بعد أن صوتت اسرائيل يجب عليها انتظار اختيار دونالد ترامب.. هارتس

الساعة 07:08 م|12 ابريل 2019

فلسطين اليوم

بقلم: عاموس هرئيل

خطاب الفوز لبنيامين نتنياهو في فجر يوم الاربعاء امام مئات اعضاء الليكود المتحمسين في تل ابيب خصص في معظمه لكبر الانجاز التصويتي في الانتخابات. ولكن بين الشكر لله والاطراء لاعضاء الحملة اختفت ملاحظة سياسية هامة. رئيس الحكومة وصف "تحديات كبيرة امامنا"، وعدد بينها ايضا "تحديات للتطبيع والسلام مع العالم العربي". امام نتنياهو تقف الآن عدة مهمات ثقيلة: تشكيل الائتلاف، تعيين الوزراء وبعد ذلك محاولة اجازة ميزانية جديدة للدولة بسرعة، على فرض أن هذا الامر سيساعد على استقرار ولاية حكومته لفترة طويلة. في الخلفية يقف امامه طوال الوقت الهدف الاكثر حسما بالنسبة له وهو الجهود لوقف، أو على الاقل، ابطاء عقارب الساعة القانونية التي تعمل ضده، مع التقديم المتوقع للوائح الاتهام الثلاثة، (وفتح محتمل لتحقيق آخر).

إن احتمالية أن ينجح في تشريع القانون الفرنسي الذي يوقف تماما الاجراءات القانونية ضد رئيس الحكومة الذي يتولى منصبه، تبدو ضعيفة. النقاش يتركز الآن على اعادة قانون الحصانة الى صيغته السابقة، التي ستمكن الليكود من محاولة احباط رفع الحصانة، وهو تغيير يمكن أن يهم اعضاء رئيسيين آخرين في الائتلاف مثل آريه درعي وحاييم كاتس ودافيد بيتان لاعتبارات مختلفة. ولكن السيناريو الذي تم وصفه هذا الاسبوع على أنه السيناريو الاكثر معقولية يتعلق بما بدا حتى قبل بضعة اشهر غير معقول تماما، في دولة مليئة بالازمات مثل اسرائيل. نتنياهو يمكنه مواصلة قيادة حكومته خلال سير محاكمته. يبدو أن شركاءه في الائتلاف سيوافقون، وفي ظل غياب منع صريح، سواء في حكم أو في القانون، ايضا المحكمة العليا لن تتدخل.

كل ذلك سيتبين بوضوح عند طرح خطة السلام للادارة الامريكية. الرئيس ترامب تطرق لذلك في هذا الاسبوع عندما هنأ نتنياهو بالفوز وقال إن انتخابه يحسن احتمالات السلام. ولكن الحلم القديم لليسار عن املاء امريكي سيفرض على نتنياهو تنازلات بعيدة المدى للفلسطينيين يبدو اليوم مقطوع عن الواقع. يظهر أن الرئيسين متناسقين في خطواتهما. ترامب يغدق على نتنياهو المزيد والمزيد من الهدايا: نقل السفارة الامريكية الى القدس، الانسحاب من الاتفاق النووي مع ايران والاعتراف بسيادة اسرائيل في هضبة الجولان، وأضيف الى كل ذلك عشية الانتخابات قرار الاعلان عن حرس الثورة الايراني كمنظمة ارهابية. نتنياهو في تغريدة بالعبرية في تويتر هنأ ترامب لأنه وافق على "طلب آخر هام بالنسبة لي". من التدخل الاسرائيلي في القرار لم يبق أي ذكر في التغريدة الموازية لرئيس الحكومة باللغة الانجليزية.

صفقة القرن، اذا تم عرضها أخيرا بعد تأجيلات كثيرة، ستكون اقتراح سهل نسبيا بالنسبة لاسرائيل. فهي ستمكن نتنياهو، ايضا كرئيس ائتلاف يميني، من أن يرد عليها بالايجاب من خلال عرضه عدة تحفظات والانتظار للرفض المتوقع لرئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس. في الخلفية ينتظر تحقق حلم اليمين وهو ضم جزء من مناطق الضفة الغربية، كتطبيق أحادي الجانب في خطة ترامب بعد الـ "لا" الفلسطينية. الأمل في اليمين هو أن الاعتراف الامريكية بهضبة الجولان سيستخدم كسابقة لأنه يستند الى نفس المبرر، وضع اليد على اراضي في حرب دفاعية فرضت على اسرائيل. هذه الامور حدثت بصورة موازية في حرب الايام الستة.

