قراءة معمّقة للمشهد السياسي الحالي

الساعة 04:30 م|24 مايو 2019

فلسطين اليوم

قراءة معمّقة للمشهد السياسي الحالي: مؤتمر المنامة الاقتصادي، صفقة القرن، والحرب على إيران

بقلم: أبو البراء مشتهى

محاولات تصفية القضية الفلسطينية تسير على قدم وساق وبأشكال مختلفة، إما بالعسكر أو بالسياسة أو بالاقتصاد (الرشوة)، حتى الرشوة الاقتصادية تبقى محتملة وليست ناجزة وهي الاقرب لأن تكون أوهام، تماما كما حدث قبل اتفاق أوسلو عندما قالوا بأن مناطق السلطة الفلسطينية ستصبح سنغافورة وإن كثير من البشر قد آمن بذلك.

جوهر القضية والصراع والخلاف هو سياسي، ومن المعلوم أن الحل السياسي يأتي أولا ثم بعدها يأتي السلام بأنواعه بما فيه السلام الاقتصادي وليس العكس، وان تناول الحلول للصراع القائمة من جوانب اقتصادية أو قانونية أو انسانية بعيدا عن الحل السياسي، لا يمكن أن تستقيم وتؤشر بقوة الى عدم توفر الحل بعد.

المقاربة الانسانية لحل الصراع من بوابة تحسين الشروط المعيشية للشعب الفلسطيني تحت الاحتلال باتت مرفوضة من الكل الفلسطيني، لذلك طرح الحل الاقتصادي قبل الحل السياسي مرفوض بدرجة امتياز، فالشعب الفلسطيني ليس شعب متسول، حتى لو تم تحسين وضع الشعب الفلسطيني المعيشي وهذا حقه، لكن لا يمكن أن يتم حل القضية الفلسطينية من خلاله.

البحرين تبكي حال الشعب الفلسطيني وحالة البؤس التي يعيشها من جوع وحصار، وهي بذلك بررت انعقاد الورشة الاقتصادية على اراضيها، البحرين التي لم تساهم بدعم الأونروا هي ذاتها الآن تريد أن ماسورة المليارات للشعب الفلسطيني في تلك الورشة الاقتصادية، إذن الكذب والتضليل والخداع واضح، أيها النظام البحريني اذا أردت مساعدة الشعب الفلسطيني، افتح له آفاق في التشغيل بدلا من طرده من البحرين، إدعم الفلسطيني بشكل مباشر، أو ادعم الأونروا بالحد الأدنى، او ادعم صمود الشعب الفلسطيني ومقاومته، أما أن تبكي على الشعب الفلسطيني لتظهر الحرص على تحسين وضعه!!!.... إن ما تريده هو تحسين الوضع المعيشي الفلسطيني ولكن بثمن سياسي من خلال تبني الشق الاقتصادي لصفقة القرن، اما الشق السياسي للصفقة فهو تم الاعلان عنه سلفاً والمتمثل بإعلان القدس عاصمة للدولة اليهودية وتجاهل قضية اللاجئين وضم الكتل الاستيطانية بالضفة.

مؤتمر المنامة بالبحرين هو خداع واضح ومناورة واضحة وفيه شراء ذمم، وانه من حق الشعب الفلسطيني أن يتعلم ويتعالج ويأكل ويشرب لكن ليس مقابل بيع الوطن، فالشعب الفلسطيني يا سماسرة الأوطان لو أن له استقلال سياسي فإن موازنته من صادراته ووارداته وانتاجه تقدر بحوالي 7 مليار دولار، وعندها لن يحتاج لا لأمريكا ولا لأوروبا ولا لكل الدول العربية، لذلك أيها النظام البحريني اذا أردت أن تساعد الشعب الفلسطيني ساعده بتحرير فلسطين عندها سيصبح للفلسطينيين كيان، حينها يستطيع أن يزرع وينتج ويبيع ويشتري ويقيم علاقات مع الآخرين ويفتح المجال للسياحة في القدس وبيت لحم، فالمدخولات الاقتصادية من السياحة الدينية لوحدها كفيلة بأن تجعل الفلسطينيين من أغنى دول العالم قاطبةً.

