في انتظار «الصفقة المرعبة» بقلم:د. محمد السعيد إدريس

الساعة 11:39 ص|30 ابريل 2019

فلسطين اليوم

لم يعد أمر موعد الإعلان الأمريكي الرسمي عن ما يسمونه «صفقة القرن» أمراً ذا قيمة بعد أن تم تنفيذ أهم بنود هذه الصفقة، وبدأ الشروع في تنفيذ ما تبقي منها . فقد أعلن الرئيس الأمريكي قراره الذي اعترف فيه بالقدس الموحدة عاصمة أبدية لدولة الكيان الإسرائيلي وأشرف بنفسه، عبر صهره جاريد كوشنر وزوجته ايفانكا، علي نقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلي القدس ضمن احتفالات الكيان بعيد تأسيسه السبعيني (15 مايو 2018)، ثم اعترف بفرض السيادة الإسرائيلية علي هضبة الجولان السورية المحتلة منذ حرب يونيو 1967، وأعطي الضوء الأخضر لبنيامين نيتانياهو كي يتحرك لإعلان ضم معظم أراضي الضفة الغربية المحتلة إلي إسرائيل.

ورغم أن الصفقة تكاد تكون قد أضحت واقعاً علي الأرض ملموساً، فإن قدراً كبيراً من الخوف مازال يحكم مواقف أصحابها يجعلهم مترددين في التعجيل بإعلانها رسمياً، هناك تحسبات لهذا الإعلان، ولعل هذا ما دفعهم إلي تأجيل الموعد إلي ما بعد انقضاء شهر رمضان المعظم واحتفالات عيد الفطر المبارك، ربما لدوافع ليست لها أي علاقة باحترام مشاعر مئات الملايين من المسلمين، ولكن لها علاقة بما يتخذ من إجراءات يستلزمها هذا الإعلان تستهدف التصدي لأي ردود فعل محتملة عبر إجراءات وقائية أو ضربات وقائية أمريكية وإسرائيلية، لكن التحسب الأهم هو ردود الفعل المحتملة من جانب إيران وحلفائها بعد تنفيذ الولايات المتحدة، وعلي لسان وزير خارجيتها مايك بومبيو لقرارها الذي يقضي بمنع إيران، من تصدير أي من نفطها، أي «تصفير» النفط الإيراني ابتداءً من 2 مايو المقبل.

فقد أعلن مايك بومبيو أن بلاده لن تمد أي إعفاءات تستثني مستوردي النفط الإيراني من العقوبات التي تفرضها واشنطن. وقال «سنصل إلي صفر مع الجميع.. لن تكون هناك إعفاءات بعد 2 مايو، وأي دولة لن تلتزم بهذا القرار ستواجه عقوبات.. انتهي النقاش». وكانت الولايات المتحدة قد منحت ثمانية دول تعتمد بدرجة كبيرة علي وارداتها من النفط الإيراني مهلة ستة أشهر هي: الصين وكوريا الجنوبية واليابان والهند وتايوان وإيطاليا واليونان كي تعيد تكييف أوضاعها وتعيد مراجعة مصادر تمويلها من النفط الإيراني وتبحث عن بدائل أخري للنفط الإيراني بعد انقضاء تلك المدة.

لم يكتف بومبيو بذلك لكنه أكد مخاطباً هذه الدول الثماني «في حال لم تتقيدوا فستكون هناك عقوبات»، مضيفاً «نحن عازمون علي تطبيق هذه العقوبات». وقبيل إعلان الولايات المتحدة وقف الإعفاء الممنوح منذ نوفمبر الماضي لتلك الدول، صرح وزير الطاقة السعودي خالد الفالح بأن الرياض ملتزمة «ضمان توازن سوق النفط العالمية»، وأوضح ما يعنيه من أن المملكة السعودية «ستقوم بالتنسيق مع منتجي النفط الآخرين من أجل التأكد من توافر إمدادات كافية من النفط للمستهلكين، والعزم علي عدم خروج أسواق النفط العالمية عن حالة التوازن». والتوازن المقصود هنا هو التوازن بين المعروض من النفط في الأسواق وبين سعر برميل النفط، والهدف هو المحافظة علي استقرار الأسعار بسبب وقف تصدير النفط الإيراني، ما يعني أن السعودية ستكون مضطرة لزيادة إنتاجها من النفط لتعويض حصة النفط الإيرانية المقرر وقف تصديرها.