روبرت ساتلوف هو مدير معهد واشنطن لابحاث الشرق الاوسط. هذا المعهد يحافظ على علاقات وثيقة مع المؤسسة الاسرائيلية وفترة ابحاث فيه تعتبر تقريبا محطة الزامية لكبار رجال جهاز الامن في فترة قريبة من نهاية ولايتهم (قريبا سيكون هناك ايضا رئيس الاركان السابق غادي آيزنكوت). في مقال نشر في موقع مجلة "فورين بوليسي" غداة الانتخابات في اسرائيل حذر ساتلوف من أن عرض خطة ترامب قريبا سيؤدي الى كارثة. "سيرتكب الرئيس خطأ حقيقي اذا اخذ الاقتراحات التي بلورها صهره جارد كوشنر التي ما زالت سرية ونشرها باسم الولايات المتحدة"، كتب ساتلوف.

ساتلوف يتوقع فشل الخطة. الشرخ بين اسرائيل والفلسطينيين كبير جدا والتقارب الزائد بين الادارة واسرائيل لا يسمح لها بأن تعتبر وسيط نزيه. الخطة ستضر حسب اقواله بمصالح امريكا في ثلاثة مجالات حاسمة: يمكن أن تؤدي الى ضم اجزاء من الضفة من قبل اسرائيل وأن تمنح السعودية قوة للمساومة الزائدة امام الولايات المتحدة (التي تحتاجها من اجل تطبيق خطتها) وأن تحرف الانتباه عن انجاز هام للادارة الامريكية في المنطقة وهو زيادة الضغط على ايران. الوضع الراهن في العلاقة بين اسرائيل والسلطة الفلسطينية الذي يتم التعبير عنه بالتنسيق الامني الفعال بينهما يمكن أن ينهار مثل برج من ورق عندما سيرفض عباس الاقتراح. الخطة، كتب ساتلوف، هي في هذه الاثناء خطة كوشنر وليس خطة ترامب. الرئيس يجب عليه الاهتمام ايضا بأن تبقى كذلك.

المتهم الفوري

نتنياهو عبر للمرة الاولى عن دعمه لفكرة ضم اجزاء من الضفة في أواخر الحملة الانتخابية، في الوقت الذي كان فيه يخشى من أن يفقد اصوات توجد على يمين حزب الليكود. مثل غيره من الوعود الانتخابية فان التطبيق هو شيء آخر مختلف تماما. رئيس الحكومة يمكنه ابقاء هذه الفكرة في الهواء كاغراء مستقبلي لشركائه. وتبرير عدم تطبيقها بأن الظروف السياسية غير ناضجة.

ولكن فكرة الضم وخطة ترامب بشكل عام، تثير مخاوف ليس فقط لدى الفلسطينيين بل لدى الاردن ايضا. أبو مازن الذي شارك في المنتدى الاقتصادي الذي عقد في عمان في بداية هذا الاسبوع لم يلق خطاب في المؤتمر. وزير خارجية عُمان، يوسف بن علوي، أثار عليه غضب عدد من المشاركين عندما قال إن الفلسطينيين يجب عليهم أن يتعهدوا لاسرائيل بأنها لن تكون تحت التهديد الامني. الفلسطينيون يخافون من أن السعودية ودول خليجية اخرى، بسبب علاقاتها القريبة مع ادارة ترامب، ستتبنى المبادرة الامريكية وستتخلى عنهم، مع الانتقال على علاقات دبلوماسية مع اسرائيل.

من الصعب التصديق بأن هذا سيحدث، لكن الشكوك الفلسطينية بالرئيس هي الآن في الذروة. الاردن قلق من التداعيات المحتملة عليه مثل اندلاع موجة عنف جديدة على اراضيه، تنزلق ايضا الى مخيمات اللاجئين الفلسطينيين في المملكة. ايضا القدس هي مصدر خطر في مثل هذه الظروف. في جهاز الامن الاسرائيلي يصفون سيناريو فيه تقوم الاجهزة الامنية للسلطة الفلسطينية بتأجيج الحرم احتجاجا على خطة ترامب التي ستمنح الفلسطينيين مكانة متدنية في المدينة.

