معركة ملوك/ اسرائيل اليوم

الساعة 07:15 م|14 يونيو 2019

فلسطين اليوم

بقلم: نداف شرغاي

تقريران رفعهما القصر الملكي الاردني الى قناة اليوتيوب في الاسابيع الاخيرة تبدد بقدر كبير الغموض حول أحد البنود الدراماتيكية في صفقة القرن للرئيس ترامب: فقد طلبت الولايات المتحدة منح السعودية دورا مركزيا في اطار الوصاية على الاماكن المقدسة للاسلام في القدس، اي الحرم.

الاوصياء الحاليون، الاردن وملكها عبدالله، والذين يستندون الى إرث تاريخي يمتد الى نحو مئة سنة في الحرم وليس اقل من ذلك الى سلسلة من الاتفاقات والتفاهمات مع اسرائيل، يشعرون بخيبة الامل والاساءة. الملك الاردني غاضب. فهو غير مستعد لان يخلي المنصة للسعوديين ولملكهم السابع – سلمان بن عبد العزيز آل سعود ولا ان يتقاسم معهم هذه الوصاية. والان يفعل الاردن كل شيء تقريبا كي يوضح ذلك.

في 20 اذار من هذه السنة بعد سبعة ايام فقط من لقاء الملك عبدالله في واشنطن مع وزير الخارجية الامريكي مايك بومباو ومع مستشاري ترامب الكبيرين جارد كوشنير وجيسون غرينبلت التقى الملك الاردني مع وجهاء محافظة الزرقاء، احد مراكز القوة للاخوان المسلمين في الاردن، حيث نصف سكان المحافظة من الفلسطينيين. وصرح عبدالله في تلك المناسبة فقال: "لن اغير ابدا موقفي من القدس.. علينا واجب تاريخي تجاه القدس والاماكن المقدسة".

لاول مرة يعترف الملك بالضغوط التي تمارس عليه وشدد قائلا: "هذا خط احمر من ناحيتي وانا اعرف ان الشعب الى جانبي... كدولة هاشمية، من واجبنا حماية الاماكن المقدسة للاسلام والمسيحية. صحيح أننا نتعرض للضغط ولكن في نهاية الامر الجواب سيكون لا وكلا".

بعد بضعة ايام، في لقاء مع قادة جيشه – هذه المرة وهو يرتدي البزة العسكرية – كرر الملك عبدالله واوضح بان: "القدس ومستقبل فلسطين هما خط احمر بالنسبة للاردن. لا ادري كيف يمكنني ان اقول ذلك بشكل اوضح... كيف يمكنني كهاشمي أن اتخلى عن القدس؟! هذا مستحيل. هذا خط احمر. انا اقول لا وكلا للتنازل عن القدس... لدينا كلمة ولدينا موقف".

عرض لتغطية الديون

غابت تصريحات الملك عن عين الاعلام. وقد اقتبست بتواضع بالذات في سياق الخلاف مع اسرائيل حول نطاق باب الرحمة، رغم أنها قيلت في سياق آخر. ونشر معهد "ممري" ذلك فانتشر الامر. اشهر طويلة من النفي الرقيق من جهة واشنطن وصمت من جانب اسرائيل، التي توجد على اطلاع تفصيلي على صفقة القرن، تأتي الان الى نهايتها.

تضغط الولايات المتحدة منذ اشهر طويلة على الاردن كي يوافق على ان ينقل الى السعودية، او ان يتقاسم معها صولجان الوصاية على المكان الثالث في قدسيته للاسلام - المسجد الاقصى (وذلك الى جانب استمرار السيادة الاسرائيلية في الموقع). في نطاق ومسؤولية السعودية يوجد كما هو معروف المكانين الاوليين في قدسيتهما للاسلام، في مكة وفي المدينة. ويدور الحديث عن ضغط اقتصادي غير رسمي، متداخل واغراءات اقتصادية في الغالب وكذا لمطالبات اضافية.