هذه التطورات كانت لها أصداؤها القوية داخل إسرائيل إعلامياً وسياسياً. فقد احتفي الإعلام العبري بما سماه «النصر الجديد لرئيس الوزراء بنيامين نيتانياهو»، بينما أكد بنيامين نيتانياهو رئيس الحكومة أن لقرار ترامب وإدارته أهمية كبيرة في زيادة الضغط علي إيران، وقال »نحن نؤيد اصرار الولايات المتحدة العمل ضد العدائية الإيرانية« في حين اعتبر وزير الخارجية بالوكالة وزير الاستخبارات »إسرائيل كاتس« أن الحظر الكامل علي صادرات النفط الإيراني »يستأهل الإشادة والثناء«. لافتاً إلي شراكة إسرائيل للولايات المتحدة في خطواتها ضد إيران وأنها »ستبقي مخلصة لهذه الشراكة في الصراع ضد النظام الإيراني«.

ضغوط أمريكية يدعمها حلفاء واشنطن تدفع إيران إلي الذهاب القسري إلي «طريق اللاعودة». فالقرار الأمريكي الذي صدر قبل أسابيع من إعلان واشنطن تنفيذ تهديدها بـ «تصفير» تصدير النفط الإيراني والذي اتهم «الحرس الثوري الإيراني» بأنه منظمة إرهابية تراه إيران بمنزلة «إعلان حرب»، كما تري إيران في الإعلان الأمريكي منع تصدير النفط الإيراني، هو الآخر بمنزلة إعلان حرب، فهل اقتربنا من ساعة الصفر وأن الحرب ضد إيران باتت أكثر من محتملة؟

السؤال مهم إذا أخذنا في الاعتبار ما أعلنته إيران علي لسان الجنرال حسين سلامي الذي عينه المرشد الأعلي الإيراني علي خامنئي رئيساً للحرس الثوري والذي يعتبر من »الصقور المتشددين« وسبق له أن هدد بإزالة إسرائيل من الوجود، وقطع يديها وليس أصابعها فقط إذا ما اعتدت علي بلاده. فقد هدد بإغلاق مضيق هرمز إذا منعت إيران من تصدير نفطها، وأن إيران لن تكون وحدها هي من يمنع من تصدير نفطه. والسؤال مهم أيضاً إذا أخذنا في الاعتبار ما أعلنه بنيامين نيتانياهو من عزم علي قيام إسرائيل بقصف ناقلات النفط الإيرانية في الخليج والمحيط الهندي لمنع وصولها إلي الأسواق الآسيوية.

وتزداد أهمية السؤال في ظل استفحال حالة التربص الشديد وغليان الأوضاع علي جبهة جنوب لبنان بين حزب الله وإسرائيل، وغليان الموقف بين إسرائيل وقطاع غزة، واحتمالات دخول الجولان السورية كجبهة مواجهة ثالثة ضد إسرائيل إذا انفجرت الحرب.

هل كل هذا التصعيد يمكن اعتباره غطاء لتمرير صفقة القرن، أي هل يمكن أن يكون التهديد بالحرب ضد إيران وحلفائها غطاء لتمرير منضبط وغير صاخب عربياً لصفقة القرن؟ سؤال من شأنه أن يجعل إيران ثمناً لفلسطين، أي يجعل احتواء إيران من جانب أمريكا وإسرائيل ثمناً لقبول العرب لصفقة هدفها هو تسليم فلسطين إلي إسرائيل، وبذلك تستحق هذه الصفقة أن تكون «صفقة» ليس فقط مدوية بل ومرعبة في ظل ما تحمله من تداعيات شبه مؤكدة.