رسالة من رام الله.. معاريف

الساعة 03:24 م|19 ابريل 2019

رسالة من رام الله

 

بقلم: تل ليف رام

 

(المضمون: زيارة الى رام الله تترك لديك احساسا بتأثير الضغط الاسرائيلي على السلطة، كما ان صفقة القرن لا تشجع احدا. وفي غزة يواصل نتنياهو سياسة الاحتواء منعا للتدهور الى المواجهة - المصدر).

 

في واقع تسود فيه قطيعة تامة بين حكومة اسرائيل وزعامة السلطة الفلسطينية حتى لقاءا للصحافيين نظمته منظمة مبادرة جنيف مع مسؤولين كبار في السلطة ومقربين من ابو مازن يبدو كحدث استثنائي.

 

رحلة دقائق معدودة من معبر قلنديا، فاذا بنا في رام الله، نشعر وكأننا في خارج البلاد باستثناء التواجد الملموس للشرطة واجهزة الامن الفلسطينية، الذين يقفون في كل مفترق وميدان في المدينة، مع قبعات حمراء على رؤوسهم وسلاح اوتوماتيكي في اياديهم. هذه فترة متوترة بالنسبة للسلطة، وليس فقط من ناحية العلاقات مع اسرائيل. فالتوتر الداخلي يتعاظم والضائقة الاقتصادية تهدد الحكم.

 

يفعل المضيفون من جانبهم كل شيء كي نشعر بالراحة. يصل الى المكاتب المتواضعة للجنة التواصل مع المجتمع الاسرائيلي في م.ت.ف الناطق بلسان ابو مازن ووزير الاعلام نبيل ابو ردينة، عضو اللجنة المركزية لفتح، محمد المدني، وزراء ومقربون من رئيس السلطة. يمكن للمرء ان يأخذ الانطباع بان هذا اللقاء هام لهم. فهم يريدون نقل رسالة الى المجتمع في اسرائيل لان وجهتهم نحو الحوار، الحديث وحل الدولتين، الذي ابتعد عن الخطاب الجماهيري بشكل خاص بعد الانتخابات الاخيرة، والتي غابت عنها المسألة الفلسطينية.

 

لا يكثر ابو ردينة من اللقاء مع وفود من الصحافيين الاسرائيليين. ولكن مبادرة الرئيس الامريكي دونالد ترامب دفعته لان ينقل رسالة: "طالما لم تكن القدس على الطاولة فان خطة ترامب هي الاخرى لن تكون على الطاولة". نقطة البدء في المفاوضات من ناحيتهم هي الاعتراف بحل الدولتين على اساس حدود 1967 وتقسيم القدس.

 

ولكن فضلا عن المواضيع السياسية، والتي يكاد حلها يبدو متعذرا، عني الحوار في الغرفة بالممارسة اليومية. وبالاساس بالوضع الاقتصادي الصعب للسلطة وبالقرار الاسرائيلي لاقتطاع اموال عائلات السجناء من أموال الضرائب. ويعتقد مسؤولو السلطة بان هذه الخطوة تقربهم من الهوة. لماذا اتخذت اسرائيل الان بالذات هذا القرار؟ يتساءلون. الاحساس هو ان اسرائيل تبدي مرونة اكبر مع حماس وتناطح السلطة الفلسطينية رأسا برأس.

 

رغم ان النقاش يجري بشكل منفتح وحضاري، لا يمكن للمرء أن يتفادى احساس السفر في مسار بلا مخرج. فالمسافة بين الاجماع الاسرائيلي الذي يرى في تحويل الاموال الى عائلات المخربين خطوة غير معقول وبين الفلسطينيين الذين يرون في هذا العمل تدخلا فظا من الحكومة الاسرائيلية في ادارة اموالهم وفي التزامهم تجاه عائلات الاسرى – غير قابلة للجسر.

 

ولكن بعد كل هذا، توجد ايضا الحياة نفسها. في اجواء رسمية أقل، في مطعم "دارنا" في البلدة القديمة، نسمع من اياد ولميس الشابين من رام الله اللذين يرافقان الوفد عن الجيل الشاب الذي يرغب بالحياة الطيبة والكريمة ولا يعنى بالسياسة. فهما يتحدثان عن حياة الليل المزدهرة في المدينة ويشيران الى ان التصعيد السياسي أو الامني مع اسرائيل له تأثير على اماكن الترفيه. مثلما هو الحال عندنا، هكذا هو عندهم ايضا.

 

في الطريق الى البيت نتوقف لتناول الكنافة في نفيسه. في محل الحلويات الهائل لم يتوقعوا بالتأكيد الجمهور الكبير من اسرائيل الذي هجم على الكنافة. 40 شيكل فقط للكيلو وطعم يبعث لديك منذ الان الشوق له. زيارة من هذا النوع تبقي غير قليل من الافكار. لا توجد سذاجة. فاحتمالات الحل السياسي طفيفة. من الصعب أن نتخيل كيف يمكن جسر الفوارق في المواقف، في وصف الحقيقة، في الرواية وفي الصور الوطنية. ومع ذلك، للحوار ايضا توجد اهمية. فالقطيعة المطلقة بين اسرائيل والسلطة تزيد التوتر والاغتراب. وانفجار الانتفاضة الشعبية في يهودا والسامرة لن يخدم ايا من الطرفين. ولكن حماس ستخرج منها رابحة.

