بطرف صناعي وعمل شاق.. الشاب أبو جامع يتحدى الواقع الصعب

الساعة 12:24 ص|31 مايو 2019

فلسطين اليوم

يفك طرفه الصناعي من قدمه ويلقي به جانبًا، يأخذ نفسًا عميقًا، ثم يلقي بظهره إلى الأرض، فيما يعمُّ الصمت لثوانٍ قبل أن يعدِّل جلسته ويمسك ببعض الأدوات ويبدأ رحلته مع ثقب وتفكيك الأجهزة بحثًا عن "كنزه الأصفر".

من حينٍ لآخر تتناوب على الشاب أمير أبو جامع ذكريات إصابته خلال عدوان الاحتلال الإسرائيلي على غزة عام 2014، وكيف نجى بأعجوبة من الموت المحقق، لكنَّ واقع الحياة القاسي، وسعيه وراء لقمة العيش يبدد جميع الأفكار ليعيده لما بين يديه.

يقطن ابن الـ(24 عامًا) بلدة بني سهيلا الريفية الحدودية، شرقي مدينة خان يونس، جنوبي قطاع غزة، ومنذ صغره يعمل في جمع الخردة والنحاس، وذلك تماشياً مع بيئته، فأينما وقع نظرك تجد أكواماً من النفايات الصلبة والبلاستيكية والأدوات الكهربائية التالفة.

ويروي أبو جامع لمراسل "فلسطين اليوم الإخبارية" بدايته مع هذه المهنة قائلًا: "منذ صغري أعمل في مهنة جمع الخردة، إذ كنت أذهب مع والدي إلى عمله في جمع النفايات الصلبة بدير البلح وذلك قبل الانسحاب الإسرائيلي عام 2005".

ورث أمير مهنة أبيه واتخذها مصدرًا للرزق رغم المشقة الكبيرة التي يتعرض لها، ورغم إصابته التي فقد فيها قدمه إلا أنه تمسك بعمله الذي لا بديل عنه بالنسبة له، فزادت المشقة مع الطرف الصناعي، وكثرت التحديات.

يروي أمير معاناته في العمل فيقول: "تزوجت بعد عام وضاقت بي السبل ولم أجد مصدر رزق، فقررت العودة للعمل في الخردة، مستعينًا بالعديد من العمال من الأقرباء والجيران".

وبصوت منهك بطيء يستجلب الأحداث يشرح أبو جامع: "بعد أن استقل دراجتي النارية "التكتك" ويذهب صوتي في رحلة نداءٍ عبر بوقٍ مثبت على الدراجة (نحاس.. ألمنيوم.. خردة..)، يكون هناك زبون لديه ثلاجة أو غسالة متعطلة في منزله خاصة إنّ كان في مبنى سكني مرتفع يريد بيعها، فلا أستطيع حملها وإنزالها للتكتك؛ ما جعلني أكتفي بمعاينتها، واستعين بعمال لحملها، وهذا الأمر يضاعف النفقات".

لا تتوقف المعاناة لهذا الحد، فأمير يذهب في بعض الأحيان تحت أشعة الشمس الحارقة متكئ على عكازيه، لمكبات نفايات في بعض الأحياء بحثًا عن القطع النحاسية والمخلفات البلاستيكية والصلبة، ونقلها لمكان سكنه الذي تحول متجرًا له.

قبل أن يكتمل مشهد المشقة اليومي وتسدل الشمس آخر خيوطها، تنحني جبهة "أمير" لبضاعته التي يقتات منها، يمسك الشاب بمنشار آلي ويبدأ بقص محركات الغسالات والثلاجات وأجهزة التلفاز، لاستخراج النحاس منها، وهو لب رزقه.

الآن وبعد أربع سنوات، زادت نفقات أمير وعائلته الأمر الذي جعله يقضي أوقاتاً أكثر في عمله ما بين فرزٍ المخلفات وبيعٍها للتجار وشراء وجمع كميات مماثلة.

وفي حديثه شدد أمير على ثقته وفخره بنفسه معبراً بكلماتٍ قوية قائلاً "واجهت تحدياتٍ كبيرة، كافحت لأجل لقمة العيش، ولأجل ألا أحتاج أحدًا، وعملت في مهنةٍ شاقةٍ جدًا، وتحملت البرد والمطر شتاءً والأجواء الحارة صيفًا؛ فلم أجد بديلاً عن تلك المهنة، ووضعت بين خيارين إما العمل بها وتحمل المشقة، أو الاستسلام للواقع والعيش عالة على المجتمع".

العاملون في مهنة "الخردة" وهو منهم يعانون من التسويق للبضاعة، فمعظمها تذهب للسوق المحلية، وقليل منها ما يتم تصديره للخارج؛ فالتصدير في أعوام الحصار الماضية كان متوقفًا، ولم يسمح سوى في الأعوام الأخيرة سوى بتصدير كميات محدودة.