خبر الأسد لـ»المنار«: لو انهارت غزة لانهار معها كل الصمود العربي

الساعة 06:41 ص|27 يناير 2009

أجرت قناة »المنار« اللبنانية، مقابلة مع الرئيس السوري بشار الأسد بثتها امس، تناولت مختلف المسائل الإقليمية، وعلى رأسها العلاقات اللبنانية السورية، ورؤية دمشق لطرق التعامل مع الإدارة الاميركية الجديدة، والمصالحات العربية العربية، ومرحلة ما بعد الحرب الإسرائيلية على غزة. وفي الآتي نص المقابلة:

 

١ ـ الحرب على غزة ما بعدها

»المنار«: سوريا للمرة الثانية في محور المنتصرين.. كيف تقرأ نصر غزة؟

الأسد: للمرة الثانية لا أريد ان اربط سوريا أو الموقف السوري بمرحلتين: مرحلة حرب تموز ومرحلة غزة. الموقف السوري هو في نفس الخط منذ أكثر من أربعة عقود، وإذا كانت هناك انتصارات حصلت الآن فليس لأنها حالة معزولة: حالة بيروت أو الضاحية أو الجنوب وحالة غزة، وإنما هي حالة مستمرة وصلت الى الانتصارات التي نراها الآن. القراءة اختصرتـُها أنا في خطابي في الدوحة عندما تحدثتُ عن التغيرات التي حصلت لدى الأجيال العربية المتعاقبة خلال العقود الماضية، يعني في بداية الصراع العربي الإسرائيلي عدد محدود من المجازر لا يوازي شيئاً من المجازر التي نراها الآن بسبب تطور الأسلحة طبعاً، كان يؤدي للهجرة لترك الأرض، وربما كان هناك بناءٌ على آمال مختلفة هي: الجيوش العربية التي ستحرر الأرض، المنظمات الدولية التي ستعيد الحقوق، القوانين الدولية التي لا تسمح بما يحصل. اليوم نرى أن ما حصل في غزة وما سبقها في لبنان منذ عامين هو رسالة في عدة اتجاهات بالشكل الذي أقرأه، أولاً نحل مشاكلنا بأيدينا، أصحاب القضية هم يحلون المشاكل، ثانياً المزيد من الصمود، ثالثاً المزيد من الشراسة في الدفاع عن الحقوق. هذا بالمختصر ما حصل في غزة.

﴿ ربما هذا الذي يدفع الى السؤال سيادة الرئيس أن البعض يقول إن نصر تموز مثلا كان واضحاَ، بينما النصر في غزة لا يحتمل القول عنه أنه نصر، ما المعيار هنا؟ أنت ذكرتَ مجموعة من القضايا الهامة يمثل التمسك بها ربما نوعاً من النصر.

÷ المعيار أولاً هي الأهداف التي وضعها العدو، اذا كان الهدف هو تدمير البيوت في الحرب الأولى في لبنان، أم الثانية في غزة، بهذا المعيار العدو هو من انتصر فقد دمر البيوت، اذا كان المعيار قتل المدنيين فهو انتصر. أما اذا كان المعيار هو إلغاء المقاومة، ضرب فكرة المقاومة، ضرب فكرة الصمود وتحقيق أهداف أخرى على الأرض باستئصال المقاومة بنيوياً، فهو فشل في هذا.

إسرائيل قامت على فكرة أو مقولة: لا يهم اذا كانوا يحبونني المهم أن يخافوا مني. اليوم فشلت هذه المقولة. اليوم إسرائيل أمام مقولة أخرى، هم لا يحبونني ولكن في نفس الوقت لا يخافون مني. فهذه المعايير نستطيع أن نضعها لكي نقيّم اذا كان هناك انتصار أم لا.

﴿ ربطتم في كلمتكم في قمة الدوحة سيادة الرئيس بين مصير غزة وبين مصير الأمة، لماذا؟

÷ لأن القضية قضية نهج، غزة حتى اليوم الأخير بقيت صامدة، لو انهارت غزة لانهار معها كل الصمود الذي نراه على مستوى العالم العربي، هناك نهضة عربية لدى الناس ولا أتحدث عن المستوى السياسي والرسمي، هناك نهضة على المستوى الشعبي. في التسعينيات كان هناك تكريس لفكرة أن عهد المقاومة انتهى وأن عهد الصمود انتهى ولا يوجد أمامنا سوى خيار الانبطاح. مع بداية الانتفاضة في ٢٠٠٠ بدأت تتغير هذه المفاهيم فكان لا بد أن يقوموا بشيء لإلغائها وفشلوا في ذلك، لو نجحوا بإلغائها في لبنان أو في غزة لكان مصير فكرة المقاومة وفكرة الصمود المرتبط بها، لكان مصيره الانهيار.

﴿ أنت على المستوى الشخصي سيادة الرئيس هل تشعر بالفخر وبالاعتزاز بما حققته المقاومة، يعني ثبتت صحة الخيارات التي تأخذ سوريا بها؟

÷ هذا من البديهيات، يعني هذا ليس بالنسبة لي فقط، أنا ألتقي الآن بمسؤولين أجانب يحللون بهذه الطريقة. البعض منهم أميركيون والبعض منهم كان في موقع رسمي في الولايات المتحدة وكان معروفاً بميوله لإسرائيل، بعضهم منغمس بالسياسة ليس بالضرورة أن يكون في موقع رسمي، وآخرون في أوروبا. كلهم يحللون كذلك، فمن البديهي أن نحلل بهذه الطريقة مع بعض الإضافات، ويضاف إليها الشعور بالفخر كمواطن عربي، هذا بديهي.

