في دكانه القديم المتواضع في زقاق سوق "الشجاعية" يجلس الستيني يحيى المعصوابي بين "بوابير الكاز" ذات اللون النحاسي يُصلحُ ما تبقى منها في محاولةٍ منه لمواجهة إنداثار المهنة التي يعتبرها جزءاً من التراث الفلسطيني، وعلى الرغم أنَّ محله لا يكاد يتسع لكرسيه وللمنصة الحديديـة التي يصلح عليها البوابير، إلا أن ذلك المحل المتشح بالسواد يتسع للأصالة، والعراقة، والزمن الجميل.
في خمسينيات القرن الماضي، كانت مهنة صيانة "بوابير الكاز" من المهنة الرائجة والمنتشرة في فلسطين، لكنّ هذه المهنة اندثرت بشكل كبير مع بداية القرن العشرين، وذلك بسبب التطور التكنولوجي والصناعي وانتشار الغاز والذي يعتبر أسهل في الاستخدام، فالبابور يتم استخدامه في عملية إشعال النار وطهي الطعام.
المعصوابي ( 67 عاما ) واحد من الذين ظلوا متمسكين بالمهنة، والتي ورثها عن والده قبل 50 عاماً، فبدأ بتعلمها عندما كان فتىً في السابعة عشر من عمره، إذ تعتبر هذه المهنة في الوقت الحالي مصدر رزقه الأساسي.
يقول وهو يفتش عن أحد القطع القديمة الموجودة بين القطع المتبعثرة داخل محله :" تراجعت مهنة صيانة البوابير بشكل كبير نتيجة موت العديد من الأشخاص الذين كانوا يمتهنونها إضافة إلى عدم توريث هذه المهنة القديمة من الآباء لأبنائهم ، ورغم قلة العائد المادي الذي أحصل عليه مقابل عملية صيانة البابور الواحد والتي تصل إلى دولار ونصف إلا أني متسمك بهذه المهنة، فلا يوجد خيار أمامي للعمل في مهنة أخرى خاصة أني كبير في السن.
ويضيف المعصوابي، قائلا :" أصحبت معروفا بين الناس بتصليح البوابير، ويأتوني من كل حدب وصوب من أجل صيانة ما يمكن صيانته من البوابير"، مشيرا الى أن فلسطين لا تصنع البوابير، وإنما تقوم باستيرادها من الدول المجاورة.
وتابع المعصوابي:" تعود مهنة صيانة البوابير إلى الواجهة خلال الأوقات التي يتعرض لها قطاع غزة من الأزمات مثلما حصل خلال الحروب المتكررة على غزة وانقطاع الغاز، فيعمل الناس على صيانة البوابير المركونة داخل منازلهم وذلك لتكون بديل عن الغاز .
وبين المعصوابي أن البابور قديما كان يعتبر جزء من أي منزل وكان مستلزما أساسيا للعفش ويعتبر أيضا جزءا من التراث الفلسطيني والعربي القديم.
ويذكره أنه من ابرز الاسباب التي أدت الى اندثار مهنة صيانة البوابير هو التقدم التكنولوجي، وظهور بدائل أفضل من البابور خاصة مع توفر وانتشار الغاز والذي يوفر جهد ووقت وتكلفة على الاشخاص الذين يقمون باستخدامه.