حتى البنية التحتية التي يُراد جمع الاموال لأجلها وهي بالمناسبة أحد العناوين البارزة لمؤتمر المنامة الاقتصادي، مَن يضمن من تلك الدول ألا يقوم العدو الصهيوني بتدمير البنية التحتية مرة أخرى كما يفعل في كل مرة؟ حتى بناء المصانع والملاهي والحدائق، من يضمن ألا يدمرها الاسرائيلي؟ حتى لو تم بناء مطار وميناء مَن يضمن ألا يتم تدميرهما؟ فكل ما سبق هو رهينة للمزاج الصهيوني، إذن المؤتمر الاقتصادي هو لبيع الأوهام من جديد، والمؤتمر الاقتصادي هو تطبيع اضافي ومزيد من العلاقات ومزيد من التطبيع الاقتصادي مع العدو الصهيوني وهو ليس للانعاش الاقتصادي ولا لابرام حل سياسي، وهو بمثابة خارطة طريق لكنها بالمقلوب، ثم سيقول العرب كعادتهم: نحن عرضنا على الفلسطينيين الحلول لكنهم هم من يرفضون ويتمردون وينكرون الجميل!!!!! الفلسطينيون بحاجة الى دولة ووطن يا بائعي الأوهام.

على الأقل أنتم أيها العرب أجمعتم على حل سياسي لاقامة دولة فلسطينية على حدود ١٩٦٧، على الأقل طبقوا ما أجمعتم عليه ان استطعتم!!!، فالمدخل السياسي هو الحل للصراع وليس بيع الأوهام من بوابة البؤس والجوع  بلباس انساني، وكل ذلك يعتبر مضيعة للوقت وتطبيع عربي بالمجان مع "اسرائيل"، فالشعب الفلسطيني لا يناضل من أجل الطعام والشراب الذي هو حق له، هو يناضل من أجل الحرية.

الامريكان قالوا في صفقتهم ما في قدس وما في لاجئين، ومؤتمر المنامة الاقتصادي كأنه يقول للفلسطينيين: تعالوا اقبضوا الثمن ثم اصمتوا، وحتى لو أخذ الفلسطيني المليارات بهدف تحسين الاقتصاد فإن العدو يستطيع بعد أيام أن يدمر كل ذلك، لتبقى التنازلات السياسية شاخصة امام التاريخ، أما الوعود والأوهام سرعان ما تتبخر، وان تخفيض سقف المطالب السياسية يجعل من العدو البناء على هذه السقوف واعتبارها هي الأعلى للمطالب الفلسطينية، وهذا ما يفسر أن كل اتفاق سياسي جديد يخص القضية الفلسطينية يكون أسوأ من الذي سبقه، ومن المستغرب أن توافق المنامة على عقد مؤتمرا اقتصاديا على أرضها يخص الفلسطينيين بينما الفلسطينيين يرفضونه.

في كل مرحلة و "كل ما حك الكوز بالجرة" يُقال أن القضية الفلسطينية تمر بمنعطف تاريخي خطير، إذن القضية الفلسطينية أصبحت في خطر دائم ومنعطف تاريخي دائم، وهذا صحيح، لذلك مطلوب من الفلسطينيين التصدي الجماعي الحقيقي وليس اللفظي لصفقة القرن وكل المشاريع التصفوية، ولابد من العقل الفلسطيني أن يجترح المخارج لكافة المنعطفات وأن يجد قواسم مشتركة داخلية تعزز من وحدة الشعب، والفلسطيني لن يقبل أقل من تحرير أرضه وعاصمتها القدس الشريف.

