يقف الحاج أبو عبد الله حجازي (63 عاماً) أمام قفصٍ حديدي، عيناه تراقبان حركاتها وتستمتعان في النظر إلى جمالها، يضع يده بين أعمدة القفص محاولاً لمسُها، لكن تلك المحاولة استفزتها وبدأت تدافع عن نفسها وتطارد يدهُ، علامات الفرح تظهر على وجنتيه، وشفاه تُتمتم بحسن أدائها وجمالها وقوة ذكائها.
فالحاج حجازي رغم ظهور بعض علامات الكبر على وجهه إلا أنه يتمتع بروح الشباب، فهو يترك كل ما لديه من مواعيد وزيارات ولقاءات، للمشاركة في المعرض الرابع لطيور الزينة في قطاع غزة، مؤكداً أن الوقوف أمام الحمام لساعاتٍ يُنسيه كل هموم الدنيا، ويتعلم منه (الحنين والصبر والعشق).
أكثر من 250 مشتركاً ونحو 80 صنفاً من الحَمَام تعرض للمرة الرابعة أمام مربي وهواة وجماهير أبناء شعبنا في مدينة غزة، وللمرة الأولى تحت اسم جمعية هواة ومربي الحمام في فلسطين، حيث تعرض سلالات جديدة هي الأولى من نوعها.
فعندما تسمع عن استبدال (جوز من الحمام) بسيارة حديثة، أو استبدال (جوز) حمام بعجل فلا تستغرب، لأن أسعارها فوق الخيال، فحمام الاسكندراني يبلغ سعره 10 آلاف شيكل، وكرير 10 آلاف شيكل بينما يصل سعر حمام "بلون أو النفاخ" لأكثر من ألفي دولار حسب الألوان والأشكال.
"ملطيسي، هنغاري روسي، هومر، بلون، بخاري، صيني، يوزبكي، حمام الشمسي الإنجليزي، شامي ريحاني، الزاجل، أسد أبيض، بلجيكي، أمستردام"، جميعها وغيرها الكثير أنواع مختلفة من الحمام التي عُرضت في معرض الطيور الدولي الرابع الذي يقام في قطاع غزة.
رمز السلام
الحاج حجازي يقول لمراسلنا: "عندما كنت في الـ13 من عمري بدأتُ تربية الحمام كهاوي، وكنت أجلس لساعات طويلة أمام الحمام انظر اليها بعناية فائقة اتابع كل حركاتها ورفرفة أجنحتها ونغمات صوتها–الهديل-، حتى امتلكت خبرة كبيرة في تربية الحمام وأصبح عندي أكثر من 125 جوزاً من مختلف الأنواع، لكن الآن لا أملك سوى 12 جوزاً فقط، لأسباب مختلفة أولها الحصار، وما خلفته الحروب من دمار وخراب".
"الحمام يرمز إلى السلام والحرية ويبث راحة البال في النفوس" هكذا تحدث أبو بشار 49 عاماً أحد زوار المعرض، مشيراً إلى أنه تخلى عن تربية الحمام لأنه حصل على وظيفة، مستذكراً "كنت أربي الحمام منذ صغري كهاوي وأصبحت فيما بعد أتاجر فيها بسبب الأوضاع الصعبة التي نمر بها لكن منذ عامين تقريباً حصلت على وظيفة ولم أتمكن التفرغ لتربية الحمام".
ولفت أبو بشار إلى أن تربية الحمام ليست سهلة كما يتوقعها الكثير فهي تحتاج إلى وقت فراغ للعناية والاهتمام، فالحمام يتعرض لكثير من الأمراض منها (النزف، والدودة، والرشح) إضافة إلى المتابعة الدقيقة اليومية لمعرفة أي من الحمام تبيض وأيتها لا تبيض، أيتها نشيطة وأيتها كسولة، مشدداً على أن تربية الحمام تُعلم الإنسان الصبر، والتأني، والتأمل، واتخاذ القرار الصائب.