﴿ ربما هي من المرّات النادرة التي يحصل فيها هذا التطابق، يعني كيف يرى الرسميون الأمر وكيف ترى الجماهير الأمر، طبعاً ليس الجميع ولكن في سوريا. ربما المواطن عندما يسمعك يشعر وكأنك تتحدث بالنيابة عنه، عندما ترى هذا الذي تحقق وأن ما كنت تقوله وما يحبه المواطنون قد حصل، كيف ترى الأمر على الصعيد الشخصي؟

÷ في أكثر من موقف ومناسبة شرحتُ بأن قوة السياسة السورية هي باعتمادها على الرأي العام الشعبي تجاه القضايا المختلفة داخلياً وخارجياً، فهذا التطابق الذي تتحدث عنه في هذه القضايا هو حالة مستمرة بالنسبة لنا في سوريا. نحن تعرضنا وخاصة سوريا، وهذا التيار تيار المقاومة تعرض لهجوم إعلامي كان يهدف لخلق حالة من الإحباط ولإقناعنا بالفشل فاعتمدنا على شيء مقابل، هو أن ننقل المعلومة للمواطن قدر ما نستطيع وأن نتواصل مع المواطن كي نعرف وجهة نظره. لذلك التقينا الآن في أكثر من قضية بحالة من التماهي بين الموقف الرسمي والموقف الشعبي.

﴿ سيادة الرئيس هذا يدفع للتساؤل: هل أن الوضع الاستراتيجي الذي نشأ لقوى المقاومة والممانعة بعد النصر هو أفضل الآن؟ وكيف يمكن تثميره سياسياً؟

÷ كل حالة من الحالات كانت تخلق نتائج معينة، حرب ١٩٨٢ هي التي أوجدت المقاومة بشكلها الحالي وهي التي أنجزت التحرير عام .٢٠٠٠ مجازر جنين عام ٢٠٠٢ خلقت حالة من المقاومة في فلسطين، حرب ٢٠٠٦ خلقت أيضاً شيئاً مشابهاً، والآن في غزة نرى شيئاً مشابهاً. كل حالة من هذه الحالات كرست نهج المقاومة وكرست مصداقية لفكرة المقاومة، هذا برأيي أهم إنجاز سياسي. النهج لديه تفصيلات كثيرة، النهج لديه قضايا مختلفة يعني هذه الانتصارات التي حصلت هي انتصارات صغيرة في انتصار كبير، وهي ستستمر ولا بد أن تأتي هناك معارك أخرى بشكل أو بآخر، ليس بالضرورة أن تكون كلها عسكرية، ولكن هذه الانتصارات هي كدرجات السلم التي ستؤدي الى انتصارات أخرى، يعني لا يمكن أن نصل للانتصار الأخير من دون هذه الانتصارات.

﴿ الحرب يمكن تثميرها في السياسة، هذه المنجزات كيف يمكن أن تؤخذ سياسياً؟

÷ هذه القضايا تعبر عن حقوق، هذه الحقوق لا بد من التمسك بها. بالنسبة لنا صرنا في مجال السلام، وهذا تحدثت عنه ايضاً في خطابي. تحدثنا عن السلام سابقاً، في الماضي جربنا الحرب قالوا لنا إن الحرب لا تعيد الحقوق، أتت مفاوضات السلام ولم تعد الحقوق، وثبت أن اسرائيل حتى في الأسابيع الأخيرة التي مضت ونحن كنا في مفاوضات غير مباشرة مع اسرائيل نحاول أن نبحث عن طريق السلم لاستعادة الحقوق، فلم يكن هناك جدية من قبل إسرائيل، اتضح تماماً أن اسرائيل لا تفهم سوى لغة القوة، والاستثمار السياسي للمقاومة ولانتصاراتها هو من أجل التمسك بالحقوق لاستعادتها.

﴿ هذا الانتصار الجديد الذي تحقق لقوى المقاومة والممانعة هل يتم التعبير عنه مثلاً في جانب متعلق بالسياسة في مجلس الأمن، في الجامعة العربية، في العلاقات بين القوى الدولية، في علاقات قوى هذا المحور مع العالم؟

÷ نظرياً نعم، لكن عملياً لا. السبب أن إسرائيل لا تهتم بكل هذه البنى، هي لا تهتم بمجلس الأمن ولا الأمم المتحدة ولا ميثاق الأمم المتحدة، لا تهتم بالجامعة العربية ولا بقراراتها، بغض النظر عن نوعية القرارات التي نأخذها. إسرائيل تفهم لغة الواقع، وإسرائيل اعتمدت في سياستها منذ وجودها ومن قبل وجودها منذ بدأ المشروع الصهيوني بفرض الأمر الواقع على العرب، وبالتالي علينا لكي نستفيد سياسياً أن نعتمد سياسة فرض الأمر الواقع على إسرائيل، هذا هو الاستثمار السياسي الوحيد. أما أن نعتمد على كل البنى الأخرى الدولية والإقليمية أو غيرها فلن تحقق شيئاً، مع إسرائيل فقط أمر واقع.

﴿ كان هناك دعوة لقمة عربية مبكرة ثم جاءت قمة الدوحة، هل شكلت هذه القمة محوراً عربياً إسلامياً يبدأ في دمشق المقاومة في لبنان وفلسطين وإيران وتركيا، وهناك كان تأييد شعبي واسع، فهل كان هذا المحور هو جانب من الاستثمار السياسي؟

÷ لا، لأن كلمة محور تُفهم بالسياسة كأنك تواجه محوراً آخر أو هذا المحور موجه ضد تيار آخر، نحن لا نرى الموضوع بهذا الشكل، هناك قضية أو مجموعة قضايا، هناك رؤى أو وجهات نظر وسياسات لدول معينة تجاه كل قضية من هذه القضايا. في موضوع غزة هذه الدول التي تحدثنا عنها كانت لديها رؤية واحدة تجاه التصرف في شأن هذه القضية، فالتقت في مؤتمر الدوحة لتعبر عن وجهة نظرها وتأخذ قرارات معينة في هذا الاتجاه، هناك دول اخرى كانت تتعاطف مع هذه الدول بطريقة حلها وبرؤيتها للموضوع ولديها نفس وجهة النظر ولكنها لم تأت لأسباب مختلفة. فأنا لا أسميه محوراً، ولكن هذه الدول اتفقت على رؤية فتحركت بهذا الاتجاه وهذا طبيعي.