بالاضافة لكل ما قيل من تحليلات حول مكان انعقاد مؤتمر السلام الاقتصادي بالبحرين، باعتقادي أن البحرين تمثل السياسة السعودية بالأساس وإن ما لم يستطع السعودي قوله تقوله البحرين، أو هي بالون اختبار أو مؤشر للسياسة السعودية، فالاندفاع البحريني باتجاه الاسرائيلي هو تماما يعتبر اندفاع سعودي تجاه الاسرائيلي، وبالتالي فإن البحرين هي الوجه السافر للسعودية، حتى سياسة البحرين الخارجية مع إيران مثلا هى تمثل صدىً للسياسة السعودية وأول دولة تؤيد قرارات السعودية تجاه إيران هي البحرين هذا على مستوى السياسة السعودية الايرانية، أما على مستوى السياسة السعودية الفلسطينية فان البحرين تقول ما لا تستطيع السعودية قوله في الوقت الحاضر وبذلك أصبحت البحرين عند السعودية هي بالون اختبار أو مكب نفايات للسياسة السعودية، البحرين لا تتنفس الا بإذن السعودية، وإن الاهم من مكان انعقاد المؤتمر هو جوهر ومضمون المؤتمر وماذا يحمل من مخاطر على القضية الفلسطينية ومن المهم أن يعي الفلسطيني ما هو الثمن السياسي مقابل تلك المليارات؟

لقد بدأ الأمريكان بالحل الاقتصادي بعدما انتهوا من فرض الشق  السياسي لصفقة القرن بفعل القوة.

نتنياهو منذ سنوات وهو يطرح ويتبنى فكرة السلام الاقتصادي كبديل عن الحل السياسي، ولقد جاءت صفقة القرن لاحياء فكرة نتنياهو وهو ما سيحول المنطقة الى سوق فيه باعة ومشترين وبذلك يتم تفريغ المنطقة من منظورها وبعدها الوطني والقومي والعقائدي والسياسي لتتحول الى مكان تجاري استثماري يعج برجال الأعمال فيصبح الوطن يباع ويشترى وتصبح العقيدة هي الدولار، وهذه تماما هي عقيدة ترامب وعقيدة بعض الدول العربية النفطية للأسف، والفلسطينيين قطعا لن يتحولوا الى باعة ومشترين في سوق الوهم.

دولة الاحتلال الصهيوني تعيش الان مرحلة البحث عن الشرعية، لاحظ هنا أن صفقة القرن الان هي موجودة على الارض، لكن "اسرائيل" تريد شرعنتها، ومؤتمر المنامة الاقتصادي يعطي "اسرائيل" شرعيات اضافية في المنطقة من خلال برامج اقتصادية على الارض، "فاسرائيل" لازالت في نظر الكثير من الدول هي دولة محتلة غير شرعية على الاقل في الضفة وغزة والقدس، وبالتالي التطبيع العربي الاقتصادي مع "اسرائيل" الذي يسبق أي حل سياسي هو بمثابة اضفاء شرعية جديدة مجانية "لاسرائيل"، وإن "اسرائيل" ستبقى محتلة الى أن يقول الفلسطيني أن هذه الأرض ليست لنا، وهذا قطعاً لن يحدث، وهذا السلام الاقتصادي يهدف لانتزاع حل سياسي مقابل دولارات، وحتى تلك الدولارات سيوقفها العدو في أي لحظة ما دامت اليد الذي تأخذها ليست هي العليا وبذلك ستبقى تحت الضغط والابتزاز.

