أحد أبطال مسيرة العودة الكبرى

الشهيد الفارس جهاد حرارة رأى الجنة في عيون أمه قبل ارتقائه

الساعة 03:22 م|15 ابريل 2019

فلسطين اليوم

"سأرفع رؤوسكم عالياً " " أنا ذاهب للجنة " بهذه العبارات الصادقة التي لطالما كان يرددها في لحظاته الأخيرة في هذه الدنيا ودع جهاد أهله وذويه .

جهاد كان لك من اسمك نصيب فكنت نعم المجاهد المقدام , كنت حكاية الصادقين الذين صدقوا الله فصدقهم , لطالما كنت تتمنى أن تلقى الله ورسوله وصحبه في ساحات الوغي " وأنت تقول أريدها ها هنا في رأسي تمنيت فصدقت فنلت ما تتمنى " , كان لسانك دائما الحديث عن الجنة ونعيمها وحورها , كنت ترقبها في عيون أمك وأنت تودعها حياً " يا أماه إني أرى الجنة في عيونك الآن "

الميلاد والنشأة

مع بزوغ فجر السابع عشر من سبتمبر للعام 1995 , كانت فلسطين وحى الشجاعية على موعد مع ميلاد فارسنا الصادق " جهاد منير حرارة  " , لينشأ ويترعرع  في أحضان عائلة محافظة ملتزمة , تربت على حب الجهاد والمقاومة والتضحية , وقدمت العديد من أبنائها شهداء.

رباه والده على تعاليم الإسلام الحنيف , وأنبتته أمه نباتاً حسناً بعد أن أسقته من حليب الإيمان , وأرضعته عشق الأرض وحب الوطن , كيف لا وهي التي كانت تجهزه وتودعه قبل خروجه للرباط على ثغور الوطن .

مسيرته التعليمية

تلقى جهاد تعليمه الابتدائي في مدرسة عمر بن عبد العزيز , فكان طالباً مميزاً  متفوقاً في دراسته , ثم درس المرحلة الإعدادية في مدرسة معاذ بن جبل ليكمل دراسته الثانوية في مدرسة جمال عبد الناصر , فكانت علاقته بزملائه قوية ومحبوباً لدى الجميع  عرفوه بأخلاقه العالية وأدبه وهدوءه , وسعة صدره ومسامحته لمن أساء إليه وكان محل حبٍ وتقدير من مدرسيه الذين شهدوا له بأخلاقه الحميدة والهدوء الشديد والاحترام في المعاملة والتفوق في الدراسة فكان من المميزين .

قلب معلق بالمساجد

منذ الصغر عرف جهاد  طريق المساجد فالتزم فيها  مجالساً لحلقات تحفيظ القرآن الكريم ودورس السيرة النبوية ومجالس الذكر حتى أصبح قلبه معلقاً بالمساجد , يبحث فيها عن مجالس العلم لينهل منها تعاليم ديننا الحنيف.

فكان مسجد الشهيد فتحي الشقاقي هو الشاهد والشهيد على التزام جهاد وتعلقه ب المساجد, فكان ملتزماً بالصلوات الخمسة فيه مشاركاً إخوانه في الأنشطة و الفعاليات , والدعوة إلى الله وحضور اللقاءات الدعوية والإيمانية والالتحاق بمراكز التحفيظ , حتى أصبح نموذجاً يحتذى به.

الإنسان الملائكي

جهاد صاحب الوجه البشوش والابتسامة الصادقة التي تجذب القلوب , الكتوم بعمله الطيب بأفعاله وأخلاقه, طيب القلب بسيط التعامل مع الناس بشوش الوجه, كل من رآه كان يحبه لتواضعه ومعاملته وأخلاقه الحسنة , فكان حقاً علينا وعلى أهلك أن نسميك بالإنسان الملائكي في سلوكه وأخلاقه.

كيف لا ..!، وهو الابن البار الخلوق المطيع لوالديه الحنون عليهم, الذي لم يذكر أنه عصى لهم أمراً أو رفع صوته عليهم في يوماً من الأيام , كما كان نعمَّ السند والمعين لوالده في تحمل جزء من المسئولية, حيث كان يساعده  في أعمال البناء والأشغال التي يقوم به، كما كانت أمه هي جنة الله في الأرض بالنسبة إليه .

