرضت الضغوطات القاسية والمغريات الهائلة التي تتعرض لها الأردن، تحديدًا من قبل إدارة ترامب التي تستغل أزمتها الاقتصادية الصعبة ومشاكلها مع صندوق النقد الدولي، لإجبارها على تغيير موقفها من الموضوع الفلسطيني والقدس، الأمر الذي دفع الملك عبد الله لأول مرة للإعلان عن هذه الضغوط في الخطاب الذي ألقاه من مدينة الزرقاء قائلًا "هناك ضغط على الأردن؟ نعم، هناك ضغوط على الأردن، وهناك ضغوط عليّ من الخارج؟ نعم صحيح، هناك ضغوط تمارس عليّ، لكن بالنسبة لي القدس خط أحمر، وأنا أعلم جيدًا أن شعبي معي، والذين يريدون التأثير علينا لن ينجحوا".

المحلل السياسي للصحيفة نداف شرغاي كتب مقالًا جاء فيه أن أحد البنود الدراماتيكية في صفقة القرن للرئيس ترامب ان الصفقة تطالب بمنح السعودية دورًا مركزيًا في إطار الوصاية على الأماكن المقدسة الإسلامية في القدس، وهذا الأمر يثير غضب وخوف الأردن وملكها صاحب الوصاية التي تستند إلى إرث تاريخي يمتد إلى نحو مائة سنة في الحرم، وإلى سلسلة من الاتفاقات والتفاهمات مع إسرائيل.

الملك الأردني غاضب؛ فهو غير مستعد لأن يخلي المنصة للسعوديين ولملكهم السابع، سلمان بن عبد العزيز آل سعود، ولا أن يتقاسم معهم هذه الوصاية، والآن تفعل الأردن كل شيء تقريبًا كي توضح ذلك. في لقاء مع وجهاء محافظة الزرقاء، أحد مراكز القوة للإخوان المسلمين في الأردن، حيث نصف سكان المحافظة من الفلسطينيين، صرّح الملك عبد الله "لن أغير أبدًا موقفي من القدس، علينا واجب تاريخي تجاه القدس والأماكن المقدسة"، واعترف الملك بالضغوط التي تمارس عليه حين شدد قائلًا "هذا خط أحمر من ناحيتي وأنا أعرف أن الشعب إلى جانبي. كدولةٍ هاشميةٍ، من واجبنا حماية الأماكن المقدسة للإسلام والمسيحية، صحيح أننا نتعرض للضغط ولكن في نهاية الأمر الجواب سيكون لا وكلا". بعدها وفي لقاء مع قادة جيشه، أوضح الملك أن "القدس ومستقبل فلسطين هما خط أحمر بالنسبة للأردن. لا أدري كيف يمكنني أن أقول ذلك بشكل أوضح، كيف يمكنني كهاشمي أن أتخلى عن القدس؟! هذا مستحيل، هذا خط أحمر، أنا أقول لا وكلا للتنازل عن القدس؛ لدينا كلمة ولدينا موقف".

منذ أشهر طويلة، الولايات المتحدة تضغط على الأردن كي توافق على أن تنقل إلى السعودية أو أن تتقاسم معها صولجان الوصاية على المكان الثالث في قدسيته للإسلام (المسجد الأقصى)، وذلك إلى جانب استمرار السيادة الإسرائيلية في الموقع. ويدور الحديث عن ضغط اقتصادي غير رسمي، متداخل، وإغراءات اقتصادية في الغالب.

هذه هي الأرقام التي تشرح الضغوط التي تعيشها الأردن: تبلغ ديون المملكة أكثر من 40 مليار دولار، في شباط الماضي، وفي اجتماع الدول المانحة للأردن في لندن، نجح الملك عبد الله بجمع تبرعات لنحو 3 مليار دولار من السعودية، من الكويت ومن الامارات المتحدة، توزع على بضع سنوات. 350 مليون دولار حوّلتها السعودية إلى الأردن الشهر الماضي كجزء من هذا الالتزام؛ هي مجرد قطرة في بحر الاحتياجات الكبرى للأردن، أما الآن فللسعودية شرط مركزي واحد لمواصلة المساعدة: الشراكة في إدارة الحرم الشريف بالقدس.

تتعلق الأردن جدًا أيضًا بالمساعدة الأمريكية البالغة مليار ونصف دولار في السنة، الأمريكيون الذين تحدثوا في السنة الماضية مع الحكام العرب، تحدثوا معهم ليس فقط عن البديل السعودي في الحرم؛ بل وأيضًا عن إمكانية أن تستوعب الأردن وتوطن في أراضيها بشكل تدريجي مليون لاجئ فلسطيني، هذا كما هو معروف هو مجرد جزء واحد ممّا تعده إدارة ترامب لموضوع "اللجوء الفلسطيني"، وذلك بعد أن قلصت ميزانية الوكالة وتتطلع الآن إلى إلغائها. تعتقد الإدارة الأمريكية الآن بان الوكالة والأمم المتحدة تساعدان منذ سنين على تخليد مشكلة اللاجئين الفلسطينيين، بدلًا من حلها، فيما تحرصان على نقل مكانة اللجوء الفلسطيني من الأب إلى الابن ومن جيل إلى جيل.