صفقة القرن تعني ثلاثة قضايا أساسية،  القدس واللاجئين والاستيطان، وعلى تلك القضايا لم يتغير شيئ ولا يوجد جديد، فلا تزال القدس محتلة واللاجئين مهجرين والاستيطان موجود، لكن الجديد الان هو أن صفقة القرن تضفي مزيد من الشرعية للاحتلال ومزيد من الغطاء العربي لعدوان صهيوني على فلسطين، وان مؤتمر المنامة الاقتصادي جاء ليقول للعالم بأن القدس ليست عقبة في تحقيق السلام ولا الاستيطان ولا اللاجئين وانما العقبة الآن هي الوضع البائس للشعب الفلسطيني ...هذا الذي يُراد أن يوصله مؤتمر المنامة الاقتصادي الى العالم، وهذه نظرة للصراع غير صحيحة وماكرة ومخادعة، نحن الفلسطينيون لازلنا نؤمن بأن لدينا أرض لابد أن تحرر ودولة لابد أن تقوم وهناك لاجئ فلسطيني يعيش في بؤس من حقه أن يعود الى أرضه، وهذا كله بحاجة الى نضال ومقاومة وهو قدر الشعب الفلسطيني، وإن الجيل الذي يريد أن يبيع ويشتري بالوطن لم يولد بعد، حتى لو جاء هذا الجيل، فالله تعالى يقول: "وَإِن تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُم"....بمعنى أنه في حال جاء جيل يبيع ويشتري، فان الله سيأتي بجيل أفضل منه يؤمن بحقه ويناضل من أجل قدس الأقداس، وإن أي حل سواءً كان سياسي او اقتصادي او عسكري لا يلبي طموحات الشعب الفلسطيني لن يكتب له النجاح من كل فئات الشعب الفلسطيني، حتى من منظمة التحرير الفلسطينية والتي يصفها العالم بأنها الأكثر اعتدالا،  هي أيضا لن تقبل بحلول من هذا النوع.

هذا من جانب، أما على المستوى الاقليمي والصراع مع ايران والقمتين العربية والاسلامية المزمع عقدهما في شهر 6 المقبل،  هذا كله يُعد تسخين للجبهة وتلويح بالجزرة والعصا، الجزرة هي للفلسطينيين والمليارات المزعومة في المؤتمر الاقتصادي، وجزرة الايرانيين هي العودة للاتفاق والمفاوضات والا فإن العصا جاهزة متمثلة بالقذائف والبوارج والأساطيل وحاملات الطائرات الموجودة بعرض البحر، وبالتقديرات السياسية حتى التهديد الجاري لايران ربما يندرج كجزء من صفقة القرن، حيث من المعلوم انه من أجل عيون "اسرائيل" كل شيئ عند الأمريكي يهون، ولو أن هناك امكانية لضرب إيران دون أن تتأذى "إسرائيل" فسيتم ضرب رأس الأفعى (من وجهة نظر العدو الصهيوني والأمريكان)،  وإيران ليست لقمة سائغة ولها حلفاء كثر في المنطقة، وإن تسخين المنطقة سواء بالأساطيل الامريكية او بالتحالف العربي الخليجي الذي يرى ايران هي العدو وأن "إسرائيل" حبيبة وصديقة، واعادة انتشار القوات الأمريكية وتسيير حاملات الطائرات، كل هذا يحدث من أجل الحرب، أو من أجل السلام الاقتصادي او من أجل فرض شروط ومعادلات جديدة في المنطقة، لذلك المرحلة الآن هي مرحلة العض على النواجذ بالمقاومة والعض على النواجذ بالوحدة الوطنية وهي مرحلة صمود ومقاومة.