في إحدى زوايا المعرض يقف عبد الحي البطنيجي، مقابل طيوره التي يطلق عليها (بلون أو النُّفاخ) قائلاً: "كنت أُربي الحمام منذ الصغر لكن بدأت الاهتمام في تربيته بأشكال جديدة ومختلفة منذ عامين فقط وجدت فيها مصدراً للرزق".
وأكد البطنيجي لمراسلنا، أن أكثر المعوقات التي تقف أمامه في تربية الحمام هو الطعام –العلف- فهو سيء، إضافة إلى عدم وجود بياطرة ماهرون، "كُل العلاجات المقدمة اجتهادات شخصية من المربين".
أسعار خيالية
فيما استورد عبد المنعم أبو غردوق (52 عاماً) قبل أيام عدة من مدينة نابلس في الضفة الغربية المحتلة أنواع جديدة من الحمام لتقديمها في المعرض الدولي الرابع لمربي الحمام، لافتاً إلى أن بدايته كانت عبارة عن هواية وتم تطويرها بسبب الأوضاع الراهنة في قطاع غزة إلى تجارة.
وأكد أبو غردوق أن هناك أشخاص فتحوا بيوت من وراء تربية الحمام، وبات الحمام مصدر دخل لهم ولعائلاتهم في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة.
أما الشاب محمد الخضري 26 عاماً أشار إلى أنه يمتلك أنواع مختلفة من حمام –القلاب- وبألوان متنوعة يبلغ "الجوز" منها أكثر من 8 آلاف شيكل، إضافة إلى تربيته لأنواع مختلفة منها البلدي أيضاً.
وبين أن الحصول على لون مميز من الحمام صعب جداً ويحتاج متابعة الزريعة بشكل دقيق، لافتاً إلى أنه من النادر استخراج 5 إلى 6 أجواز من بين 20 جوزاً بألوان مميزة".
وما يميز المعرض الدولي الرابع والأول تحت اسم جمعية هواة ومربي الحمام في فلسطين، وجود لجنة طبية تشرف على جميع الطيور المعروضة في المعرض.
جمعية للحمام
عضو اللجنة الطبية وائل البورنو، أشار إلى أن اللجنة منذ شهرين تقوم على توعية هواة ومربي الحمام للحفاظ على طيورهم من الأمراض ورفع كفاءتهم ليتم تقديمها في المعرض، مؤكداً بأن اللجنة استبعدت عدداً من الطيور لعدم امتلاكهم المواصفات التي تؤهلها للعرض.
من جهته قال المسؤول الإعلامي للمعرض وأمين سر جمعية هواة ومربي الحمام في فلسطين عادل حجاج: " رسالتنا إلى العالم أجمع بأنه رغم الحصار وقلة الإمكانيات إلا أن قطاع غزة قادر على إظهار ذاته في مظهر حضاري يليق به، وقادر على صناعة الإنجازات ومواجهة التحديات، وقادر على المنافسة العالمية في أجمل طيور الحمام".
وأضاف حجاج لمراسلنا: "المعرض يحتوي على 80 صنفاً؟ من الحمام يُشارك فيه أكثر من 250 هاوياً ومربياً في قطاع غزة"، مشيراً إلى أن المعرض يستمر ليوم واحد فقط.
وأشار إلى أن الجمعية استوردت طيور من الضفة والأردن ومصر، كما أنها تلقت دعوة رسمية من المملكة الأردنية للمشاركة في معرض دولي لحمام الزينة في العاصمة عمان إلا ان الحصار حال دون مشاركتنا، قائلاً: "نملك طيور تمكننا من المنافسة في مسابقات جمالية في دول العالم والحصول على مراتب متقدمة في المنافسة.
وطالب حجاج الجهات الرسمية وعلى رأسها وزارة الزراعة بدعم هواة ومربي الحمام ضمن الجمعية، من خلال توفير الأدوية والأطعمة وتقديم المساعدة في استيراد الأنواع المختلفة من الحمام.