عقدة ليبرمان.. اسرائيل اليوم

الساعة 02:55 م|31 مايو 2019

بقلم

(لم يرغب ليبرمان في اسقاط نتنياهو ولكنه اراد أن يثبت نفسه ليس كخرقة يمكن لنتنياهو ان يستخدمها ويلقي بها بل شريكا مقررا حقيقيا).

من يعرف افيغدور ليبرمان – وليس هناك شخص يعرفه اكثر من بنيامين نتنياهو – ما كان له ان يتفاجأ من استعداده للسير حتى النهاية. فليبرمان يتصرف بشكل غير متوقع منذ أن بدأ حياته العامة. فقد ترك منصب مدير عام ديوان رئيس الوزراء بعد سنة ونصف فقط من تعيين نتنياهو له في 1996. دخل وخرج من حكومة ايهود اولمرت في توقيت احد لا يفهمه، على حد قوله في ذاك الوقت "لاعتبارات المسؤولية الوطنية".

بخلاف كل التوقعات والتنبؤات من المحللين، لم يدخل الى ائتلاف بنيامين نتنياهو في 2015. وكذا ترك الحكومة ومنصب وزير الدفاع في 2018 ظاهرا ليس وفقا لمصلحته السياسية. هكذا بان من اعتقد ان انضمامه الى حكومة نتنياهو الخامسة في 2019 سيكون تلقائيا ومضمونا – لم يقرأ الخريطة على نحو صحيح.

النجم امام محطم الاواني

فما الذي يريده ليبرمان إذن؟ في اساس الامر، فان الخلاف الدوري العسير بين ليبرمان ونتنياهو يميز ثلاثة عقود من علاقات الحب – الكراهية بينهما. نتنياهو هو النجم، مغناطيس المقاعد، رئيس الوزراء الذي يفترض أن يقود، والذي يوجد له ولليبرمان فكر مشابه بما يكفي في المواضيع المختلفة على جدول الاعمال.

كلاهما آمنا ذات مرة بالنظام الرئاسي، بالحاجة الى اسقاط حماس، او حتى باخلاء الخان الاحمر. المشكلة هي ان عمليا يجسد نتنياهو دوما سياسته وفقا لاحتياجات الساعة بينما ليبرمان، على الاقل في نظر نفسه، يحاول ان يكون من لا يأبه بالحساب.

وهكذا، رغم أن الكابينت قرر اخلاء الخان الاحمر، ورئيس الوزراء تعهد بذلك بصوته، فانه عمليا يطلق تعليمات مكتوبة لوزير الدفاع ليبرمان الا يفعل ذلك. او، وزير الدفاع ليبرمان يريد أن يتخذ عملا عسكريا حادا في غزة، ولكن رئيس الوزراء نتنياهو لا يسمح له بذلك. او، ليبرمان كمدير عام ديوان رئيس الوزراء في 1996 يريد أن يغلق سلطة البث ولكن نتنياهو نفسه، الذي يكره سلطة البث، مع ذلك يمنعه من اغلاقها. هكذا في الف وواحدة من المسائل التي صعدت وهبطت على مدى السنين.

تدور هذه الالية بين الرجلين منذ بدآ التعاون في 1988، وتتسبب لليبرمان بطلاق نتنياهو في كل مرة من جديد، ولكن العودة مرة اخرى للارتباط به. من ناحيته لا يمكن بدون بيبي، ولكن ايضا لا يمكن بدونه.

ليس لليبرمان خيار غير الارتباط سياسيا بنتنياهو، الذي يجترف الكثير من المقاعد. ولكن منذ أن كان مدير عام ديوان نتنياهو، عبر ولايته كوزير للخارجية ووزير الدفاع لديه، في كل مرة من جديد، سرعان ما يفقد الاهتمام، يتفجر ويحطم الاواني، كي يجبر نتنياهو على عمل ما يؤمن به هو نفسه. بعد ذلك، بغياب بديل سياسي، يعود الى اذرع بيبي وهلمجرا.