وإن قراءة المشهد بحاجة الى نظرة شمولية وليس الغرق في تفاصيل حدث بحد ذاته، ومشهد إيران والخليج والحشود لا ينعزل عن مؤتمر المنامة الاقتصادي، ولا ينعزل عن الحصار في غزة ولا ينعزل عما يحدث بالضفة، وفي الحروب الفاصلة عبر التاريخ يتم احضار الطرف الآخر ليبصم بقدمه على الاتفاق، والحمد لله رب العالمين على الاقل الشعب الفلسطيني عبر تاريخه الطويل من النضال لم يركع، بمعنى أنه لم يقدم شروط استسلام، وهو يفضل الموت على الاستسلام وبالتالي ايران إن ضُربت (لا سمح الله) أو لم تُضرب، فالمقاومة الفلسطينية حاضرة وباقية باذن الله تعالى، والمقاومة الفلسطينية موجودة قبل أن تأتي الجمهورية الإسلامية الإيرانية، ومادام هناك شعب فلسطيني إذن هناك مقاومة..... لكن المشهد العام يقول بأن صفقة القرن لا تنحصر بالسلام الاقتصادي والمليارات، فيوجد ايران أيضا كلاعب اقليمي في المنطقة، وهذا ليس بما تقدمه من دعم للمقاومة فحسب، بل بما تقدمه من استقلال وطني وقومي وبما تقدمه من تقنيات وبما تقدمه من تطور علمي وبما تقدمه من تطور نووي، لذلك كله ايران مطلوب رأسها، والفهم الذي يقول بأن رأس ايران مطلوب لأنه يقدم دعم لحزب الله وللمقاومة الفلسطينية هذا فهم غير دقيق، فإيران لا تضحي بنفسها لأجل الآخرين، فالدول لا تنتحر لأجل الآخرين، ايران مشروع قومي كبير يريد أن ينأى بنفسه عن التبعية، مشروع رافص للهيمنة الأمريكية، ايران تريد ان يكون لديها اقتصاد وطني حر، تطور علمي حر، تطور نووي حر، لديها مشروعها الذاتي كباقي دول العالم، ومن حق كل دولة أن يكون اقتصادها قوي وتقنية علمية قوية وتطور نووي قوي...ولم لا؟ إذن إيران مطلوب رأسها لتقدمها وتطورها، وإن أي دولة وفق منظور الهيمنة الأمريكية ممنوع عليها أن تتقدم سواء كانت إيران أو غير ايران، هم يريدون دول تابعة مثل دول الخليج تدفع ملياراتها مقابل حماية عروشها ويخوت أمرائها المُذهّبة، هذا هو المطلوب، وليس مطلوب دول مستقرة ومتطورة ولديها نهضة متقدمة وقادرة لأن يكون لها دور اقليمي، فضلا عن دعم ايران للمقاومة الفلسطينية وحزب الله وغيرهم، فالامور مترابطة وأي دولة لديها مشروع قوي في المنطقة على قاعدة الاستقلال والتطور يتم استهدافها بغض النظر كانت إسلامية أو غير اسلامية، ماركسية او شيوعية، فهل كوريا الشمالية محسوبة على المشايخ مثلاً حتى يتم التصويب عليها؟! وعندما يكون المشروع نهضوي يمتلك الجغرافيا ويمتلك الارادة ويمتلك الروح المعنوية ويمتلك الانسان ويمتلك العقيدة، أي معظم مقومات القوة في الدولة فإنه يتم استهدافه، وإن كل تلك المقومات موجودة في إيران، والفرق هو أن الايرانيين يستخدمون تلك المقومات في خدمة بلادهم ومشروعهم ونهضتهم والذي من ضمنه دعم حركات التحرر والذي يأتي ضمن مشروع تكاملي، وإن الدول التي تحصر قوتها داخل حدودها تكون عُرضة للتآكل، لذلك إيران تجد بأنه مطلوب أن يكون لديها قوة وحضور اقليمي وهذا ليس عيب ولا جريمة بالمقياس الدولي والاقليمي.

