خبر في غزة ... عندما يتحول مشردو العدوان إلى متسولين

الساعة 11:57 ص|25 يناير 2009

فلسطين اليوم : غزة

بعدما هدمت الطائرات الحربية بيته وشردت أسرته ولم يبق له ما يخاف عليه، لجأ الطفل محمد خضر وإخوته إلى ركام ما كان يسمى بمعابر غزة "الأنفاق" التي دمرتها قوات الاحتلال، محاولاً البحث "عما يمكن أن يسد رمقه وفقره، غير مبال كثيراً بالطائرات التي تحوم فوق المنطقة.

الطفل محمد واحداً من مئات أطفال رفح الذين توجهوا من أحيائهم المدمرة إلى منطقة الأنفاق على الحدود والتي كانت تعتبر شريان غزة الوحيدة في ظل الحصار الخانق الذي فرضته إسرائيل على غزة وأعقبته بحرب "الرصاص المصبوب" على سكان هذا القطاع.

وبدت معالم الطفولة المقهورة على وجه محمد الذي لم يتجاوز العاشرة من عمره وهو يحمل قطعاً من الحديد وعلباً من "البوية" وجدها بين ركام الغرف التي كانت تحتوى على الأنفاق، فيما ملابسه مزقها الفقر ولوثها غبار الحرب.

ويلتفت بحذر، مندفعاً بالقول "لا يوجد شيء لنا، بيتنا دمر من كثرة القصف حوله، ولم يبقى لنا شيء، وهنا يوجد رزق وكل الأولاد تسابقوا على المنطقة لأنه كان فيها بضائع، وهذه القطع تنفع للبيع".

وأغارت مقاتلات الحرب الإسرائيلية خلال عدوانها على قطاع غزة بعشرات الصواريخ على عدة أحياء في محافظة رفح جنوب قطاع غزة بحجة تدمير الأنفاق بين الحدود الفلسطينية والمصرية.

وأدى القصف المكثف لهذه الأحياء وخاصة حي السلام ويبنا والشابورة وما يعرف "بوابة صلاح الدين" على الحدود استشهاد وإصابة عدداً كبيراً من المواطنين وتدمير عدة أحياء بأكملها اظهر دمارها كذب ادعاءات جيش الاحتلال نظراً لبعد بعضها عن الحدود وعدم وجود أي من الأنفاق فيها.

"مشردون كالمتسولين"

أكوام رماد منطقة الأنفاق بدت كالسوق الحرة بالنسبة للأهالي المنكوبين الذين أضحوا كالمشردين بعد قطع الحصار والحرب كل طرق العيش وتوفير أدنى حاجياتهم، حيث تواجد العشرات من أرباب البيوت المنكوبين هناك للتفتيش عن بواقي قطع من بضائع أحرقتها الصواريخ.

وبين ركام المنازل وركام الأنفاق يتشتت المواطن أبو إبراهيم أبو عريضة بحرقة على بلدته التي أضحت منطقة منكوبة، قائلاً وهو يضرب كفيه من هول المشهد :"كلما ذهبت إلى مكان وجدت الدمار، هدموا بيوتنا وما خرجنا منها بشيء".

ويتحسر على نفسه بعد إغلاق طرق العيش الكريمة أمامه قائلاً :"أصبحنا كاللمم، لا بيوت ولا عمل ولا اقتصاد ولا حتى مساعدات، والكل منكوب، وجئنا هنا لنجمع أي شيء كالمتسولين الضائعين".

وكشفت أرقام أولية لحجم الدمار الهائل الذي سببته الحرب على غزة إلى أن أكثر من 4ألاف منزل دمر بشكل كامل، وما يزيد عن 16 ألف منزل دمرت بشكل جزئي.

وأشارت هيئة الإحصاء الوطني الفلسطيني في إحصائية أولية أن إعادة إعمار البنية التحتية للقطاع يحتاج إلى ما يزيد عن المليار وتسعمائة مليون دولار، وأن 550 مليون دولار هي مجموع خسائر كل قطاع من القطاعات الحيوية منذ الحرب حتى إعلان وقف إطلاق النار.

تركة الأطفال

أطفال غزة ورغم الكارثة التي استفاقوا عليها، انهمكوا في البحث عن تركة أخرى داخل بيوتهم المدمرة، فألعابهم التي جنت عليها الطائرات كانت محط انشغالهم بعد عودتهم إلى ما تبقى لهم من منازلهم.

وعثرت الطفلة إيمان النجار داخل منزلها المدمر ببلدة خزاعة بخانيونس جنوب القطاع على عروستها وحقيبتها الصغيرة، التي غطى غبار الركام معالمها.

وتتساءل الطفلة التي سرعان ما اختفت عن وجنتيها ابتسامة ارتسمت عليهما حينما رأت لعبتها عن سبب تدمير غرفتها، وتقول "أنا ماذا فعلت لليهود؟، كسروا غرفتي وقطعوا شنطة الروضة، أين سننام الآن؟".

فيما انشغل شقيقها أحمد في البحث عن زى مدرسته الذي اضطر والده إلى منعه أخذ شيء من الملابس خشية من أثار القنابل الفسفورية التي أطلقت عليها.

يقول الطفل البالغ 10 أعوام "وجدنا بعض أغراضنا ووجدت زى المدرسة لكننا رميناها كلها فى القمامة لأن اليهود أطلقوا علي البيت قنابل فسفورية، ووالدي قال إنها سامة".

خيام وبين الجدران

ولم يجد عدداً من أهالي الأحياء التي دمرت بد من نصب خيام إلى جانب بيوتهم المدمرة لا تقيهم برداً ولا حراً، وبعضهم عاد ليقيم بين ما تبقى من جدران تركتهم وإن آلت إلى السقوط، بعدما عجزوا عن إيجاد مأوى لهم .

المسنة فايزة "أم محمود" لم تمتلك أمام حجم الكارثة سوى الاحتساب والنواح بحرقة لم يحتمل قلبها الضعيف شدتها، لتلقى بين الفينة والأخرى على الأرض متنهدة من هول النكسة.

وتندب هذه المسنة التي تعدت السبعين من عمرها حالها، قائلة " عجوز مثلى كيف ستبنى من جديد، سنوات وأنا أعيش هنا، إذا كان الشباب يحتاجوا سنوات ليبنوا هذا الدمار، فأنا ماذا أفعل".