اليد الخفية في الشرق الاوسط/ هارتس

الساعة 07:24 م|14 يونيو 2019

فلسطين اليوم

بقلم: تسفي برئيل

العاصمة الجديدة التي يقوم ببنائها الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي قرب القاهرة حظيت في السابق بصفة "الفيل الابيض" الذي فقط يشفط مليارات الدولارات ولا يضمن أي مقابل. وقد حظيت باحتفالين فاخرين للتدشين، الاول في ذكرى بناء الكنيسة الاكبر في القاهرة، والثاني عند افتتاح المسجد الكبير في المدينة. ولكن بناء الشقق السكنية لمئات آلاف المصريين ما زال يسير ببطء. قسم من اموال البناء تضخها في هذه الاثناء السعودية ودولة الامارات. ولكن المبالغ الكبيرة تصل بالتحديد من مصدر غير متوقع.

الصين وعدت باستثمار 20 مليار دولار في العاصمة الجديدة، وحتى الآن حولت قرض بمبلغ 3 مليارات دولار بهدف بناء الحي التجاري في المدينة. ما الذي تبحث عنه الصين في مصر أو في السعودية أو في ايران أو في باكستان؟ هذا الشهر نشرت الـ "سي.ان.ان" نبأ هام يقول إن السعودية تنوي تطوير برنامج صواريخ بمساعدة التكنولوجيا الصينية. هذا لم يكن النشر الاول حول نوايا السعودية. ففي شهر تشرين الاول نشرت "واشنطن بوست" صور جوية يظهر فيها مصنع لانتاج الصواريخ قرب مدينة الدوادي قرب الرياض. في الكونغرس الامريكي ثارت شكوك غير قليلة والادارة الامريكية تم الطلب منها الاجابة على عدة اسئلة ثاقبة حول المشروع، حيث أن الاتهام هو أن الرئيس الامريكي ترامب لم يشرك الكونغرس في هذه المعلومات الاستخبارية.

قبل بضعة اسابيع من ذلك اثار الكونغرس عاصمة حول قرار ترامب تحويل تكنولوجيا نووية للاغراض السلمية الى السعودية، وبعد ذلك قام بتجاوز الكونغرس عندما قرر بيع المملكة سلاح بمبلغ 8 مليارات دولار. رغم الحظر الذي فرضه الكونغرس على ذلك. ترامب فسر أن الامر يتعلق بحالة طواريء نشأت في اعقاب التطورات في مواجهة ايران، وهذا وضع يمنحه الصلاحية لتجاوز قرارات الكونغرس.

هذا التفسير كان يمكن أن يكون مقنعا لولا حقيقة أن السعودية حليفة واشنطن، هي ايضا حليفة استراتيجية كاملة للصين. مكانة تشبه مكانة ايران. التي استثمرت فيها الصين 27 مليار دولار في الاعوام 2005 – 2018. وأن حجم التجارة بين الدولتين بلغ في العام 2017 مبلغ مشابه. هكذا، في حين أن السعودية وامريكا واسرائيل تحاول صد نفوذ ايران في المنطقة لا توجد أي دولة في الشرق الاوسط، بما في ذلك اسرائيل وايران وتركيا والسعودية، ليست الصين التي تعتبر الجبهة الداخلية الاقتصادية لايران، لا تشارك في اقتصادها و/أو في صناعة السلاح لديها.

منذ تبنت الصين سياسة "الحزام والطريق" في العام 2013، الخطة التي هدفها الدفاع عن سيطرة الصين الاقتصادية في المنطقة التي تقع بين شرقها والبحر المتوسط، قسمت دول الشرق الاوسط (وشرق آسيا) الى خمس مجموعات. المجموعة الاهم والاشمل تضم دول تعتبر حليفات استراتيجية كاملة تطمح الصين الى اقامة شراكة اقتصادية معها في المجال الاقليمي والدولي. هذه المجموعة تشمل السعودية وايران ومصر والجزائر ودولة الامارات. في ورقة مخطط سياستها في الشرق الاوسط عرضت الصين مفهوم "المراسي الثلاثة" الذي بحسبه التعاون في مجال الطاقة سيكون حجر الاساس، اقامة علاقات تجارية واستثمارات في البنى التحتية ستشكل وسيلة مساعدة لمجال الطاقة، والاساس الثالث سيتركز في مجال التكنولوجيا المتطورة والتعاون في مجال الذرة والفضاء.