هذه هي الارقام التي تشرح الضغوط التي يعيشها الاردن: تبلغ ديون المملكة الهاشمية اكثر من 40 مليار دولار. في شباط الماضي، في اجتماع الدول المانحة للاردن في لندن، نجح الملك عبدالله في جمع تبرعات لنحو 3 مليار دولار من السعودية، من الكويت ومن اتحاد الامارات، توزع على بضع سنوات. 350 مليون دولار حولتها السعودية الى الاردن في الشهر الماضي كجزء من هذا الالتزام، هي مجرد قطرة في بحر الاحتياجات الكبرى للاردن، أما الان فللسعودية شرط مركزي واحد لمواصلة المساعدة: الشراكة في ادارة الحرم الشريف في القدس.

يتعلق الاردن جدا ايضا بالمساعدة الامريكية – مليار ونصف دولار في السنة. الامريكيون، الذين تحدثوا في السنة الماضية مع الحكام العرب تحدثوا معهم ليس فقط عن البديل السعودي في الحرم، بل وايضا عن امكانية أن يستوعب الاردن ويوطن في اراضيه بشكل تدريجي مليون لاجيء فلسطيني، بعضهم من الشتات وبعضهم يعيشون منذ الان في اراضيه. هذا كما هو معروف هو مجرد جزء واحد مما تعده ادارة ترامب لموضوع "اللجوء الفلسطيني" وذلك بعد أن قلصت ميزانية الوكالة وتتطلع الان الى الغائها.

تعتقد الادارة الامريكية الان بان الوكالة والامم المتحدة تساعدان منذ سنين على تخليد مشكلة اللاجئين الفلسطينيين، بدلا من حلها. فيما تحرصان على نقل مكانة اللجوء الفلسطيني من الاب الى الابن ومن جيل الى جيل.

مقابل هذه الرزمة تعرض الولايات المتحدة على الاردن مبلغا خياليا من 45 مليار دولار لتستخدمه المملكة الهاشمية لتسديد الديون، لترميم اقتصادها ولكن ايضا لاستعياب وتوطين لاجئين فلسطينيين في اراضيها. الاغراء هائل؛ يحتمل أن يكون الاردن يوافق عليه، رغم خوفه من مزيد من اللاجئين في اراضيه، لولا قصة الحرم.

من زاوية نظر الاسرة المالكة الاردنية هناك ثلاثة اسباب وجيهة لرفض الافكار الامريكية. الاول هو سبب عملي. اجهزة الامن الاردنية (وكذا الاسرائيلية) تعتقد بان كل تغيير في مكانة الوصاية التي يحتفظ بها الملك الاردني في الحرم، سيؤدي الى ضعضعة حكمه وربما سقوطه. الوصاية التي يحوزها الاردن منذ 1924 هي من زاوية نظر اردنية بوليصة تأمين. فالحكم في الاردن يعتمد منذ سنوات عديدة على ولاء البدو وسكان القبائل الموالين للاسرة المالكة. وهؤلاء يشكلون اقل من نصف السكان في الاردن. بينما الاغلبية الفلسطينية والاخوان المسلمين في الاردن فيشكلون مصدرا لقلق مستمر. واستمرار الوصاية على الاقصى هو من ناحية الاردن ضمانة لاستمرار التحكم في المملكة.

السبب الثاني هو تاريخي: فالسلالة الهاشمية التي تحكم الاردن اليوم، خسرت بعد الحرب العالمية الاولى للسعوديين دور حارس الاماكن المقدسة في مكة وفي المدينة. فقد حكم الهاشميون السعودية حتى 1924، وطردتهم من هناك سلالة آل سعود. الحسين بن علي، الذي كان شريف وأمير مكة بين 1908 و 1917 كان سليل السلالة الهاشمية التي يرى اباؤها واجدادها انفسهم من انسال النبي محمد. اما الاردن، الذي تأسس رسميا في 1946 فقد احتل شرقي القدس والبلدة القديمة في 1948 – ومنذئذ اكتفى بوصاية ثانوية على الاقصى، المكان الثالث في قدسيته للاسلام.