على كل الأحوال؛ سمعت د. ناصر اللحام قبل أيام يقول: لو أن إيران تعترف ب"إسرائيل" لمكّنتها أمريكا من كل العرب....هذه المقابلة صحيحة نسبياً لأنها كانت موجودة زمن الشاه، عندما كانوا يسمونه آنذاك ب"شرطي الخليج"، حيث كانت دول الخليج كلها تقدّم له الولاءات، ويبقى كلام د. اللحام غير كافي، بمعنى أنه ليس بمجرّد اعتراف ايران ب "إسرائيل" فإن الاوتوستراد سيفتح لها، لأنه عادة يوجد سقوف محددة للنهضة على مستوى الاقليم، وإن فتح الاوتوستراد عادة ما يكون ضمن ضوابط وضمن سقوف، وإن ايران بإعترافها ب "إسرائيل" لا يمكن لها أن تنطلق بمشروعها الى نهاياته، وفي نهاية المطاف ستجد ايران نفسها نسخة كربونية من السعودية والامارات وغيرهما، فالمطروح أمريكيا أن الدولة الاقليمية القوية الوحيدة في المنطقة هي "إسرائيل" فقط، حتى تركيا ممنوع عليها أن تكون دولة اقليمية قوية في المنطقة رغم إعترافها ب"إسرائيل" واقامتها علاقات دبلوماسية معها ومع أمريكا علاوة على أنها ضمن حلف الناتو، لذلك الاعتراف ب "إسرائيل" ربما يبقى جزء مهم لكن ليس هو كل شيئ، والسؤال الأهم هل أمريكا و "إسرائيل" ممكن أن تسمح لإيران أن تكون دولة اقليمية عظمى في المنطقة؟ حتى الاعتراف بالدول ليس مقدس، بمعنى أنه يمكن سحبه في مرحلة معينة وهذا حدث عبر التاريخ، وعليه فلو إيران  اعترفت ب "اسرائيل"، فإنه من الممكن أن يأتي نظام جديد يلغي هذا الاعتراف، وإن قصة الاعتراف ب "إسرائيل" وقع في فخها الفلسطينيين قبل ٢٥ عاما عندما قيل لهم اعترفوا ب "إسرائيل" وسوف نعطيكم دولة ثم سنجعل منها سنغافورة، فاعترفت منظمة التحرير الفلسطينية ب" إسرائيل" ولم تقم الدولة الفلسطينية حتى الآن، حتى العرب قالوا ل"إسرائيل" اعطونا الضفة الغربية وغزة والقدس الشرقية وسنعطيكم سلام كامل شامل واعتراف وتطبيع، هل اعطتهم "إسرائيل" شيئ؟ فالاعتراف ب "إسرائيل" لديه استحقاقات وليس كما يظن البعض بأن يتم الاعتراف ثم يُفتح الاوتوستراد، وعندما انقلب الايرانيون على الشاه انقلبوا من منطلق مشروع نهضوي ثوري وليس من أجل فلسطين، حتى الايرانيين أنفسهم وضمن تعبئتهم لا يقولون بأن مشروعنا الأوحد هو فلسطين، فهم لديهم اعتزازهم القومي ونهضتهم العلمية، والثورة الإيرانية عندما قدّمت عشرات آلاف الضحايا، هل قدمتها من أجل فلسطين؟ قدموها من أجل مشروع بلادهم التحرري الثوري، والعالم كله يعمل بهذه الطريقة وإيران ليست بدعة من التاريخ، هتلر عندما غزى العالم وأمريكا عندما غزت العالم هل كان هذا من أجل "إسرائيل"؟، هناك جوانب وسياقات لكل الدول مطلوب فهمها وليس حصر الأمر فقط بالاعتراف ب" إسرائيل"، مصر والأردن اعترفوا ب"إسرائيل" ماذا أخذوا؟، زاد الفقر في مصر وأصبح هناك خطر على النظام الأردني الملكي برمّته، لذلك الاعتراف ب"إسرائيل" لا يعني أن هناك طاقة ستُفتح من السماء لكل من يعترف بها.

"إسرائيل" مشروع استعماري قائم على نهب الثروات، حتى السعودية لازالت تدفع المليارات لأمريكا وأصبح النظام السعودي ليل نهار يده ممدودة في جيوب الناس، وفي جيوب الحجاج والمعتمرين والمقيمين وحتى المواطنين السعوديين أنفسهم، رغم أنه كان بالامكان أن تكون السعودية جنّة الله في الأرض، لكن أمريكا و"إسرائيل" إختلقت لهم عدو من أجل نهب ثرواتهم كما قال ترامب لملك السعودية: عليكم أن تدفعوا لنا لأجل حمايتكم، إذن القصة كلها بلطجة و"خاوة" ونهب ثروات وخيرات الشعوب بزعم حماية عروش ملوكها، وهذه هي التبعية والهيمنة بأبشع صورها.

