(نتنياهو ليس ساحر، وقد اثبتنا ذلك عندما تحديته. ولكن من أجل هزيمته يجب أن يكون لدينا تصميم قوي وحلم صهيوني ديمقراطي مثير كي ننتصر).
ما الذي حصلنا عليه؟ أولا، انتصار شخصي لبنيامين نتنياهو. اذا لم يكن هناك مفاجآت فسيتم القاء مهمة تشكيل الحكومة عليه مرة اخرى حيث يقف من ورائه للمرة الاولى بعد 23 سنة في السياسة حزب له 35 عضو كنيست. في "الكتل" لا يوجد تغيير. وعدد اعضاء الكنيست خصومه، ثلاثة احزاب المعارضة اليهودية في الوسط – يسار ارتفع من 40 الى 45. ليس بالضبط انجاز لنتنياهو. الموضوع الثاني هو انجاز غير مسبوق لغانتس الذي خلال اقل من 23 اسبوعا، وليس 23 سنة، تحول من مواطني عديم التجربة السياسية الى منافس حقيقي وصل الى شفا الفوز، حيث يقف من خلفه 35 مقعدا.
حقيقة، الهدف الاسمى لاستبدال الحكم لم يتحقق، لكن رغم اخطاء غير قليلة، منها عدم ادراك الاهمية الحاسمة لحجم "الكتلة" وبناء على ذلك الاكتفاء بـ "توحيد القوى"، غير كاف، فان حملة ليس فيها "قاتل بالفطرة" وغياب بنية اساسية تقنية لحملة منتصرة في "عصر الشبكات" فان الامر يتعلق بانجاز مثير للانطباع لـ "معسكر التغيير" برئاسة غانتس وزملائه. هذا المعسكر ما زال يبحث عن الطريق الانجع. اشارة: الاكثر قوة، متدني، حاد، بقدر الامكان ولكن في اطار القانون، لمحاربة القدرات التنظيمية لنتنياهو. اذا شئتم، كل هزيمة هي نقطة بداية جيدة للاصلاح والتغيير. وفي الواقع بهذا الانجاز لغانتس يوجد كل ما هو مطلوب من اجل البدء الآن بحملة لاعادة التعقل والرسمية والاستقامة من هامش المنصة الى مركزها.
في الحكومة التي ستشكل سيتم ازالة الاقنعة. هذه ستكون حكومة متطرفة اكثر من سابقتها، ورئيسها سيكون هائج اكثر من أي وقت مضى، وفي وظائف مثل وزير العدل واعضاء لجنة تعيين القضاة سيكون هناك اشخاص مثل سموتريتش ورجال "القوة اليهودية". اختبار قدرة صمود ديمقراطيتنا الضعيفة الآن سيحدث في مرحلة مبكرة اكثر. نتنياهو وشركاؤه سينقضون فورا على الكنيست مع قوانين حصانة (أو حيلة مشابهة) و"فقرة الاستقواء" التي ستمنع تدخل المحكمة العليا.
الخطوة المزدوجة هذه التي تبدو تقريبا تقنية ستعتبر مثل دفن حمار لمبدأ المساواة أمام القانون، وخصي كامل للمحكمة العليا. جميعنا سيصيبنا العار اذا لم ننجح في وقف ذلك قبل حدوثه. وإلا سنصل الى المكان الذي تقع فيه اوغندا وهنغاريا، أي ديمقراطية اسمية، هي بالفعل استبدادية مثل ديمقراطية اردوغان. خلال الانقضاض ستفقد اسرائيل صورتها. "حراس العتبة" في سلطات تطبيق القانون سيتم سحقهم، وسائل الاعلام الحرة ستتم رشوتها أو ستتعلم المغازلة، وقيم الاساس للجيش مثل الصلاحية الاخلاقية لكبار قادته سيتم سحقها.
نشر الاكاذيب والتحريض وزرع الكراهية واختراق الهواتف وتركيب كاميرات والتنصت والافتراء على المعارضين وتهديد من يتولون وظائف، كل ذلك سيتواصل في أن يكون اداة عمل للمحيطين بنتنياهو. الحديث يدور عن حلف غير مقدس بين نتنياهو والفاسدين الذين يريدون تحطيم الجهاز القانوني من اجل انقاذ انفسهم من قرار الحكم وبين المتعصبين المتطرفين الذين يريدون تحطيم هذه الاجهزة من اجل التمكين من تحقيق حلم "الابرتهايد اليهودي". من المحظور السماح لهذا بأن يحدث. في محيط رئيس الحكومة هناك من يعدون بأنه عند طرح "خطة ترامب" سيحدث هنا تغيير ايجابي. نتنياهو الذي توجد الآن في جعبته حصانة من تقديمه للمحاكمة وهو يعرف أن اسرائيل يجب عليها الاجابة بـ "نعم، ولكن" على الخطة المقترحة، سيضطر الى التخلي عن جزء من المتطرفين، لذلك، سيقدم علاج مسبق للضربة وسيضم لحكومته مكون من مكونات ازرق ابيض، وهكذا سيتجه قليلا نحو الوسط. إلا أننا نعرف أن نتنياهو لا يستطيع اتخاذ قرارات حاسمة مغيرة للواقع. جوهره هو "المناورة في وضع الحياد" من اجل الامتناع عن أي حسم جوهري، مثلما دل على ذلك مثلا تقرير براك ربيد في "هآرتس" عن قضية "المحادثات السرية" التي اجراها نتنياهو واسحق هرتسوغ مع زعماء حول "تسوية اقليمية". حسب رأيي، بمعرفة الشخصيات العاملة والشركاء الموجودين فان احتمال عملية جوهرية تحظى بدعم من المحيط لـ "التسوية الاقليمية" (دول الخليج والسعودية ومصر والاردن) – ضعيف.