أجندة خفية

من اجل دفع مسار السيطرة على دول الشرق الاوسط قدما، اقامت الصين منتدى تعاون بينها وبين الدول العربية الذي يعقد مرة في السنة على مستوى وزراء الخارجية. هذا المنتدى الذي اقيم في 2004 حظي في السنتين الاخيرتين بزخم كبير ليس فقط بسبب خطة "الحزام والطريق" بل بسبب تقدير الصين بأن العقوبات التي تقف امامها في الغرب، وبشكل خاص امام الولايات المتحدة، تجبرها على ايجاد بديل. كجزء من الخطة الرئيسية تخصص الصين جزء كبير من استثماراتها في توسيع وبناء موانيء واقامة مناطق صناعية قرب هذه الموانيء لانشاء خطوط ربط فعالة بين المصانع ومسارات النقل البحري. لقد استثمرت المليارات في تطوير ميناء عُمان وموانيء دولة الامارات وقناة السويس وميناء تقوم الهند باقامته مع ايران وميناء تقوم بانشائه الباكستان، الى جانب استثمارها في موانيء السعودية. سياسة الصين المعلنة تقول إنه ليس لهذه الاستثمارات اهداف سياسية وجميعها موجهة لتحقيق اغراض اقتصادية لصالح الصين والدول التي تقوم بالاستثمار فيها.

إن عدم التبجح الذي يميز النشاطات السياسية للصين في المنطقة مقابل تمددها الاقتصادي منفلت العقال يمكنها من المناورة بشكل جيد بين النزاعات بدون أن تجلب اليها النار من أي طرف. هذه الدولة العظمى الكبيرة والغنية تنسحب من المشاركة في مؤتمرات هدفت الى انهاء الحروب وحل المواجهات، وهي ليست شريكة في الخطوات السياسية في سوريا أو ليبيا، ولا توجد لها رغبة في الانشغال بالنزاع بين اسرائيل والفلسطينيين، ويبدو أنه لا موقف لها في قضية النزاع الامريكي – الروسي. ولكن الصين في الحقيقة لا تغيب عن هذه الساحات. فهي تلاحظ الفرص وتقوم باستغلالها. جنودها لا يتم وضعهم في دول الشرق الاوسط، وبدلا منهم تضع الصين شبكات اتصالات تمكنها من الوصول عميقا الى كل مجالات الحياة في هذه الدول، وهي تستخدم القوة الناعمة عبر تطوير السياحة وتشجيع السياح على الوصول الى دول المنطقة، وبذلك تزيد تعلق هذه الدول بها. وهي تقيم تعاون في مجال التعليم والفنون وفي نفس الوقت تعتبر نفسها "دولة محايدة" ليس لها أجندة سياسية. هذا التصنيف يمنحها دعم الشعوب في الدول العربية التي مواطنوها يكرهون امريكا أو يخشون من التدخل الروسي في شؤونها. سيكون من الخطأ فحص تمدد الصين الاقتصادي وكأنه لا يوجد فيه نفوذ سياسي.

مثال على ذلك زيارة ولي العهد السعودي محمد بن سلمان في الصين في شهر شباط الماضي، التي فيها تم التوقيع على 35 اتفاق للتعاون التجاري والاقتصادي، ويبدو ايضا اتفاقات في مجال تزويد السلاح والتكنولوجيا العسكرية. حجم هذه الاتفاقات يبلغ 28 مليار دولار، ولا يشمل الاتفاق الذي وقع عليه بين شركة ارامكو السعودية وشركة نوريكو الصينية من اجل انشاء مصافي تكرير ومصانع بتروكيماوية بمبلغ 10 مليارات دولار تقريبا.