من جانب آخر، إيران ليست ضد التفاوض مع أمريكا، لكنها ضد التفاوض المذل الذي ترافقه البوارح والاساطيل وحاملات الطائرات، وفي حال قبلت إيران بالتفاوض في ظل هذا الجو الساخن فإنه من الممكن أن يفاوضهم الأمريكان على عِمَمِهم وعلى مناطق نفوذهم وليس فقط على فلسطين وحزب الله والنووي والصواريخ البالستية، وفي مثل هكذا ظروف يكون التفاوض لفرض الشروط، وهذا ما يسمى بسياسة "العصا الغليظة"، والمنطقة هي بالفعل على حافة الهاوية وإن أقل خطأ ممكن ينجم عنه حرب، ومن الممكن الأمريكان لو أرادوا الحرب أن يصطنعوا خطأ ما، وإن الحرب وعدم الحرب بالتقديرات تكون عادة محكومة بالعمل الاستخباراتي حول إمكانية إيران من امتصاص الضربة الأولى وتوجيه ضربة ربما تكون قاضية بالنسبة ل" إسرائيل" بالتزامن مع ضربة من حزب الله الذي لن يشاهد إيران تُقصف ثم يقف متفرجا، كذلك الحشد الشعبي في العراق، وستكون القواعد الأمريكية في الخليج أيضا في مرمى النيران، إذن السؤال يكمن في: هل إيران تمتلك الارادة لاستخدام كل أنواع الاسلحة لرد ضربة قوية أم لا؟، ولو أن الأمريكان والإسرائيليين تيقنوا أن إيران لا تمتلك تلك الارادة في الرد بقوة وعنف فإنهم سيضربونها في الصباح دون تردد، لكن لو أنهم تيقنوا أن "إسرائيل" ستكون في دائرة الخطر وسينزل عليها 300.000 صاروخ خلال يومين وحزب الله سيرمي بترسانته الصاروخية عليهم، فإنهم قطعا لن يضربوا ايران. المشهد الان كما تقول ايران هو الصمود وعدم التفاوض على الملف النووي ولا على ترسانة الصواريخ البالستية ويبدو أن ايران متجهة لامتلاك قنبلة نووية هذا في حال أنها لم تمتلكها مسبقا.

مصالح أمريكا في المنطقة هي: النفط والارصدة النقدية و"إسرائيل"، تلك هي مصالح أمريكا الحيوية بالمنطقة التي تُحافظ عليها، وبحساب المصلحة نتسنبط أنه لو صارت حرب على إيران، هل النفط والمصافي النفطية ستكون في مأمن؟ ماذا سيحدث لأسعار النفط حينها؟ "إسرائيل" هل ستكون في مأمن؟ قطعا لا، وهل الضربة النووية لايران ستشلها تماما ثم لا تستطيع الرد؟ هل ستعلن إيران الاستسلام كما صار مع اليابان؟ أم أنها ستمتص الضربة الاولى؟ هنا الحسابات والعمل الاستخباراتي الدقيق والمهم، ولو ان الحسابات أخطأت فإن إيران ستضرب مفاعل ديمونا وحيفا وتل الربيع والقواعد الأمريكية بالخليج وستصبح توابيت الجنود الأمريكان تعود الى عوائلهم كما حدث مع الفيتناميين، حينها ماذا ستستفيد أمريكا من الحرب؟، وبهذه الحالة تكون أمريكا لم تحمي "إسرائيل" ولم تحمي الخليج الذي يمثل "البقرة الحلوب" بالنسبة لها.

إن قرار الحرب من عدمه هو قرار معقّد ومحكوم بسلسلة من الحسابات الدقيقة، وبرأيي إن أمريكا تفضل استخدام سياسة "العصا الغليظة" مع إيران بدلا من الحرب، وفي النهاية قرار الحرب ليس بيد أي محلل سياسي ولكن القرار هو بيد من يجلس على أحد طاولات البنتاغون في أمريكا.