حق الضم- معاريف

الساعة 06:55 م|14 يونيو 2019

فلسطين اليوم

بقلم: البروفيسور آريه الداد

أجرى السفير الامريكي في اسرائيل ديفيد فريدمان قبل اسبوع مقابلة مع "نيويورك تايمز" قال فيها لاول مرة على لسان مندوب امريكي كبير ورسمي انه "في ظروف معينة، اعتقد أن لاسرائيل الحق في ان تحتفظ بجزء من الضفة الغربية". واضاف منددا بتأييد براك اوباما لقرار 2334 لمجلس الامن في اواخر ولايته المعادية. ويذكر ان هذا القرار قضى بان المستوطنات تتعارض والقانون الدولي. وقال فريدمان ان هذا القرار لمجلس الامن عزز ثقة الفلسطينيين بان كل "الضفة الغربية" والقدس تعود لهم. اما هو بالمقابل، فواثق انهم مخطئون: "لا شك ان اسرائيل يحق لها أن تحتفظ بقسم على الاقل من الضفة"

قال – والسماء لم تسقط.

الفلسطينيون اشتكوا. فقد قال حسين الشيخ ان هذا يثبت ان خطة القرن لترامب ستثبت الاحتلال. ودعا صائب عريقات زعماء العالم العربي بان يردوا بمقاطعة القمة في البحرين. ردا على ذلك أعلنت مصر، الاردن والمغرب بانهم بالذات سيحضرون. ومرة اخرى فهم الفلسطينيون بانه باستثناء تركيا وايران – لم يتبقَ لهم اصدقاء. احتجت اوروبا احتجاجا هزيلا وتفرغت لمشاكلها. وزير الخارجية الفرنسي الذي زار المغرب تفوه بشيء ما مثل "خطوات الادارة الامريكية هي مثابة جهد لا يمكن أن يمنح الهدوء"، وذكر ايضا بان فرنسا، مثل الاتحاد الاوروبي كله، يعارض الاعتراف الامريكي بالقدس كعاصمة اسرائيل. اما مضيفوه المغاربة فحتى لم يكلفوا انفسهم عناء التلوي بجملة دبلوماسية منحرجة من هذا القبيل. اما شرق اوروبا فهذا لم يحرك لديها ساكنا على الاطلاق.

ايمن عودة واحمد الطيبي فقدا هذا تماما. "فريدمان مجرم دولي"، قال الطيبي. لو كنت انا السفير فريدمان لتلقى الطيبي بلاغا لاذعا في البريد بالغاء تأشيرته الى الولايات المتحدة. وليبحث عن اصدقاءه في المقاطعة.

والقليل ايضا مما بقي من اليسار الاسرائيلي اعرب عن الصدمة. رئيسة ميرتس، تمار زندبرغ، تهجمت على السفير فريدمان وحاولت اثارة اعصاب مرسليه من واشنطن – "عليه أن يتذكر بانه سفير الولايات المتحدة الى اسرائيل وليس الى دولة المستوطنات" – ولكن بعد بضع شعارات عفنة عن "حياة السلام بلا احتلال" سمعت كمن تتنفس الصعداء بقولها انه على ما يبدو أن "الادارة الامريكية قررت ان تخدم اليمين المتطرف فقط". ودعت حركة "السلام الان" (اتذكرون؟ أيبدو لكم هذا معروفا؟) ترامب ان ينحي فريدمان. وعين دين يسسخروف، ذاك من حركة "نحطم الصمت" ناطقا بلسان ايمن عودة. حسنا، قد يكون هذا مرتبطا مباشرة بتصريح فريدمان، ولكن لا يزال مسليا. وكأنه ليس واضحا لنا دوما من تخدم تلك العصبة المتميزة من نحطم الصمت.

وهذا هو. حتى هنا ردود الفعل على احد التصريحات الاهم التي اطلقت في السنوات الاخيرة في سياق "النزاع"

واضح أن السفير فريدمان لم يقل ذلك بناء على رأيه فقط. فلم يُسمع اي شجب او نفس من جانب وزارة الخارجية الامريكية او البيت الابيض. وبالتالي ينبغي الافتراض بان هذه كانت معلومة مدروسة تحرر لاعداد الرأي العام في اسرائيل، في السلطة الفلسطينية، في الدول العربية وفي الغرب تمهيدا لخطة القرن لترامب. وهذه ستتضمن عدة خطوات لا يمكن لاسرائيل أن تقبلها باي شكل، ومنها نقل اجزاء من القدس الى سيادة فلسطينية، ولكن الفلسطينيين سيرفضون الخطة على الفور وحتى المال الامريكي غير مستعدين لان يقبلوه اذا كان ينطوي على سيادة اسرائيل في البلدة القديمة ومستوطنات المناطق. وبالتالي، مثلما يفهم فريدمان بانه ليس معقولا بان تؤدي الخطة بسرعة الى السلام في الشرق الاوسط – فاننا نبقى مع تصريح امريكي اول عن الاعتراف بحق اسرائيل في ضم اجزاء من يهودا والسامرة.