في ضجة الانتخابات نسي الاعلام الاسرائيلي ما يحدث في قطاع غزة. الاسبوعان الاخيران في القطاع بعد مظاهرات يوم الارض كانا هادئين بصورة استثنائية. الجيش الاسرائيلي وبصورة متعمدة كان منضبطا وقلل من حضوره المتزايد حول القطلاع. زعماء حماس لم يهنئوا نتنياهو مثل ترامب، لكن من المعقول الافتراض أنهم غير حزينين. نتنياهو يسعى الى مواصلة الفصل بين الضفة والقطاع وهي سياسة تخدم حماس اكثر من السلطة بكثير.

في الطرفين يظهر نضج متزايد لانهاء صفقة لوقف اطلاق النار طويل المدى في القطاع. يوجد لحماس القليل من ادوات الضغط العنيفة على نتنياهو منذ اللحظة التي اجتاز فيها بسلام امتحان صناديق الاقتراع. نسبة التصويت العالية لليكود في مدن مثل عسقلان وأسدود تدل على أن الكثيرين من سكان غلاف غزة سيؤيدون كل قرار يتخذه رئيس الحكومة. في العقد الاخير اظهر نتنياهو الحذر من استخدام القوة العسكرية، لا سيما في القطاع. اذا كان هناك خطر مستقبلي فهو يمس امكانية أن الفوز السياسي سيولد الشعور بالتفوق لزعيم لا يمكن أن يهزم، سيأخذ على عاتقه مغامرات امنية غير محسوبة. حتى الآن لا توجد اشارات على أن هذا سيحدث. مع كل الانتقادات على سلوكه في مجالات اخرى، فان خشية نتنياهو من التورط في حروب زائدة تستحق التقدير.

الأمن يَجُب الفساد

هذه هي الحملة الانتخابية الخامسة التي ينهيها نتنياهو بالفوز (في الوسط كان هزيمتان 1999 و2006، التي يقلل اليوم ذكرهما). فوز كتلة اليمين لم يكن مفاجئا، لقد كان متوقعا في معظم الاستطلاعات، ويبدو أن معظم مستهلكي وسائل الاعلام الاسرائيلية يعرفون كيف يحسبون الافتراض المفهوم بأن النتائج الحقيقية في الصناديق ستكون افضل لليمين مما تظهره نتائج العينات في ليلة الانتخابات والاستطلاعات التي سبقتها. نتنياهو يفوز المرة تلو الاخرى لأنه بالنسبة لناخبيه هو ليس مجرد ساحر سياسي، بل هو سياسي متفوق، ينجح في الحفاظ على أمن الدولة رغم الظروف الصعبة والمتغيرة بسرعة. خلافا لآمال معارضيه ايضا تراكم لوائح الاشتباه ضده لم تغير التصويت. يمكن التقدير أن اغلبية مصوتي اليمين ما زالوا يعتقدون أن الدفاع عن أمن المواطنين الشخصي يسبق فحص الادعاءات حول الفساد. وآخرون لا يصدقون رواية الشرطة والنيابة العامة.

نحن الآن في ذروة فترة الجلد الذاتي الاخلاقي لليسار، التي بالتأكيد ستنشغل بها عشرات مقالات الرأي في اسرائيل في "هآرتس" في الاسابيع القادمة. ولكن خلافا لعدد من الادعاءات الفورية التي سمعت، يبدو أن اليسار لم يشطب ولم يختف. الاصوات تحركت في اغلبها داخل الكتلة، من العمل وميرتس اللذان ظهرا كأقل اهمية في الحسم وحتى ازرق ابيض الذي ظهر للحظة كصاحب الاحتمال الاكبر للفوز على نتنياهو. الرغبة في اسقاط بيبي كان الاعتبار الاساسي الذي وجه التصويت. ولكن سبب الهزيمة الرئيسي يكمن في فجوة العدد التي لا ينجح اليسار في التغلب عليها، الى جانب طابو سياسي لا يمكنه حتى الآن تحطيمه. منذ عقدين تقريبا ومعسكر اليمين أكبر بقليل من اليسار، الاحزاب الاصولية تتوجه بشكل تلقائي نحو حكومة يمينية، وهي تغير مواقفها فقط في ظل وجود خطر حقيقي لأن يبقوا في الخارج. في حين أن الاحزاب العربية لا يتم احتسابها على الاطلاق في حساب الائتلافات.