اما السبب الثالث لرفض الاردن تماما الفكرة الامريكية في موضوع الحرم فهو عائلي: الحسين بن علي، الشريف الذي خسر الوصاية على مكة والمدينة للسعوديين، دفن في 1931 في قبر في الحرم. ابنه الثاني، عبدالله، الملك الاول للاردن بعد تأسيسه، قتل في مدخل المسجد الاقصى الذي اغتاله فلسطيني في 1951، على خلفية مفاوضات سرية للتطبيع والسلام اجراها مع اسرائيل. حفيده، الحسين، كان شاهدا على قتل جده، وبعد سنة من ذلك تسلم المملكة في الاردن. واحتفظ بها 47 سنة حتى وفاته بمرض في 1999.

الغمز نحو تركيا

واصل الاردن الاحتفاظ بالوصاية الاسلامية على الاقصى حتى بعد حرب الايام الستة التي خسر فيها لاسرائيل شرقي القدس والحرم، وحتى بعد فك الارتباط عن الضفة الغربية الذي اعلن عنه في 1988. عندما وقع اتفاق سلام بين اسرائيل والاردن في 1994، نص الاتفاق على مكانة الاردن كوصي على الاماكن المقدسة للاسلام في القدس.

احترمت اسرائيل هذه المكانة، ولا سيما على خلفية شبكة المصالح المشتركة – وليست العلنية دوما – في المجال الامني، الاستخباري والاقتصادي. بل واقتنعت اسرائيل بان هذه المكانة تساعد بالفعل الاسرة المالكة الاردنية في الحفاظ على حكمها شرقي الاردن. في 2013 عزز الاردن مكانة الوصاية التي له على الاقصى حين وقع على اتفاق مع السلطة الفلسطينية. وقضى الاتفاق بان الاردن سيواصل تمثيل شؤون الفلسطينيين في الاماكن الاسلامية المقدسة في القدس الى أن يعقد اتفاق دائم في المنطقة.

الصدمة في الاردن على خلفية العرض – الطلب الامريكي للتخلي او اقتسام الوصاية على الا قصى مع السعوديين، هي بالتالي صدمة حقيقية. فالرفض العلني واضح في أن الاردن يتخذ الان سلسلة من الخطوات السياسية التي غايتها هي الايضاح سواء لاسرائيل أم للولايات المتحدة بان له ظاهرا بدائل لمحور القدس – واشنطن.

الخطوة الاولى في سلسلة الخطوات الاردنية كانت الارتباط العلني بابو مازن والسلطة الفلسطينية في معارضتهم لصفقة القرن لترامب. بعد ذلك، وافق الاردن، لاول مرة على أن يدرج في مجلس الاوقاف ممثلين عن السلطة الفلسطينية، فتح بل والشيخ عكرمة صبري المتماثل اليوم مع الاتراك والاخوان المسلمين بل ومع رجال الجناح الشمالي للحركة الاسلامية في اسرائيل.

كل هؤلاء كانوا امس فقط منافسين شديدين للاردن على الهيمنة الاسلامية في الحرم.

اما الخطوة الثانية فتمثلت باتصالات مباشرة بين المملكة وتركيا، المنافسة الجدية للاردن سواء على الهيمنة في الحرم ام على النفوذ في منطقة غلاف الحرم. على خلفية صفقة القرن، قرر عبدالله بان تركيا ايضا مؤهلة كشريك في الكفاح ضد ترامب وخطته. ووقوف الاردن في المحور الذي العنصر السائد فيه هم الاخوان المسلمين، حيث أن حكم الاسرة المالكة هدده هذا التنظيم غير مرة، يدل الى أن يبدي الاردنيون الاستعداد للسير بعيدا من اجل الاحتفاظ الحصري بمكانة الصدارة الاسلامية في الاقصى.

الخطوة الثالثة هي زيارة الملك عبدالله لمحمد السادس، ملك المغرب الذي هو الاخر سليل الهاشميين. فقد حصل الملك الاردني من نظيره المغربي على التأييد للوصاية الهاشمية على الاماكن الاسلامية المقدسة في القدس. وفي ختام اللقاء بينهما، اعلن ملك المغرب بان الاوقاف الاردنية هي الجسم القانوني الوحيد الذي يحق له ادارة المسجد الاقصى، حمايته وتنظيم الدخول اليه. وفي البيان المشترك، شدد الملكان على وجوب الدفاع عن القدس وعن الاماكن المقدسة في وجه كل محاولة لتغيير مكانتها التاريخية، القانونية والسياسية.