مقابل هذه الرزمة، تعرض الولايات المتحدة على الأردن مبلغًا خياليًا (45 مليار دولار) لتستخدمه المملكة الهاشمية لتسديد الديون، لترميم اقتصادها، ولكن أيضًا لاستيعاب وتوطين لاجئين فلسطينيين في أراضيها. الإغراء هائل؛ يحتمل أن توافق الأردن رغم خوفها من مزيد من اللاجئين في أراضيها، لولا قصة الحرم.

من زاوية نظر الأسرة الأردنية المالكة، هناك ثلاثة أسباب وجيهة لرفض الأفكار الأمريكية: الأول هو سبب عملي، فأجهزة الأمن الأردنية (وكذا الإسرائيلية) تعتقد بأن كل تغيير في مكانة الوصاية التي يحتفظ بها الملك الأردني في الحرم، سيؤدي إلى ضعضعة حكمه وربما سقوطه. الوصاية التي يحوزها الأردن منذ 1924 هي من زاوية نظر أردنية بوليصة لضمانة لاستمرار التحكم في المملكة. السبب الثاني هو تاريخي؛ فالسلالة الهاشمية التي تحكم الأردن اليوم، خسرت بعد الحرب العالمية الأولى للسعوديين دور حارس الأماكن المقدسة في مكة وفي المدينة، واكتفت بوصاية ثانوية على الأقصى، المكان الثالث في قدسيته للإسلام. أما السبب الثالث فهو عائلي؛ فالحسين بن علي، الشريف الذي خسر الوصاية على مكة والمدينة، دفن في 1931 في قبر بالحرم.

واصل الأردن الاحتفاظ بالوصاية الإسلامية على الأقصى حتى بعد حرب الأيام الستة التي خسر فيها لإسرائيل القدس الشرقية والحرم، وحتى بعد فك الارتباط عن الضفة الغربية الذي أعلن عنه في 1988. احترمت إسرائيل هذه المكانة، على خلفية شبكة المصالح المشتركة في المجال الأمني، الاستخباري والاقتصادي؛ بل واقتنعت إسرائيل بأن هذه المكانة تساعد بالفعل الأسرة المالكة في الحفاظ على حكمها شرقي الأردن.

الصدمة في الأردن على خلفية الطلب الأمريكي بالتخلي أو اقتسام الوصاية على الأقصى مع السعوديين هي بالتالي صدمة حقيقية، والأردن تتخذ الآن سلسلة من الخطوات السياسية التي غايتها هي الإيضاح (سواء لإسرائيل أم للولايات المتحدة) بأن له ظاهرًا بدائل لمحور القدس - واشنطن: الخطوة الأولى في سلسلة الخطوات الأردنية كانت الارتباط العلني بأبي مازن والسلطة الفلسطينية في معارضتهم لصفقة القرن. بعد ذلك، وافقت الأردن، لأول مرة على أن تدرج في مجلس الأوقاف ممثلين عن السلطة الفلسطينية، بل والشيخ عكرمة صبري المتماثل اليوم مع الأتراك والاخوان المسلمين، بل ومع رجال الجناح الشمالي للحركة الإسلامية في إسرائيل.

أما الخطوة الثانية فتمثلت باتصالات مباشرة بين المملكة وتركيا، فقد قرر عبد الله بأن تركيا أيضًا مؤهلة كشريك في الكفاح ضد ترامب وخطته.

الخطوة الثالثة هي زيارة الملك عبد الله لمحمد السادس، وقد حصل الملك الأردني من نظيره المغربي على التأييد للوصاية الهاشمية على الأماكن الإسلامية المقدسة في القدس، فقد أعلن ملك المغرب أن الأوقاف الأردنية هي الجسم القانوني الوحيد الذي يحق له إدارة المسجد الأقصى، حمايته وتنظيم الدخول إليه. وفي البيان المشترك، شدد الملكان على وجوب الدفاع عن القدس وعن الأماكن المقدسة في وجه كل محاولة لتغيير مكانتها التاريخية، القانونية والسياسية. وقد حاول الملك عبد الله أن ينتزع بيانًا مشابهًا أيضًا من حكام مصر والعراق في ختام قمة ثلاثية عقدها معهم في تونس، نهاية شهر آذار الماضي، ولكن دون نجاح.