﴿ الآخرون قالوا إنه محور وهذا المحور فيه سوريا وإيران ومن ثم انضمت اليه قطر وتركيا الى حد ما.

÷ لقد وُصف بكلمة محور من قبل الآخرين لأنهم يريدون أن يضعوا المحور محل القضية كاسم، القضية ليست ما هو المحور الذي وجد، ولكن السؤال ما هي القضية الموجودة وليس ما هو نوع المحور. هناك قضية اسمها غزة علينا أن نقف مع شعب غزة ومع المقاومة. الحديث عن كلمة محور وكأن هناك انقساماً أو انشقاقاً، هذا ما يريدون أن يوهموا به البعض بأن من يتحرك باتجاه محور يعني يتحرك باتجاه شق الصف العربي، وفي هذا الإطار كلنا نعرف أن الموقف العربي ليس موحداً باتجاه كل القضايا من لبنان الى فلسطين الى العراق، هناك انقسام موجود، في القمم العربية تحصل تسويات، تحصل عملية تجميل لهذه الحقيقة ولكن هي موجودة، فهذا هو المقصود من كلمة محور.

﴿ في القمة العربية في الدوحة حضرت إيران ولذلك ربما تم التركيز على قضية المحور، في قمة الكويت قالوا إن إيران خرجت من النسيج العربي الذي حاولت الدخول اليه؟.

÷ قمة الكويت قمة عربية، طبيعي أن لا تحضر سوى الدول العربية والدول الأخرى تكون مدعوة كضيوف، أما قمة الدوحة فلم تكن قمة عربية ولم تكن مرتبطة بالجامعة العربية، في البداية كنا نسعى نحن وقطر لكي تعقد قمة عربية بنصاب عربي وتكون قمة تتبع لجامعة الدول العربية. عندما لم يتم هذا الشيء رأينا أنه من البديهي أن تلتقي كل الدول المهتمة بهذا الموضوع والتي تحمل نفس الأفكار، فلم تعد قمة عربية، أصبحت قمة من أجل غزة، وكان اسمها قمة غزة، فلا يهم ربما لو أتت فنزويلا، كان من الممكن أن تكون موجودة .

٢ ـ »المصالحات« العربية العربية

﴿ من ثمار قمة الكويت الاقتصادية لقاء المصالحة العريية، كيف تبدو العلاقات السورية السعودية بعد اللقاء، والى أي حد أثّر الخلاف على البيان الختامي على الأجواء الايجابية للقاء.

÷ بحسب طريقة فهم كل شخص للمصالحة، اذا كان بالطريقة البسيطة أن نجلس مع بعضنا البعض فقط فهذا شيء تم قبل المصالحة، نحن التقينا في قاعة الانتظار وكان هناك سلام بشكل طبيعي، بمعنى آخر الاحترام على المستوى الشخصي موجود. ولكن إذا كان المقصود هو مصالحة المواقف أو مصالحة السياسات فهذا بحاجة لحوار طويل. ما حصل هناك مجرد كسر للجليد في لقاء على الغداء بمبادرة من أمير الكويت الشيخ صباح الأحمد الصباح، ويعتمد نجاح هذه المصالحة على الحوار الذي سيجري بين الدول المعنية وعلى نية المسؤولين الذين سيكلفون بهذا الموضوع. الآن الأجواء هي أجواء تفاؤل لكن على ارض الواقع لم نبدأ الحوار بعد، لا بد من بدء الحوار قبل أن نحدد ما هي رؤيتنا لهذه الأجواء.

﴿ قبل أن نصل الى موضوع متى يبدأ الحوار، هل ما حصل فقط هو هذا اللقاء الذي وصفته سيادتك بكسر الجليد فقط؟.

÷ تماما كسر جليد، لقاء على الغداء، حديث بالعموميات، لم نتحدث بالقضايا، خاصة أن الزمن لم يسمح، والموضوع هو كان موضوع غزة وكلنا متعاطفون مع قضية غزة، ولكن لم نتحدث بالتفاصيل المعنية في هذا، ربما لأنها تركت للقمة.

﴿ الجميع كان موقفهم هكذا، يعني كان الوضع هو فقط كسر الجليد القائم في العلاقات العربية؟

÷ نعم في هذا اللقاء الذي كان لأقل من ساعة على ما أعتقد.

﴿ لم يتم مثلاً تحديد موعد للقاءات قريبة؟

÷ لا لم يتم.

﴿ مثلاً هل وجهت لسيادتكم دعوة لزيارة الرياض؟

÷ لا لم توجه أية دعوة وإنما الآن لا بد من التواصلـ كما قلت ـ بين المسؤولين، سنرى الآن، سنبحث كيف نبدأ هذه العملية بهدف الوصول الى تحسين العلاقات العربية ـ العربية.

﴿ بحسب ما قيل في وسائل الإعلام إن الملك السعودي وجه دعوة لسيادتكم لزيارة الرياض، هكذا جاء في وسائل الإعلام؟

÷ في الجلسة قلت له نتمنى أن نراك في سوريا وهو طلب مني أن يراني في الرياض، يعني هذا الكلام قيل. يعني نعتبرها دعوة أنا دعوته الى سوريا وهو دعاني الى الرياض!.

﴿ هل تتوقعون مبعوثاً سعودياً قريباً في دمشق، هل هناك آليات تسير، أم أن الأمر في الانتظار الآن؟.