لقد حاول عبدالله أن ينتزع بيانا مشابها ايضا من حكام مصر والعراق في ختام قمة ثلاثية عقدها معهم في تونس، في نهاية شهر اذار الماضي، ولكن دون نجاح.

دعوات للانتفاضة

لثلاث مرات التقى الملك عبدالله بقيادة الادارة الامريكية في النصف سنة الاخيرة، في تشرين الثاني، في كانون الثاني وفي اذار. وحرص الاردنيون على عدم نشر اي شيء عن هذه اللقاءات. يحتمل أن يكونوا ارادوا الامتناع عن اعطاء الانطباع الذي يمكن أن يؤخذ في الاردن عن التعاون المزعوم مع صفقة القرن، وبخاصة في بند الحرم.

بالمقابل، يخيل ان المملكة حلت اللجام في كل ما يتعلق بموقف الملك من الصفقة. فمنذ نيسان نشر في الصحافة الاردنية عدة مقالات تدعو الى انتفاضة جديدة في الضفة الغربية لاحباط صفقة القرن. فقد نشر الصحافي محمد علي مرزوق الزيوت مقالا في صحيفة المؤسسة الرسمية "الرأي" دعا فيه الى توحيد القوى مع فتح وحماس ووقف التنسيق الامني مع "الاحتلال". ونشر حسين الرواشدة مقالا له في صحيفة "الدستور" دعا فيه الى انتفاضة جديدة توحد الفلسطينيين والعالم العربي. ويعتقد الزيوت بان "الانتفاضة الثالثة اهم من المصالحة الفلسطينية الداخلية، وهي الوصفة الافضل للرد على صفقة القرن. هي اهم من المفاوضات العقيمة ومن كل التزام لفظي لحماية المسجد الاقصى".

الاردن إذن يضع نفسه من جديد في محور الاخوان المسلمين الذين كانوا منذ زمن قصير مضى عدوا معلنا للاسرة المالكة والذين كانوا يعتبرون غير مرة تهديدا محتملا على استقرار الحكم هناك. بل واقترح الاردن على عكرمة صبري أن يترأس مجلس الاوقاف الجديد في الحرم. وسمح الملك الاردني في الاسابيع الاخيرة للاخوان المسلمين بتنظيم مظاهرة من الالاف في الجانب الشرقي من البحر الميت ضد صفقة القرن.

ومع ذلك، من المهم ان نتذكر بان الملك عبدالله هو رجل عملي وثمة ايضا مؤشرات عن أنه يبحث عن حل وسط يتيح له ان يبدو كمن يعارض خطة ترامب، ولكن عمليا أن يسلم ببعض من عناصرها. وهكذا فانه يأمل ربما في الحفاظ على مكانته المركزية في محور الدول المعتدلة في الشرق الاوسط، يواصل التمتع بالمساعدة الاقتصادية الامريكية وان يواصل الاحتفاظ بالوصاية على الاقصى.

لقد منحت الانتخابات المتكررة في اسرائيل مساحة تنفس للاردن في كل ما يتعلق بخطة ترامب. وذلك لان الادارة في واشنطن لا تعتزم نشر مباديء الصفقة المتعلقة بالمواضيع الجورية قبل 17 ايلول. ومع ذلك تطلب الولايات المتحدة من الاردن ان يقرر اذا كان سيحضر وعلى اي مستوى المؤتمر الاقتصادي في البحرين كاعداد لصفقة القرن في 25 و 26 حزيران. اوضح الاردن بانه سيبعث الى البحرين بتمثيل عنه وان كان ليس واضحا في اي مستوى. وعلى اي حال يتوقع عبدالله من الولايات المتحدة ايضاحا تضمن له الوصاية على الاقصى. اما من أكد حضوره الى البحرين اضافة الى الاردن فهم السعودية، مصر، الامارات وكذا اسرائيل. الفلسطينيون كما هو معروف يقاطعون المؤتمر. وان كانت مشاركة خاصة لمستثمرين فلسطينيين ليست مستبعدة.