أما عن علاقته بإخوته واخواته فكانت قوية جداً ملؤها الحب والود والاحترام , حنوناً عليهم محباً لهم , حريصاً على رسم الابتسامة على وجوههم وتلبية كل ما يحتاجونه .

كما كانت علاقته مع جيرانه وأقاربه متميزة أحبه من عرفه ومن لم يعرفه, وكان يصل رحمه بصورة دائمة ويزور أقاربه وجيرانه يقف معهم في أفراحهم و أحزانهم , يسارع إلى تقديم يد العون والمساعدة لهم, يسامح من أساء إليه ويعفو عن من أخطأ بحقه .

في صفوف الجهاد والمقاومة

تعلق قلب شهيدنا منذ صغره بحب الجهاد والمقاومة متأثراً بالشهداء والجرحى والاسرى, وكان دائماً ما ينظر ويشاهد بطولات المجاهدين وعملياتهم ضد العدو الصهيوني, ليخبر والدّيه أنه يريد الانضمام إلى صفوف المجاهدين وأن يصبح فارساً من فرسان هذه الأمة, فكان له ما أراد وكان خياره الذي انتمى إليه الجهاد الإسلامي منذ مطلع العام 2008 , فبرز في صفوفه الحركة  حيث كان يشارك إخوانه في كافة الفعاليات والأنشطة, وتشييع جثامين الشهداء معتبراً ذلك جزءاً من واجبه تجاه دينه ووطنه ومسيرته الجهادية.

ألح جهاد على إخوانه في حركة الجهاد الإسلامي أن يلتحق بركب سرايا القدس, وبعد إصرار منه و لالتزامه الديني والأخلاقي وهمته العالية قرر إخوانه ضمه  إلى صفوف مجاهدي وحدة التعبئة في العام 2012 .

تلقى شهيدنا العديد من الدورات العسكرية والدعوية التي أهلته لأن يكون مجاهداً صاحب عقيدة صلبة وقدرات قتالية عالية , فشارك مع إخوانه المجاهدين في الرباط على ثغور مدينة غزة والعديد من المهام الجهادية  وكان يسخر جُل وقته للجهاد والرباط في سبيل الله.

نظراً لسرّيته وتفانيه في العمل وقع الاختيار عليه في العام 2014 بعد معركة البنيان المرصوص، ليكون أحد مجاهدي وحدة الهندسة في وحدة النخبة التابعة لسرايا القدس.

حكاية الجنة والشهادة

للجنة والشهادة حكاية أخرى مع شهيدنا "جهاد" الذي باع الدنيا واشترى الآخرة , فكان جُلَّ حديثه في آخر أيامه عن الجنة ونعيمها وعن قرب رحيله عن الدنيا والارتقاء إلى جوار ربه شهيدا , ولعل من أبرز هذه الحكايا أنه وقبل أيام من استشهاده  ظل يـنظر إلى عيون أمه مخاطباً إياها "إني أرى الجنة في عيونك" , ليقوم بعدها ويكتب أسماء جميع إخوته على الجدران ولم يكتب اسمه فتسأله أمه لماذا لم تكتب اسمك فرد قائلاً لن أبقى معكم لأني سأغادر لعالم اخر .

وفي ليلة الرباط الأخيرة قبل يوم من استشهاده طلب من رفاقه المجاهدين أن يسامحوه إن أخطأ أو قصر بحقهم , وكانت آخر الرسائل التي أرسلها لأصحابه وذويه يوم استشهاده بأنه ذاهب للجنة.

وأثناء ذهابه إلى مخيمات العودة يوم استشهاده للمشاركة في فعاليات العودة , قام بشراء بعض الحاجيات ليأخذها معه , فخاطبه صاحب المحل بأنها لا تكفيه  فأجابه بأنها ستكون هذه الحاجيات آخر شيء سيأكله في هذه الدنيا وأنه سيذهب دون عودة .

يوم الفراق

لابد أن تأتي لحظة الفراق والرحيل إلى عالم الآخرة حيث لقاء الله ورسوله وصحبه ,  فكان رحيل جهاد كما تمنى بأن يلقى الله بطلق في رأسه وهو وفي ساحات الوغى مقبلاً غير مدبر .

ففي الثاني والعشرون من مارس للعام 2019 رحل جهاد إلي جوار ربه وهو يشارك أبناء شعبه في مسيرات العودة , بعد أن باغتته رصاصة قناصة الاحتلال في رأسه كما أراد , صدق الله فصدقه الله

كلمات دلالية