÷ لن تكون هناك حالة انتظار، نحن دائماً نسعى وحتى في الأشهر التي سبقت قمة الكويت، كان هناك عدد من المبادرات العربية والبعض منها غير عربية لتحسين أو لتنقية الأجواء، ونحن تفاعلنا وتجاوبنا مع كل هذه المبادرات. الآن لا بد أن نبدأ مباشرة بآلية سنحاول الاتصال المباشر، لسنا بحاجة لوسطاء، وسنرى رد الفعل.

﴿ ما حدث في قمة الكويت عندما تحدث الملك عبد الله بن عبد العزيز ربما كان مفاجئاً لكثيرين أنه انتقل للحديث عن ضرورة إنهاء الخلافات العربية وطي صفحة الماضي. بتقديرك ما هي العوامل التي أملت هذا النوع من الخطاب؟

÷ لا أريد أن أتحدث نيابة عنهم ولكن أقول الشيء الذي تحدثنا به في الاجتماع بأن المستفيد من هذا الخلاف هو العدو الإسرائيلي. كنا متفقين على هذا الشيء والجميع مقتنع بذلك. وأنا قلت في خطابي ان ما حصل في غزة هو انعكاس في جانب منه للخلاف الفلسطيني ـ الفلسطيني وللخلاف العربي ـ العربي الذي انعكس على الفلسطينيين، فكان هناك شعور لدينا بأن ما يحصل، نحن نتحمل جزءا من المسؤولية فيه، ربما كان هذا هو الدافع.

﴿ عندما تحدثنا عن قمة الدوحة قلنا إن هناك تأييداً شعبياً عارماً لمن اجتمعوا في قمة غزة في الدوحة، بينما كان الموقف ـ كما تعلم سيادتكم ـ على نقيض من الطرف الآخر أو المحور الآخر كما يسمى في الإعلام، هل كان هناك نوع من محاولة لكسر حالة التأييد هذه وامتصاص حالة الغضب الشعبي بتهدئة خواطر الجماهير العربية؟.

÷ لا أبداً، لأنه يمكن ان تمتص الغضب لساعات وأيام أو أسابيع وبعد ذلك تفقد مصداقيتك، هذا الشيء لا يمكن أن يكون هدفاً من أهداف قمة الدوحة، بالعكس كان الهدف اتخاذ موقف وإرسال رسالة لإسرائيل وللخارج، مرّة أخرى لا اريد أن اتحدث نيابة عن الآخرين، أنا اتحدث عن موقفي وموقف قمة الدوحة لأن الدول التي كانت في الدوحة كان لديها هدف هو إرسال رسالة الى الخارج. أما في قمة الكويت فأترك التقييم للشعب العربي هو الأفضل والأقدر.

﴿ أنت قلت أن هذه الخلافات لا يكفي إجراء لقاء سريع حتى تنتهي، فإلى أي مدى هي عميقة ومؤثرة على مستقبل الأمة العربية ومستقبل قضايا أمتنا؟

÷ هي نوعاً ما عميقة، لكي نكون موضوعيين لا نستطيع أن نقول إنها خلافات شكلية او سطحية، نحن في سوريا موقفنا واضح بالنسبة لدعم المقاومة في كل الظروف. تخطئ المقاومة، تصيب المقاومة، كلنا نخطئ ونصيب، ولكن أن نخطئ وأن نصيب لا يعني أن نتخلى عن المبدأ: أي احتلال تقابله مقاومة، وبشكل بديهي لا بد من الوقوف معها، وإلا فأنت تقف في الصف الآخر، هذه وجهة نظر سوريا. كان هناك خلاف مثلاً حول موضوع العلاقة مع إيران يعني يعتقدون بأن العلاقة مع ايران كأنها علاقة مع عدو، وهذا الكلام نحن لا نقبله في سوريا. ايران بلد صديق ، بلد جار، بلد هام في هذه المنطقة حتى لو اختلفنا معه. ونحن نقول مرّة أخرى حتى لو أخطأت ايران فالأفضل أن نذهب لإيران ونقول لها أنت أخطأتِ، نحن نختلف معكِ. كان هناك خلاف حول بعض التفاصيل المتعلقة بلبنان، طريقة التعاطي مع لبنان وغيرها من القضايا، هناك عدد لا بأس به من القضايا الخلافية.

﴿ هل تشمل هذه الخلافات العلاقات بين سوريا والسعودية وبين سوريا ومصر، يعني بين أكثر من طرف أم انها محصورة مع طرف عربي واحد؟.

÷ بشكل أساسي هي العلاقة السورية المصرية السعودية، كانت تعتبر في السابق هي المثلث. وعلى أهمية هذا المثلث نحن في سوريا نعتقد أن أي دولة عربية مهمة في إطار العلاقات العربية ـ العربية، وكل الدول يجب أن تشارك، ولكن التركيز هو على هذا المثلث، فالتركيز بشكل طبيعي على العلاقة السورية ـ السعودية والسورية ـ المصرية.

﴿ مع مصر بالتحديد أين هي العلاقة، قيل إنه حتى اللقاء الذي حصل في الكويت لم يكن مريحاً للرئيس المصري؟

÷ لا أعرف، هو يحدد. ولكن كان اللقاء كما قلت في إطار واحد: لقاء لكسر الجليد.. أما العلاقة مع مصر فهي على المستوى المؤسساتي تسير بالشكل الطبيعي، يعني الخلاف السياسي لم يؤثر على تراجع العلاقات في المستويات الأخرى، خاصة في العلاقات الاقتصادية والعلاقات الشعبية، السياحة وما شابه، الأمور تسير بالاتجاه الطبيعي. لكن طبعاً على المستوى السياسي لا يوجد أي تعاون، أستطيع أن أصفها بالعلاقة الباردة، يعني لا توجد زيارات على المستوى السياسي بين سوريا ومصر منذ سنوات، هذا كما اعتقد هو الوصف المناسب لهذه العلاقة.