بني غانتس ظهر كمرشح فعال اكثر من الثنائي بوغي هرتسوغ وتسيبي لفني في العام 2015. وهو ايضا وقع على نتيجة تثير الانطباع حصل عليها في زمن قياسي – عشرة اسابيع بعد أن قفز الى البركة السياسية. ستة اسابيع فقط بعد توحيد القوائم مع يئير لبيد. في الطريق وقف باحترام امام حملة عدائية وقبيحة ادارها الليكود ضده، الذي لم يستبعد توجيه ضربات متعمدة تحت الحزام. ولكن هذا ظهر حتى الآن كسقف زجاجي لغانتس وكتلة اليسار – وسط كلها. الاشهر القريبة القادمة ستخرج غانتس بعيدا عن منطقة راحته، لبيد وعد بتنغيص حياة نتنياهو من المعارضة. ولكن غانتس رغم ماضيه العسكري لا يسعى الى حروب من جهة، وهو غير متميز في فرض السيادة من جهة اخرى. قسم الوحدة لاصدقائه في القيادة يفضل أن يقرأه مع القليل من الشك. كل واحد من الثلاثة الذين جاءوا تحته في ازرق ابيض يعتقد أنه مناسب اكثر من غانتس لقيادة الحزب. وسواء طال الوقت أم قصر فانه سيتم استلال السكاكين مثلما يحدث دائما.

ملف قديم – جديد

مع تشكيل الائتلاف سيتبين قريبا ايضا توزيع الحقائب الرئيسية في حكومة نتنياهو الخامسة، حقيقة الامن والمالية والخارجية. افيغدور ليبرمان هو كما يبدو مرشح طبيعي للعودة الى وزارة الدفاع. بعد أن فاجأ المستطلعين والمحللين واجتاز بثقة ايضا هذه المرة نسبة الحسم. جزء كبير من حملة اسرائيل بيتنا انشغل بالحفاظ على مصالح ناخبيه، أبناء المهاجرين من الاتحاد السوفييتي سابقا امام المؤسسة الدينية – الاصولية. الآن يجب على ليبرمان أن يعرض عليهم انجازات واضحة، في حكومة الحزبين الحريديين فيها يتوقع أن يكونا قويان ومهيمنان اكثر من السابق. هذه ايضا يتوقع أن تكون مسألة رئيسية في المفاوضات التي سيجريها مع نتنياهو.

السنتان والنصف التي قضاها ليبرمان في وزارة الدفاع حتى استقالته كانت متوترة ومحبطة جدا بالنسبة له. بؤرة الاحتكاك الاساسية مع نتنياهو تعلقت بالتعامل مع حماس في قطاع غزة. في هذه الاثناء، كما قلنا، يبدو أن رئيس الحكومة لا ينوي الانحراف عن سياسته لضبط النفس في الجنوب. مشكوك فيه اذا كان نتنياهو معني بتحسين بصورة كبيرة مكانة احد وزراء الليكود، وحتى لو كان بعضهم (يوآف غالنت واسرائيل كاتس) كانوا بالتأكيد سيسعدون بتولي هذا المنصب. لهذا ربما أن رئيس الحكومة سيفضل الحفاظ على حقيبة الدفاع في يده. نتنياهو سيخاطر حقا بفقدان طبقة الحماية بينه وبين المسؤولية عن اخطاء امنية، عند حدوث ذلك، لكن هناك مزايا كثيرة في الحفاظ على علاقة مباشرة مع الجيش (اضافة الى الموساد والشباك ومجلس الامن القومي التي تخضه له مباشرة كرئيس للحكومة).

في هيئة الاركان العامة، على كل الاحوال، ينتظرون بصبر تعيين وزير الدفاع. رئيس الاركان الجديد، افيف كوخافي، تولى منصبه قبل ثلاثة اشهر. الكثير من الاجراءات التي سيقوم بها ترتبط بالانحراف عن الميزانية ومصادقة المستوى السياسي، وشؤون نتنياهو لم يتفرغ بعد لها بسبب الحملة الانتخابية. الجيش نجح في تحقيق الهدف الذي وضعه رئيس الحكومة – منع اندلاع مواجهة عنيفة في القطاع عشية الانتخابات. الآن يتوقعون هناك خطوات حاسمة في الاشهر القريبة، لا سيما فيما يتعلق بالحاجة الملحة كي يحسنوا بدرجة كبيرة القدرات العملياتية للقوات البرية.