بيع السلاح الصيني للسعودية ليس امرا جديدا. ففي العام 1988، قبل سنتين من اقامة علاقات دبلوماسية كاملة بين الصين والمملكة، اشترت السعودية من الصين صواريخ متوسطة المدى يمكنها حمل رؤوس نووية. ولكن منذ ذلك الحين زاد حجم التجارة بين الدولتين ووصل الى عشرات مليارات الدولارات. مئات المستشارين الصينيين يوجدون في السعودية للمساعدة في تشغيل انظمة تكنولوجية وعسكرية. وبعد انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي مع ايران في شهر أيار الماضي تسعى السعودية الى أن تكون المزودة الاكبر للنفط للصين والوصول الى بيع مليون ونصف برميل يوميا مقابل 1.14 مليون برميل الآن. واذا نجحت السعودية في تنفيذ طموحاتها، يمكنها ازاحة روسيا التي تبيع الصين 1.66 مليون برميل يوميا.

من ينتقدون محمد بن سلمان يهاجمونه لأنه يربط المملكة بالصين ويوقع معها على اتفاقات كبيرة، في حين أن الصين تقوم بسجن ابناء الاقلية الايغورية السنيين في معسكرات اعتقال وتجعلهم تجتازون اعادة تعليم مصحوبة بتعذيب شديد. ولكن يبدو أنه في الوقت الذي تنشغل فيه المملكة بجني الارباح والعثور على قنوات لضرب محتمل في ايران، الاقلية الايغورية لا توجد على سلم اولوياتها. يبدو أن العلاقة بين السعودية والصين يجب أن تفرح واشنطن واسرائيلي لأنه حسب الرؤية البسيطة التي تعتبر أي اضرار بايران مكسب للغرب، فان سرقة السوق الصينية من ايران تخدم جيدا العقوبات الامريكية.

المشكلة هي أن العلاقة بين الدولتين لها تأثيرات عسكرية يجب أن تقلق امريكا واسرائيل. اذا كانت الصين بالفعل تشتري تكنولوجيا الصواريخ واذا كانت ستكون من الدول التي ستقوم ببناء المفاعلات النووية في السعودية للطاقة، فان الصين ستضع قدمين ثابتتين في تطوير السعودية التكنولوجي، في حين أن المملكة ستكون متحررة من الشروط المقيدة والرقابة الوثيقة التي ترافق بشكل عام مشاريع التكنولوجيا، بالاحرى، العسكرية والنووية التي تقيمها شركات امريكية في ارجاء العالم.

المفارقة هي أن امريكا التي تستخدم ضغط شديد على اسرائيل للامتناع عن التعاون التكنولوجي العسكري مع الصين، تصمت عندما تدخل السعودية الى بيتها التكنولوجيا الصينية، بما في ذلك التي تستخدم في صناعة الصواريخ البالستية. ومهم ايضا غياب الرد الاسرائيلي العلني ازاء هذه الاكتشافات. اذا كانت اسرائيل قد جندت قبل بضعة عقود كل جنودها الدبلوماسيين لمنع بيع طائرات التجسس من طراز "ايواكس" للسعودية، يبدو الآن أن اسرائيل لا تهتم بتسلح السعودية، وكأن الامر يتعلق بحليفة استراتيجية.

ولي العهد السعودي اعلن مؤخرا أنه اذا اصبح لدى ايران قنبلة نووية فانه للسعودية ايضا ستكون قنبلة كهذه. صحيح أنه ليس لدى السعودية قوة بشرية مهنية ومدربة في مجال الذرة بشكل عام وفي مجال الذرة العسكرية بشكل خاص، لكن اصدقاء السعودية في الصين وباكستان والهند (التي فيها تنوي المملكة استثمار مليارات الدولارات في السنوات القادمة) لن يترددوا في تزويدها بحاجاتها في هذا المجال. عندما يرى ويسمع إبن سلمان النقاشات الشديدة بين الكونغرس الامريكي والرئيس الامريكي حول بيع السلاح التقليدي للسعودية، وعندما بعد سنتين من شأن صديقه ترامب أن يكف عن كونه رئيس، فمن الطبيعي أن السعودية ستسارع الى أن تبني لنفسها حزام امان اقتصادي وعسكري بمساعدة الصين وروسيا. السؤال الذي سيتم طرحه مستقبلا هو من الذي سيشرف على التطوير البالستي والنووي في للسعودية؟.