﴿ هل يسيء القاهرة أن ترى نوعا من التحسن في العلاقة بين سوريا والسعودية؟

÷ لا استطيع أن احدد، لكن بشكل منطقي لدينا مصلحة، لمصر مصلحة أن تكون العلاقة السورية ـ السعودية جيدة بل حارة والعكس صحيح.

﴿ دائما كان يُحكى في خلال الفترة الماضية عن ثنائية، ثنائية سورية ايرانية في مقابل ثنائية مصرية سعودية. هل هذا هو الواقع القائم فعلا؟

÷ لماذا لا يتحدثون عن ثنائية سورية تركية مثلا؟ هنا تكمن المشكلة. علاقات سوريا مع تركيا لا تقل أبدا عن علاقات سوريا مع ايران، بكل بساطة لا تقل، وأنا لا أبالغ في هذا الكلام. وأنا سألت هذا السؤال لعدد من العرب. تقولون ان سوريا تخضع لايران، لماذا لا تقولون ان سوريا تخضع لتركيا مثلا؟

﴿ هذا ربما ما يطرح أسئلة جديدة، هل هناك مثلا محور سوري ايراني تركي؟

÷ لا، ايضا لا يوجد محور، هناك قضايا كما قلت نلتقي حولها، موضوع العراق يهم سوريا مباشرة، يهم تركيا مباشرة، يهم ايران مباشرة، ربما هناك زوايا تختلف جغرافيا وزوايا سياسيا. بالتالي تختلف في نظرة كل دولة لبعض الأمور التي تهمها أكثر من أمور أخرى في العراق، لكن بالمحصلة نحن نلتقي حول قضية من القضايا هي العراق، نلتقي حول أننا نحن دول قادرة على أن تحسن مسار حركة الأمور بشكل عام في منطقتنا، التقينا ورأينا أنه من الضروري أن نتعاون هو ليس محوراً موجهاً ضد أحد ولكن هو تعاون طبيعي بين دول اقليمية.

٣ـ سوريا ومصر واليمن.. وفلسطين

﴿ نعود الى مصر سيادة الرئيس، قمة الكويت الاقتصادية وضعت المصالحة الفلسطينية في يد مصر، سمعنا مواقف صدرت عن فصائل فلسطينية ترفض أن تتفرد مصر بهذا الدور، هل تستطيع مصر في الوضع القائم وفي ظل رفض هذه الفصائل ان تنجح في لم الشمل الفلسطيني؟

÷ لدينا مصلحة أن تنجح مصر، ومصر موجودة جغرافيا على حدود مباشرة مع غزة، فهي دولة مؤثرة في هذا الإطار. أن تنجح أو لا تنجح يعتمد على علاقة مصر بالأطراف الفلسطينية المختلفة. لكي تنجح كوسيط في أي قضية لا بد ان تكسب ثقة كل الأطراف من دون استثناء، هذا يعتمد على أداء المسؤولين المصريين في هذا الموضوع. فلذلك السؤال ممكن، طبعا ممكن. ما هي المعطيات والمتطلبات؟ هذه المتطلبات فلسطينية تأتي من خلال الفصائل المختلفة والسلطة.

﴿ ما هو مدى تأثير سوريا على الفصائل الفلسطينية خاصة أن الاخيرة تمتلك مقرات أساسية في سوريا، وفي نفس الوقت هي لها مصالح جيوسياسية. سيادتك ذكرت قبل قليل أن هناك حدودا ما بين غزة ومصر، ما هو مدى تأثير سوريا في المصالحة الفلسطينية؟

÷ اليمن قامت بمبادرة للمصالحة في العام الماضي، واليمن ليس لديها حدود مباشرة (مع غزة)، أي دولة تريد ان تلعب دورا تستطيع ذلك، خاصة الدول العربية، لأن الفلسطيني سيكون مسرورا ان يكون هذا الدور عربيا قبل ان يكون أي دور غير عربي. هذا جانب بديهي. الجانب الآخر وجود الفصائل في سوريا له دور في التواصل اليومي مع هذه الفصائل، لكن نحن نرفض سياسة الضغط والإملاء على الفلسطينيين وعلى غيرهم. نحن نقوم بعملية حوار. وجودهم في سوريا بشكل دائم يعني أن نكون قادرين على الحوار معهم بشكل مستمر. ولكن الجانب الأهم الذي يشكل قاعدة لكل هذه الأشياء، ما هي الطروحات الموجودة من أجل المصالحة؟ ما هي خطة العمل؟ ما هي المعايير؟ ما هي الأرضية؟ ما هي المرجعية للمصالحة؟ يعني اذا لم تكن هذه الأمور مطروحة، فلا قيمة لدور أي دولة من الدول اذا كانت مجاورة او بعيدة. المهم في موضوع المصالحة ما هو المنهج الذي سيتم اتباعه، وبناءً على هذا المنهج وهذه المرجعية تأتي الدول لكي تلعب دورها، مصر سوريا اليمن أي دولة أخرى، تركيا الآن ايضا مهتمة.

﴿ هناك مبادرة يمنية جديدة تتحدث عن رعاية سورية وتركية ايضا إضافة الى الراعي اليمني، هل تؤيدون هذه المبادرة؟

÷ بكل تأكيد، ونحن عبرنا عن ذلك بعد القمة العربية في آذار الماضي، من البديهي أن نقول نعم، وأعتقد ان تركيا لديها نفس الحماسة، فلا يمكن أن نرفض سواء من خلال موقعنا في رئاسة القمة العربية أو من خلال موقعنا كسوريا التي هي دائما مهتمة بالقضية الفلسطينية، والقضية الفلسطينية جزء أساسي من القضايا السورية وليست منفصلة عنها.