ولكن لنعود الى لب الموضوع. الانتصار المتكرر لنتنياهو في الانتخابات يثير مرة اخرى لدى الجمهور ووسائل الاعلام موجة من الانفعال من المؤهلات الساحرة والابداعية السياسية له. اسمحوا لي بالتحفظ. أولا، نتنياهو هو بلا شك سياسي لديه مؤهلات ومحنك. ويمكنه عقد الصفقات ومستعد دائما للهبوط الى أدنى درجة مطلوبة كي يفوز. "ساحر" بمعنى أن له قوة فوق طبيعية - لا. هو مخادع ماهر – بالتأكيد نعم. عندما تحديته قبل عشرين سنة تقريبا تم التحدث في حينه عن اسطورة الساحر. لقد عرفته جيدا في حينه وقلت لرجالي: لا يوجد أي ساحر، كل ما يفعله يجب ببساطة أن نفعل افضل منه، بقوة اكبر وتبكير اكثر. وانتصرنا. صحيح أن الظروف كانت مختلفة، الرجل تعلم الدروس وتحسن، لكن الاساس الثابت بقي على حاله. ليس هناك "سحر". توجد رغبة قوية في الفوز. يجب علينا الذهاب مع رغبة مصممة أكثر.
ثانيا، مؤيدو نتنياهو واحيانا حتى محللين يؤسرون بادعاء أن مجرد النتيجة، أي الفوز في الانتخابات، يثبت أن ادعاءاته صحيحة. حقيقة، الناخبون صوتوا "مع". الشعب قال كلمته، ومن أنت أيها المستشار القانوني للحكومة كي تلقي عليه عيب أو تقدمه للمحاكمة. ليس هناك ادعاء مدحوض اكثر من هذا. الافتراض بأن زعيم أو مخادع فاسد يستطيع بواسطة حواره مع الجمهور أن يحدد حدود القانون والخضوع له، هو ادعاء هستيري. السابق لا يستطيع شغل منصب وزير المالية، ومن يتلقى رشوة لا يمكنه شغل منصب رئيس الحكومة. وفقط المحكمة يمكنها حسم ذلك. هذا ليس موضوع اغلبية أو أقلية. هذه هي القواعد المشتركة التي عليها يقوم كل مجتمع حديث. من يلغيها بمحاية التصويت يزيل القاعدة من تحت وجود امكانية لتأسيس مجتمع متقدم.
ولا في أي دولة متطورة في العالم، شخص ضده تنوي النيابة تقديم لوائح اتهام (خاضعة للاستماع) في ثلاث قضايا رشوة وتحايل وخرق للثقة، لم يكن يستطيع التنافس على منصب رئيس الحكومة؛ هذا اضافة الى قضية الغواصات التي تصرخ من اجل التحقيق فيها، وايضا قضية الاسهم التي تبلغ قيمتها 16 مليون شيكل، تحويل اموال نقدية كل ثلاثة اشهر خلال سنوات من إبن عمه (لماذا تمت اقالة الرئيس عيزر وايزمن وما هو الفرق)، وتقارير الكذب خلال السنوات لمراقب الدولة.
هذا ليس موضوع رأي الناخب. هذا موضوع تطبيق للقانون ومساواة امام القانون. المسؤولية الملقاة على افيحاي مندلبليت كبيرة. وكذلك التحقيقات فتحت بتأخر محرج ومقلق. عندما يتوجه مراقب الدولة، عندها لا يوجد ما يتم البحث فيه قبل معرفة المحققين ما الذي حدث.
وأختم بملاحظة عامة اكثر حول ظاهرة نتنياهو. بالنسبة للاسرائيليين هي تبدو خاصة وغير مسبوقة، لكن التاريخ مليء بسابقات لشعوب، وبالاساس في اوضاع ضائقة واحباط، أسروا بسحر ديماغوجيين شعبويين ذوي شخصية نرجسية، ليس دائما مستقرة واحيانا كثيرة مرتشية، الى أن اصطدموا بالحائط واجتازوا صحوة وطنية مؤلمة، وفي مرات كثيرة كانت مقرونة بكارثة. الانجاز المؤقت حتى لو استمر لسنوات لم يحولهم الى "سحرة". التاريخ حكم عليهم مثلما كانوا في نهاية المطاف. شعبويون يتركزون حول انفسهم، سحروا لفترة ابناء شعبهم، لكن ضررهم زاد، واحيانا بدرجة لا تقدر، على الفائدة التي جلبوها لشعوبهم وللعالم.
امام الاخطار التي تضعها حكومة نتنياهو الخامسة، مطلوب لـ "معسكر التغيير" قيادة مبلورة وخارقة للقوائم، لا تغريها اغراءات نتنياهو، وخطة عمل متناسقة مع نضال متواصل وطويل. ومطلوب حلم ايجابي، مثير ليس أقل من الحلم المسيحي العنصري الذي يقوده الكهانيون، شبيبة التلال وتلاميذ الحاخامات مثل دوف ليئور واسحق غنزبورغ. الذين يسيرون وراء نتنياهو مثل الذيل. حلم صهيوني، يهودي وديمقراطي، بروح التنوير والمساواة امام القانون الذي تم التعبير عنه في وثيقة الاستقلال. حلم أمن شخصي وفخر قومي سليم، يلزم بتجندنا جميعا من اجل رسم "خط التوقف" على المنزلق وفتح حملة لانتصار الحلم الصهيوني على مشوهيه. هذا سيكون بالضرورة نضال قاس وليس ورشة حوار أو مداعبة. ولكن اذا اردنا ذلك بقوة فسنفوز.