 

مكالمة منتظرة

 

مر اقل من اسبوعين منذ ان أوشكت اسرائيل وحماس على المواجهة الجبهوية في قطاع غزة. في هذه الاثناء نشهد ميل هدوء. ولا يزال، فان عناصر عدم الاستقرار، وفي اساسها الوضع الاقتصادي في قطاع غزة لم تختفي وسترافقنا في الاشهر القادمة ايضا.

 

صحيح حتى الان اختارت اسرائيل وقيادة حماس الخط البراغماتي لابعاد المواجهة العسكرية عن جدول الاعمال. فالحل الوسط الذي وضعته المخابرات في موضوع الهواتف العامة في أقسام السجناء الامنيين اوقف اضراب السجناء عن الطعام، وازال في هذه المرحلة عائقا هاما كان يمكنه أن يؤثر على الوضع الامني في الجنوب ايضا.

 

وحسب الاتفاقات ستركب هواتف هامة تخضع للرقابة في كل الاقسام التي يحتجز فيها السجناء الامنيون. وفي كل السجون تنصب موانع لحظر المكالمات في الهواتف النقالة. هذا الحل لم يخفض فقط مستوى اللهيب في السجون، بل وساعد الطرفين على عرض انجازات للجمهور. فانجاز اسرائيل كان في أنها لم تخضع لانذار السجناء وتقاتل لاول مرة ضد قصور تهريب الهواتف الخلوية واستخدامها في السجون الامنية. اما حماس فتتباهى في أنها نجحت في ان تدخل لاول مرة هواتف عامة الى السجون. عززت المنظمة موقفها في أن اسرائيل لا تفهم الا لغة القوة وانه بهذه الطريقة فقط يمكن الوصول الى انجازات.

 

في جهاز الامن ايدوا الحل الوسط، ولكن في المخابرات سمعت اصوات اخرى ادعت بان هذا الحل ادى الى تآكل في موقفهم. السجناء يطعنون ضابطا، يحرقون حجرات وبالمقابل يحصلون على هواتف. المشكلة في المستقبل ستكون مع سجناء فتح، كما يضيفون – فهم يرون حماس تحصل على انجازات حيال اسرائيل ويشعرون انهم في فخ.

 

في هذه الاثناء نصبت موانع في قسمين. وفي الصيف سيتم توسيع المشروع التجريبي. وفي الخلفية توجد استنتاجات اللجنة العامة لفحص ظروف السجناء والتي عينها وزير الامن الداخلي جلعاد اردان، والتي اوصت بتشديد ظروف حياتهم وسحب الامتيازات التي اعطيت لهم في الماضي. اذا تحققت استنتاجات اللجنة فقد نرى اشتعالا متجددا في الميدان.

 

غير أنه بعد التطورات الاخيرة يبدو ان رئيس الوزراء سيواصل اختيار جانب المساومة انطلاقا من الرغبة في عدم الانجرار في هذه المرحلة الى مواجهة في قطاع غزة. كما أن زعيم حماس في غزة يحيى السنوار يطلق الاشارات بانه غير معني بمواجهة عسكرية. في جهاز الامن يعتقدون ان أزمته هي قبل كل شيء اقتصادية. فهو ملتزم بتغيير الوضع الاشوه لسكان القطاع ويعمل بشكل مخطط وبراغماتي. وحسب فكره، فانه نجح في دحر اسرائيل الى الزاوية في السنة الاخيرة مع مسيرات العودة. والان ليس فقط لا يمكن تجاهله بل ويجب توفير الحلول له للتخفيف من الحصار. وفي الشهر الاخير مع الوساطة المصرية، المال القطري والتسهيلات الاسرائيلية، يقترب من الانجاز الذي يمكنه أن يلوح به امام سكان القطاع.

 

أما عمليا فقد اتخذت اسرائيل وحماس بالاجمال بضع خطوات الى الوراء، دون تسوية ذات مغزى تبدأ قبل كل شيء بحل مسألة الاسرى والمفقودين. كما أن التفاهمات الاخيرة هي في هذه اللحظة هشة ولا سيما على خلفية حقيقة ان السنوار يتعرض لضغوط من الجناح العسكري لحماس. ويمكن للجهاد الاسلامي انشاء ان يقلب الجرة على رأسها باعمال الارهاب. في كل الاحوال، يبدو في هذه المرحلة ان اسرائيل تتعامل مع مسؤولي حماس في غزة وفي السجون اكثر مما تتعامل مع ابو مازن وقيادة السلطة الفلسطينية.

 

ان سياسة نتنياهو تجاه غزة لم تتغير. فرئيس الوزراء يؤيد موقف جهاز الامن الذي يدعو الى استنفاد الخطوات السياسية قبل الوصول الى مواجهة عسكرية. وهذا الفهم لا يستوي مع مطالب افيغدور ليبرمان، الذي خرج من الانتخابات الاخيرة معززا سياسيا.

 

ليبرمان معني بحقيبة الدفاع، هكذا قيل، ولكنه يشهد على جلدته نقاط ضعف الحقيبة المنشودة وعلى علم باحتمال الضرر السياسي الذي يمكن ان تلحقه به. في هذه الاثناء يطلب من نتنياهو الحسم وليس الاحتواء، ولكن مشكوك أن يتمكن رئيس الوزراء من تلبية هذا الطلب ولا حتى جزئيا.