﴿ هل يمكن لدخول تركيا على الخط أن يعطي دورا مميزا للمبادرة اليمنية؟

÷ أعتقد ذلك، لأن السياسة التركية أثبتت مصداقيتها في الأعوام القليلة الماضية وأثبتت حرصها على قضايا العرب بشكل لا يقل عن حرصنا نحن. فأعتقد أن الدور التركي ايجابي في هذا الإطار ونحن نؤيد الدور التركي في كل هذه القضايا.

٤ـ العلاقة مع إيران

﴿ ندخل في محور جديد، علاقتكم مع ايران: هل هي علاقة تخضع لمعايير المصالح السائدة في العلاقات الدولية؟.

÷ لو عدت الى هذه العلاقة من عام ١٩٧٩ بعد قيام الثورة، فهي علاقة ثابتة وتتطور باستمرار وهي علاقة استراتيجية واثبتت فاعليتها وأهميتها في كل القضايا التي مرت على منطقتنا. منذ ذلك الوقت منذ ثلاثة عقود بالضبط، هي ليست عابرة على الاطلاق الا اذا كانت ايران ظرفية في وجودها وهي ليست دولة ظرفية، هي موجودة منذ الآف السنين كما نحن، فليس أمامنا خيار الا أن نكون بعلاقة مستمرة ومستقرة.

﴿ لماذا دوما يقال ان تحسن العلاقات العربية ـ العربية مرهون بافتراق بين سوريا وايران، وذكرتَ سيادتك قبل قليل أنه من القضايا الإشكالية العلاقة مع ايران، فلماذا يجب ان تفترق سوريا وايران كي تتحسن العلاقات العربية؟.

÷ البديهي أكثر أن نقول ان العلاقات العربية ـ العربية مرهونة بإيقاف العلاقة مع اسرائيل وليس مع ايران، وهذا ينقلنا للجواب، المحاولة منذ سنوات هي خلق العدو البديل كي لا نفكر بالعدو الأصلي أو الحقيقي.

٥ ـ مبادرة السلام العربية

﴿ الملك عبد الله بن عبد العزيز اقترب في قمة الكويت الى منتصف موقفكم تقريبا تجاه المبادرة العربية، هل تعتبر هذا مكسبا لكم، أم ان صفحة المبادرة قد طويت أصلا بعد حربي لبنان وغزة؟.

÷ ما دامت المبادرة مرتكزة على السلام، فعدم وجود السلام يعني عدم وجود المبادرة، المبادرة في الماضي كانت تُقتل من قبل اسرائيل، اسرائيل ترفضها واسرائيل تواجهها بالمجازر، فإذاً هي غير موجودة. من الجانب العربي لا يوجد سلام، فالمبادرة من دون سلام لا قيمة لها، المبادرة مبنية على السلام. اذا تم تحقيق السلام بناء على هذه المرجعيات توقّع الدول العربية، عدا ذلك فنحن نفاوض بناء على المرجعيات وليس بناء على المبادرة. المبادرة ليست مرجعية، المرجعيات موجودة: حق العودة والى آخره...

علينا أن نسأل أنفسنا هذا السؤال: لو اتى اليوم اولمرت وقال أنا مستعد للسلام فماذا نقول له؟ نقول له أنت مجرم، لا نفاوض مجرمين بكل بساطة. فهنا لا يوجد سلام وهناك لا توجد مبادرة عربية.

المبادرة العربية مطوية من قبل، لكن اعلنا كنوع من الرسالة للخارج بأنها معلقة، يعني كل عملية السلام معلقة وليس فقط المبادرة.

ثبت بالمفاوضات المباشرة أن اسرائيل غير راغبة بالسلام وغير قادرة اذا كانت هناك رغبة لدى البعض. الحد الأدنى أن يكون هناك رئيس حكومة قوي لأن رئيس حكومة قويا في اسرائيل يستطيع أن ينجز السلام، أما رئيس حكومة ضعيف فيستطيع أن ينجز حرباً.

في اسرائيل بشكل عام لا توجد رغبة بالسلام، على مستوى الشخص (اولمرت) لا استطيع أن احدد اذا كان يراوغ، لكن انطباعا عن اسرائيل ككل هي غير قادرة وغير راغبة بالسلام.

٦ـ العلاقة مع واشنطن

﴿ سيدي الرئيس، ثمة من يرى تحولا في المشهد الدولي : تولي اوباما الرئاسة في الولايات المتحدة وهو تحدث برسالة إيجابية إلى العالم الاسلامي وقال ان لا حروب جديدة، وعيّن مبعوثا جديدا إلى الشرق الاوسط وتحدث أيضا عن الحوار مع الخصوم السابقين. كيف تنظر سوريا إلى هذا التغير؟

÷ نريد أن نكون متفائلين، دعنا ننظر إلى هذا الموضوع نظرة متفائلة بدون أن تكون لدينا توقعات أو آمال كبيرة. نظرة تفاؤل على أنه لا توجد حروب جديدة، على أنه سيكون هناك حل للموضوع العراقي تجلى بالتزام أوباما بالانسحاب من العراق، طبعا بالتوازي مع عملية سياسية. والنقطة الثالثة هي انغماس هذه الادارة بشكل جدي في عملية السلام. ما رأيناه في الاسابيع الماضية وفي نهاية العام المنصرم: رغبة من هذه الإدارة المنتخبة قبل أن تصبح في موقعها الحالي لاستطلاع الوضع في الشرق الاوسط في ما يتعلق بالسلام بالدرجة الاولى وفي ما يتعلق بموضوع العراق. لدينا مؤشرات إيجابية لكن تعلمنا أن نكون حذرين، أن لا نُخضع حساباتنا لهذه المؤشرات فما دام لا يوجد شيء ملموس، فعلينا أن نفترض أن الأمور لم تتغير بعد.