ينبغي الانتباه الى التطورات التدريجية: الاعتراف بالقدس كعاصمة اسرائيل كان اعترافا "شرعيا"، بما هو موجود "بالامر الواقع"، منذ اكثر من 70 سنة. والاعتراف باحلال القانون الاسرائيلي في هضبة الجولان كان هو الاخر اعترافا باثر رجعي بأمر قائم، بما كان سنته حكومة بيغن قبل 38 سنة.

ولكن مقابل هذين الاعترافين، فان الاعتراف بالحق بضم اجزاء من يهودا والسامرة حتى قبل أن تفعل اسرائيل هذا عمليا – اهم باضعاف. الولايات المتحدة تعترف بالحق، وترفض بذلك القول ان هذه "ارض محتلة" ضمها يتعارض مع القانون الدولي. يعتمد هذا الاعتراف على الحجة الاسرائيلية القديمة باننا لم نحتل الارض من اي دولة ذات سيادة كانت تحتفظ بها قانونيا. وكما هو معروف فقد احتل الاردن الارض في 1948، ضمها اليه، ولكنه لم ينل اعترافا دوليا وتخلى عنها نهائيا في 1988. وادعى اليمين دوما هذا، اما اليسار ما بعد الصهيوني الذي لم يرغب ببلاد اسرائيل الكاملة فقد سارع الى اختراع، او تبني الحجة القانونية في عدم قانونية ذلك. وماذا عن القدس؟ كيف اصبحت "قانونية"؟ اللد والرملة؟ وبطريقة الاحتلال فقط التي وسعت حدود 29 تشرين الثاني اصبحت هذه جزءا من دولة اسرائيل.

غير أن اليسار قال – حدود 4 حزيران 1967 نالت اعتراف العالم. جميل. نتجاهل للحظة حقيقة أنه حتى حرب الايام الستة كان الخط الاخضر "خط هدنة"، يفترض أن يستبدل بحدود دولية يعترف بها في اطار اتفاق سلام فقط. ولكن دعنا من الصغائر المبدئية من هذا القبيل. قليلا قليلا، رويدا رويدا سيعترف العالم ايضا ***

ولهذا فان اسرائيل تقف امام فرصة تاريخية نادرة لتجسد بعضا من انجازاتها في حرب الايام الستة. وحتى لو اكتفت حاليا باحلال السيادة فقط على كل المنطقة ج، بما فيها كل مناطق المستوطنات اليهودية في يهودا والسامرة – ستخلق بذلك وضعا لا مرد له يمنع اقامة دولة عربية مستقلة في قلب بلاد اسرائيل. نافذة الفرص هذه من شأنها أن تغلق اذا لم يعاد انتخاب ترامب.

عائق صغير آخر لا يزال يقف أمامنا: بنيامين نتنياهو.

فور نشر النبأ عن تصريح فريدمان اقتبست وكالة "رويترز" للانباء عن كبير امريكي قال ان "اسرائيل لم تعرض على الولايات المتحدة خطة لضم من طرف واحد من جانب اسرائيل لاجزاء من الضفة الغربية". وعلى حد قوله، لا يجري بحث في هذا الموضوع.

أفهمتم هذا؟ ترامب وفريدمان تجاوزا نتنياهو من اليمين. فهما مستعدان منذ الان ان يعترفا ولكن اسرائيل حتى لم تطلب ذلك. الامريكيون يفهمون هم ايضا بان تصريحات نتنياهو عشية الانتخابات عن نيته احلال القانون الاسرائيلي على كل المستوطنات اليهودية تساوي في قيمتها قيمة قشرة الثوم. فلو أن غباي وروسو كانا مستعدين فقط لان ينضما الى ائتلاف نتنياهو – لكان تصريح الضم تبخر في تلك المدخنة اياها التي تبخرت فيها الوعود للجم المحكمة العليا. فلا شك أن من لم يقصد، رغم تعهداته الصريحة في أن يهدم عدة اكواخ غير قانونية في الخان الاحمر بينما لديه الاذن من العليا لعمل ذلك – بريء من كل نية لضم المستوطنات اليهودية في المناطق. احد لم يمنعه من ذلك في السنتين الاخيرتين.

وعليه فمن المهم جدا ان تتشكل في الاسابيع القريبة القادمة كتلة وطنية موحدة، على يمين الليكود، تشترط دخولها الى الائتلاف بموضوع واحد فقط: السيادة. كتلة كهذه فقط ستنجح في أن تفرض خطوة كهذه على نتنياهو. فاقامة دولة فلسطينية يمكنه ان يعتمد دوما فيها على اليسار. ولكن لم كان هذا ليس على جدول الاعمال، وبالتأكيد ليس الانسحاب من طرف واحد، وازرق ابيض لن ينضم الى حكومته بفضل كومة ملفاته الجنائية – هناك احتمال، لاول مرة، لحشر نتنياهو لهذه الخطوة ايضا. ولكن اذا كانت الخصومات الداخلية بين سموتريتش وبيرتس، بين بيرتس وايتمار بن غبير، بينهم وبين بينيت وشكيد وفايغلين ستنجح في احباط الوحدة – فانهم سيكونون المذنبين في تفويت هذه الفرصة التاريخية.