اختبار هنية

في الظروف الحالية، بعد ان تحطمت مصداقيته كوزير للدفاع كونه لم يصفِ هنية بعد 48 ساعة ولان الردع لحماس ضاع منذ الربيع الماضي – كان ليبرمان ملزما بان يعيد بناء صورته كشخص "كلمته هي كلمة". لعله يجر كل الدولة الى انتخابات. ولكن نتنياهو لن يجعل منه خرقة كوزير دفاع – هكذا على الاقل يرى ليبرمان الامور.

هل يريد ليبرمان اسقاط نتنياهو؟ لا يوجد لذلك أي دليل، وعمليا يعرف ليبرمان بان التوجه الى الانتخابات يعرضه هو الاخر للخطر. يحتمل ان يعزز الناخب ايفات الذي اصر على طلبه تجنيد الاصوليين. بذات القدر هناك احتمال بان يعاقبه الناخب على اسقاطه حكومة يمينية. هكذا بحيث أنه من الصعب ايجاد سند لادعاء المؤامرة الذي بثه نتنياهو على مدى الاسبوع. وبالمناسبة، لو كان ليبرمان يريد اسقاط نتنياهو، ما كان سيوصي به من البداية لدى الرئيس بل وكان سعى الى تكليف نائب آخر من الليكود او خارجه، بمهامة تشكيل الحكومة. وهي امور لم تحصل.

من اقوال ليبرمان في المؤتمر الصحفي الذي عقده يوم الخميس، يتبين تطلع واضح: اذا كان الجمهور سيثيبه بالفعل في صناديق الاقتراع ويصل الى عدد من منزلتين من المقاعد، فان طلبه في المفاوضات الائتلافية التالية سيكون تناوب على رئاسة الوزراء. هذا هو التفسير في أنه لن يتعهد بالتوصية بنتنياهو، ولكنه تحفظ من بني غانتس.

نهاية كل نهاية، ديمقراطية

إذن هكذا، النتيجة غريبة قليلا ولم تحصل في اسرائيل ابدا. ولكن الازمات السلطوية تحصل في الديمقراطيات. راجعوا آخر الاخبار عن بريطانيا العظمى التي منذ سنتين وهي غارقة في ازمة البريكزيت او اطلوا على بلجيكا، السويد واسبانيا التي تتعثر حكوماتها منذ سنين بازمات متكررة. حكومة اقلية، حكومة انتقالية او كل نوع آخر من الحكومة غير المستقرة اسوأ بكثير من العودة الى الصناديق حتى لو كان للمرة الثانية في غضون نصف سنة.

مع مراعاة الجنون الذي ميز انتخابات الشتاء، ثمة أمل ما في ان انتخابات الصيف ستبدوا بشكل مختلف. فالانتخابات التي اجريت في نيسان لم تكن موضوعية بل مفعمة بالاحابيل، الاكاذيب والشخصيات الملفقة. من فايغلين عبر اليمين الجديد وحتى أزرق أبيض – كان الجمهور عرضة للالاعيب والدوامات. الخطاب الجماهيري، كما نتذكره جميعنا لم يكن موضوعيا بل حماسيا، عنيفا وعديم كل صلة بمسائل السياسة والطريق.

في المعركة الجديدة، وبالذات لان السياسيين، النشطاء، الصحافيين ومستشاري الاعلام تعبون، يوجد احتمال بان يكون الخطاب اكثر موضوعية واقل عنفا بقليل. اما القصص السياسية من اليمين ومن اليسار فستتفكك. والشخصيات ستتبدد. والمقاعد الضائقة عن تذهب هباء. الجمهور الاكثر نضجا وتجربة سيعرف على ماذا يصوت. اذن بالطبع الانتخابات مرتين في سنة واحدة ليست وضعا مرغوبا فيه ولكن ايضا لا ينبغي أن نفزع. ففي نهاية كل نهاية، هذه هي الديمقراطية.