﴿ هل انتهت تلك الصفحة السوداء عندما وضع كولين باول شروطا للحوار مع سوريا؟ هل سيبدأ حوار سوري ـ أميركي قريبا ؟

÷ ما دامت هناك شروط فلن يكون هناك حوار، هم يعرفون هذا الشيء، لكن أعتقد أن هذا الحوار بدأ كما قلت منذ أسابيع بشكل جدي من خلال شخصيات مقربة من الإدارة أرسلت من قبل الإدارة للحوار مع سوريا.

﴿ هل من مؤشرات على زيارات قريبة لهيلاري كلينتون أو جورج ميتشل إلى سوريا؟

÷ لم نبلغ بعد حتى هذه اللحظة.

﴿ أنت قلت عندما يتم وضع شروط مسبقة ليس هناك من حوار، ليس لديكم شروط أنتم لبدء هذا الحوار، وهل هو حوار من أجل الحوار، أم يتطلب تحسينا للأداء الاميركي تجاهكم؟

÷ لا توجد شروط للحوار، أنت تتحاور مع الجميع، لكن التوصل إلى التقاء أو توافق من خلال هذا الحوار بالتأكيد له شروط والشرط الوحيد لدينا هو مراعاة المصالح السورية.

﴿ هم كانوا يضعون الشروط من قبيل أن على سوريا أن توقف دعمها للمقاومة في لبنان وفلسطين وتزيل مقرات المقاومة الفلسطينية من سوريا. لو أنهم جاؤوا مرة أخرى بشأن قضايا كهذه؟

÷ هل استجبنا في الماضي؟ لم نستجب في الماضي ولن نستجيب لهذه الشروط. أي فرض شروط على سوريا لن نقبل به، لدينا قناعات واضحة ومعلنة وغير مخبأة. في الماضي في أسوأ الظروف وأصعبها قلنا لهم كلا، وسنقول لهم كلا بكل بساطة، وأعتقد أنهم يعرفون هذا الشيء.

٧ـ الأطلسي في المنطقة

﴿ سيادة الرئيس، جرت الإشارة إلى أن من اجتمعوا (من الاوروبيين) في شرم الشيخ مؤخرا أنهم اجتمعوا باسم حلف الناتو، عمليا يجري الحديث عن وجود عسكري أطلسي في البحر المتوسط لمنع ما سمي عمليات منع تهريب الاسلحة الى غزة. هل يقلقكم هذا الوجود العسكري الأطلسي؟

÷ لا يقلقنا هذا الوجود العسكري، يقلقنا عدم فهم الغرب لحقيقة الأمور وبالتالي ينتقل من خطأ إلى خطأ، انا ذكرت هذه النقطة في خطابي عندما قلت ان البعض في الغرب الذي يسمي نفسه بالمتحضر يرى أن المشكلة هي في تهريب السلاح ولا يرى أن المشكلة هي استخدام الأسلحة المحرمة دوليا بالإضافة لوجود الاحتلال كما قلت. هنا المقلق هو عدم استيعاب الغرب للدروس التي يفترض أن يكون تعلمها من خلال الأحداث التي مرت خلال السنوات القليلة الماضية، هذا هو ما يقلقنا.

﴿ ما دمنا تحدثنا عن التاريخ، فهل ترى رابطا بين هذا الاجتماع واجتماع شرم الشيخ عام ١٩٩٦ وكان أيضا ضد المقاومة وسوريا في ذلك الوقت، هل سيؤثر هذا الانتشار العسكري على علاقاتكم الاوروبية وأنتم تملكون علاقة مميزة مع فرنسا الآن؟

÷ نحن مواقفنا واضحة، نحن ندعم المقاومة، كيفما يريدوا أن يذهبوا فهم أحرار، كل هذه الدول تأتي إلى سوريا وتسمع كلاما واضحا، ولم أحدد من هي هذه الدول، لكن الغرب بشكل عام بدأ يتعلم في جانب، طبعا قلت انه لم يتعلم الدرس الضروري لكن هناك دروسا أخرى تعلمها وهي أن المقاومة لديها دعم شعبي وأنه لا يمكن استئصالها وبدأ بناءً على ذلك يغير من فكرة عزل المقاومة، وبعض المسؤولين الاوروبيين بدأوا يلتقون سرا بهم في سوريا بمعرفتنا وبالتنسيق مع سوريا، فهم الآن في مرحلة انتقالية ربما، أعتقد أنهم خلال سنوات سيتعلمون كل الدروس.

٨ ـ لبنان: »المحكمة« والسفارة

﴿ ننتقل إلى لبنان، في لبنان كلام كثير عن المحكمة الدولية وعن انطلاق عملها، والبعض يتحدث أن المصالحات العربية ـ وأنت بينت حقيقة ما جرى ـ لا تشمل المحكمة التي ستبقى سيفا مصلتا على سوريا. هل تخشى سوريا شيئا من هذه المحكمة؟

÷ لا أعرف بالضبط ما هو الرابط بين المحكمة والعلاقات العربية، فبحسب معلوماتي المتواضعة المحكمة هي محكمة دولية وليست عربية، لذلك لا يوجد أي ربط بين العلاقات العربية ـ العربية والمحكمة. النقطة الثانية بالنسبة للمحكمة موقفنا

معلن: هذه المحكمة هي محكمة دولية لكن المواطن السوري يخضع للقضاء السوري. إذا كانت هناك رغبة بأي تعاون بين القضاء السوري والمحكمة الدولية كقضاء دولي فيجب أن تكون هناك اتفاقية تحدد الحقوق والواجبات كي يكون هناك تعاون كأي تعاون بين أي نظامين قضائيين ولا توجد لدينا أي مشكلة في هذا الموضوع.

