يوم القدس .. الإمام الخميني يسقط صفقة القرن بقلم حسن لافي

الساعة 03:34 م|04 يونيو 2019

فلسطين اليوم

يوم القدس .. الإمام الخميني يسقط صفقة القرن

حسن لافي

الجانب الأخطر في صفقة القرن ليس الشق السياسي الهادف إلى شطب القضية الفلسطينية بالكامل، وتحويلها إلى قضايا إنسانية معيشية، تحتاج إلى حلول  اقتصادية، بعيدةً عن قضايا الحرية، تقرير المصير، الحفاظ على الهوية الوطنية، والرواية التاريخية, رغم اهمية تلك العوامل إلا أنها تبقى في اطار المساعدة والتمهيد لانجاح الصفقة, التي يحتل الجانب الثقافي الفكري  المركز الرئيس فيها, فالمعركة الحقيقية ضد صفقة القرن تخاض في ساحات الوعي، والادراك للشعوب العربية والاسلامية أكثر منها في ساحات الحرب والسياسة.

يأتي يوم القدس لهذا العام في ظل الظروف الأصعب، التي تمر على مدينة القدس بشكل خاص، وعلى القضية الفلسطينية بشكل عام، التهويد يبتلع حضارة المدينة الاسلامي والمسيحي، الاحلال التوراتي المتسارع لتاريخ  القدس, المحاولات المتكررة لعبرنة المسجد الأقصى المبارك، من خلال السعي إلى تقسيم المسجد مكانياً وزمانياً، بواسطة الاقتحامات المتكررة من جماعات بناء الهيكل اليهودي المزعوم، في عملية مستعرة لفرض واقعاً يهودياً يطمس هوية المدينة المقدسة، ناهيك عن الخطة الإستطانية لضم مناطق واسعة من الضفة الغربية لدولة الاحتلال، ليتلاشى بذلك آخر سحابات سراب حل الدولتين، الغريب في الأمر أن دول التطبيع العربي _ رغم كل ذلك_ تهرول للارتماء بالحضن الصهيو_ أميركي، مبتعدة عن القدس قضية الأمة المركزية, لينجح "دونالد ترامب" في  كي وعي الأمة الاسلامية والعربية، كما يخطط من وراء صفقة القرن .

اعتراف ترامب أن  القدس عاصمة اسرائيل اليهودية ونقل سفارة بلاده إليها، ومن ثم الاعتراف بهضبة الجولان السورية أرضاً اسرائيلية، السعي الدؤوب  لتشكيل "حلف دم" عربي_إسرائيلي في المنطقة على غرار أحلاف جاهلية قريش, في مواجهة عدو وهمي مشترك، اسمه محور المقاومة بقيادة الجمهورية الاسلامية في ايران.

رحم الله الإمام الخميني ذو البصر والبصيرة, ففي الوقت التي كانت تُسطِّر الثورة الايرانية نجاحها الأول على قوى الاستكبار العالمي، جعل الإمام من  القدس بؤرة وحدة الأمة والتقائها, لتحظى المدينة بمكانتها المركزية في وعي، فكر، وفعل الأمة، موجهاً بوصلة العداء الحقيقية تجاه مَنْ يحتل القدس ويسعى لتهويدها.

يعتبر يوم القدس العالمي وصية الإمام الخميني للأمة أن تبقى القدس وفلسطين القضية المركزية للأمة، وليس فقط للثورة الإيرانية, الأمر الذي تترجم بالدعم الإيراني المستمر للمقاومة الفلسطينية، والعمل على تطوير قدراتها القتالية، وصولاً إلى قصف تل أبيب بصواريخ فجر ايرانية الصنع عام 2012م، وإعادة قصفها بصواريخ فلسطينية الصُنع بخبرات ايرانية عام 2014م، وصولاً لإدخال المقاومة الفلسطينية لسلاح  الطائرات المُسَيرَة لأول مرة في تاريخ الصراع مع الاحتلال عام 2019م, بذلك منح الامام الخميني رحمه الله الشعب الفلسطيني، ومقاومته القُدْرَة، والمقدِرَة على أن ترفض صفقة القرن بخطوات عملية على أرض الواقع، دون الاكتفاء فقط بالرفض السلبي للمخطط الصهيو_امريكي.

المقارنات في يوم القدس باتت أكثر وضوحاً، ففي الوقت التي تستعد دولة البحرين تطبيق الجانب الاقتصادي من صفقة القرن، من خلال ما يسمى ورشة "السلام والازدهار", من أجل أن يدفع العرب المشاركين ثمن فاتورة الاحتلال الصهيوني لفلسطين ولمدينة القدس، تقدم الجمهورية الاسلامية في ايران الأموال في سبيل تعزيز صمود حواضن المقاومة الفلسطينية، من عوائل شهداء، جرحى، وأسرى, لتستمر المقاومة الفلسطينية في حربها من أجل تحرير القدس.

رغم سرعة التطبيع العربي الاسرائيلي، إلا أنه في المقابل تتسع جغرافية احتفالية يوم القدس, العراق الذي أراد "بول بريمر" اخراجه من معادلة الصراع العربي_ الاسرائيلي إلى مربع التطبيع العربي_ الاسرائيلي, الشباب العراقي يُعلن أن خياره الأصيل مقاومة المشروع الصهيو_ اميركي في المنطقة, وانحيازه الكامل إلى القدس, حتى اليمن التي يُمارس عليها أبشع صور الظلم والقهر, تأبى إلا أن تخرج بعشرات الآلاف من جماهيرها لتقول: أن القدس  حاضرة بقوة في وجدان الشعب اليمني, المسيرات العسكرية في دمشق العروبة، وبيروت المقاومة في يوم القدس تؤكد وحدة مصير جبهات المقاومة في حربها مع الاحتلال الصهيوني.

أمام هذا المشهد حُقَّ على الفلسطينيين ربط  يوم القدس العالمي بفعلهم الجماهيري، المُمثِل للكل الفلسطيني "مسيرات العودة وكسر الحصار", رسالة للعالم أن الفلسطيني ليس وحده في مواجهة صفقة القرن, بل هناك محوراً أصيلاً في الأمة يخوض مع الفلسطيني معركة القدس والعودة, وأنه مهما تعالت أصوات المُطَبِعين مع "اسرائيل" إلا أنهم في انحسار، وأن مساحة القدس تتسع  في قلوب، عقل، وفعل شباب الأمة.

إعلان الإمام الخميني رحمه الله قبل أربعين عاماً أن الجمعة الأخيرة من شهر رمضان  يوم القدس العالمي, حين ربط المسلمين في لحظة ذروة إيمانهم في القدس, أفشل الجانب المركزي، والأساسي في صفقة القرن (الوعي), وحَصَّن العقل الجمعي للأمة, بحيث لن يأتي أبداً اليوم الذي يصبح به  "عمر" المُهجرْ من دير ياسين و"عثمان" ابن الشهيد في مدرسة "بحر البقر" و "علي" الذي قصفت عائلته في ملجأ العامرية، حلفاء مع "اليعزر" أحد قادة الإيتسل، و"حاييم" من لواء جولاني، و"حتسقيلي" من وحدة "كيدون" في الموساد بل عمر، علي، عثمان، ومعهم كل شباب الأمة، ستبقى بنادقهم بوصلتها موجهة صوب القدس، وتجاه قلب عدو الأمة المركزي "الحركة الصهيونية"، وراعيها الشيطان الأكبر "أميركا".

كلمات دلالية