﴿ هل ترى سوريا في الوضع الدولي الجديد بعد فوز أوباما، فضلا عن علاقاتكم الطيبة بفرنسا، وأيضا مرة أخرى المصالحات أو العلاقات العربية المستجد، هل ترى ضمانة لعدم تسييس هذه المحكمة، وكانت الخشية دائما على مستوى الناس في لبنان وربما أيضا في سوريا هي تسييس هذا الموضوع؟

÷ لا توجد صلة بين علاقة سوريا مع هذه الدول العربية وقضية التسييس، وإنما هذا أمر مرتبط باللعبة الدولية ككل، ما هي الأهداف الدولية. وبالتالي لو كانت لدينا علاقات جيدة مع الغرب، إذا كان البعض يريد أن يسيس المحكمة سيفعل ولن يتوقف عند علاقاته مع سوريا، فاللعبة لعبة مصالح وتوازن قوى، فإذا كنت قويا ستقف في وجه لعبتهم السياسية إذا كانت القضية سياسية. برأيي أن المعارك السياسية مستمرة ونحن لن نستسلم. سواء تحسنت العلاقات مع الغرب أم لم تتحسن، نحن لا نغير موقفنا بالنسبة للقضايا المبدئية وبالنسبة للمصالح السورية، فإذا كانوا يريدون أن يضعوا هذا الموضوع جزءا منها، فهذا امر يخصهم وهم لديهم الكثير من المواضيع ليضعوها وليس فقط موضوع المحكمة.

﴿ لوحظ تطور كبير في العلاقات السورية الفرنسية وهناك من يقول ان هذا الامر مرتبط بما يحدث في لبنان. ما مدى دقة هذا الموضوع؟

÷ لم نناقش معهم هذا الموضوع لا من قريب ولا من بعيد.

﴿ هل طرح موضوع لبنان والمحكمة الدولية وغير ذلك ضمن موضوع العلاقات السورية ـ الفرنسية؟

÷ موضوع المحكمة لم يطرح، هناك اهتمام فرنسي بلبنان بشكل عام ولكن نحن قلنا لهم منذ البداية ما قلناه لإدارة شيراك في السابق: لا يمكن أن تمر العلاقات الفرنسية ـ السورية عبر لبنان، هذا الشيء مرفوض وهناك تفاهم حوله، لكن نحن نقدر العلاقة الفرنسية ـ اللبنانية وهي ليست ضارة وليس بالضرورة أن تكون ضد مصالح سوريا، بالعكس إذا كان هناك تفاهم سوري ـ فرنسي فهذا يخدم العلاقة اللبنانية ـ السورية واللبنانية ـ الفرنسية. لكن لا يوجد أحد يشرف على العلاقة السورية ـ اللبنانية، وهذا الكلام أيضا سمعوه مني شخصيا منذ زيارتي الاولى إلى فرنسا، مرورا باللقاءات المختلفة معهم، لا يوجد احد لا بالتفاصيل ولا بالعناوين.

﴿ سيادة الرئيس، ربما حكي عن المصالحة التي جرت في الكويت، هل سيكون انعكاس لهذه المصالحة ـ لو تطورت إلى حوار ـ على علاقة سوريا مع بعض القوى في لبنان وعلى ما يسمى بفريق ١٤ آذار؟

÷ إذا كانت هذه القوى تراهن دائما على التوازنات الخارجية والإقليمية، بكل تأكيد ستنعكس قبل كل شيء، أي ستكون لها انعكاسات مباشرة، أما القوى التي تراهن على لبنان الوطن المستقل القوي فهي لا تتأثر بمثل هذا النوع من العلاقات. طبعا إذا كان هناك علاقات عربية عربية جيدة، فهي ستنعكس إيجابا على أي دولة عربية بشكل غير مباشر وليس بشكل مباشر لأن الانعكاس المباشر يعني أن هذه القوى تربط مصالحها ومصالح البلد بالخارج وليس بالداخل.

﴿ سيدي الرئيس سؤال أخير، في لبنان أيضا حديث عن تأخر سوريا في تعيين سفير لها في لبنان. لماذا لم تعين سوريا سفيرا إلى الآن؟

÷ هل لديهم توقيت معين كان يجب أن تراعيه لسوريا لتعيين سفير لها في لبنان؟. لا يوجد تأخير وهناك عملية تمر بشكل طبيعي، فتحت السفارة وأرسل الدبلوماسيون وبدأوا عملهم وهم يقومون بعملية تأسيس لهذه السفارة، ولاحقا سيتم تعيين سفير. بالعكس ضمن عملية تعيين سفير وفتح سفارة، هي أسرع من أية عملي أخرى بالنسبة لنا في سوريا، لكن الشيء المؤكد هو أنه إذا لم يكن لدينا رغبة في إرسال سفير لما كنا فتحنا سفارة، ولما استطاع كل هذا العالم ان يجبرنا على إرسال سفير إلى لبنان.

٩ ـ مستقبل المنطقة

﴿ هل المنطقة مقبلة على تسويات كبرى أم على حروب، إلى أين تذهب المنطقة الآن؟

÷ نرى أملا أكبر بتسويات وليس بحروب، بعد أن ذهبت الإدارة التي تبنت بشكل رسمي مذهب الحرب الاستباقية الذي هو مذهب حرب فقط. نأتي على إدارة ترفض هذا المبدأ مبدئيا وتحدثت عن رغبتها في الانغماس بالسلام، فالمؤشرات أكثر إيجابية. لكن أعود وأقول علينا أن نكون حذرين وأن لا نبالغ بالتفاؤل، هناك توازنات كثيرة داخل الولايات المتحدة نفسها ولا نعرف ما هو الدور الأوروبي بعد، أوروبا لم تحدد هويتها المستقبلية حتى الآن ونحن نسألها ماذا تريد أوروبا؟ لا يوجد وضوح، هناك توازنات لم تظهر على مستوى العالم، فستبقى هناك توازنات وتغيرات لكن أكثر باتجاه التسوية وليس باتجاه الحروب.