قراءة في الانتخابات (الإسرائيلية) القادمة
"تحليل وأبعاد"
معهد فلسطين للدراسات الاستراتيجية
سيبقى التجاذب كبيراً وحاداً حتى تضع الانتخابات أوزارها يوم الثلاثاء القادم التاسع من هذا الشهر إبريل، وإن كانت المؤشرات التي تكشفها استطلاعات الرأي يتبين من متوسطها تقدم تكتل أحزاب اليمين بـ (65) عضوًا، في حين تكتل الوسط واليسار (55) عضوًا، لكن في الحقيقة يبقى عدم الوضوح هو سيد الموقف في حلبة التنافس العام بين الأحزاب وقدرتها على الاستقطاب الكتلي. وذلك باعتبار تكتل أحزاب اليمين وإن كانت محددة التوصيف، غير أنها ليست مفرزة في التصنيف، أي أن أحزاب اليمين لن تكون كلها حصرية لصالح بنيامين.
فمثلاً؛ حزب زيهوت (5) أعضاء، بقيادة فيغلين المحسوب فعلياً على تكتل أحزاب اليمين هو ذاته ضمن استراتيجية غانتس لتشكيل حكومة كما كشفت صحيفة هآرتس. لأن التقارب كبير وقد يصل إلى انعدام الفارق في الطرح السياسي بين الحزبين الكبيرين في ذات القضايا الكبرى التي تواجه دولة الاحتلال.
فما يطرحه كحول لفان ( ازرق أبيض) وقد يكون على اليمين ما يطرحه الليكود، وإلا كيف يكون تحالفاً بين غانتس وفيغلين، الذي سبق الإشارة إليه، فيما ينص في برنامجه على ضم الضفة الغربية، وتهويد المسجد الأقصى..؟!
ومن أحد أوجه الغموض الذي يكتنف حلبة المنافسة الانتخابية، الفارق الضئيل بين الحزبين الكبيرين، وأنه لم يحسم لصالح أحدهما بعد، فلازالت استطلاعات الرأي تعطي أرقاماً متذبذبة، والذي متوسطه (30) مقعداً، وبالتالي الحزب الأول لم يتحدد بعد. ونتيجة لهذا التقارب الشديد في الطرح والقوة التنافسية كأحزاب، والأهم التداخل في تشكيل التكتل لكل منهما والذي يؤكد أن التوصيف الدقيق بينهما ليس (يمين) مقابل (وسط/ يسار) بل (يمين) مقابل (يمين)، أو (يمين وسط) على أبعد تقدير.
وبالإضافة لطبيعة التحديات التي تواجهه دولة الاحتلال وأي حكومة قادمة، فإنها تستوجب تشكيل حكومة أكثر استقراراً وقدرة على حسم القضايا الملحة، والتي تتصدرها غزة، والأسرى، وصفقة القرن، وتسلح حزب الله بسلاح كاسر للتوازن الاستراتيجي، والتواجد العسكري الإيراني في سوريا.. وغير ذلك. فإن أقل قضية من تلك القضايا تثقل على أي حكومة تتشكل من كتلة واحدة تخضع لابتزاز الأحزاب الصغيرة، وتواجه معارضة قوية يقف على رأسها أي من الحزبين الكبيرين.
لذلك يمكن القول بأن التوجه الأكبر يدفع نحو:
1. تشكيل ائتلاف من الحزبين الكبيرين برئاسة بنيامين نتنياهو الذي لازال الأكثر حضوراً في كل استطلاعات الرأي كرئيس وزراء، وأن يكون غانتس وزير الجيش (ممكن).
2. تشكيل حكومة وحدة وطنية يتناوب على رئاستها (بنيامين- غانتس) أو (غانتس_بنيامين) (ممكن).
3. أو أن يكون غانتس رئيساً للوزراء، وبنيامين وزيراً للمالية (ضعيف).
فأياً كانت أشكال الشراكة بين الحزبين الكبيرين فإنها تبقى ضرورة ملحة، وعليه فإن احتمالية شكل هذه الشراكة بالوحدة التبادلية هو أمر معقول ووارد.
غير أنه من المهم أن نضع بين أيديكم جملة من الركائز يرى فيها المختصون أنها تدفع باتجاه تصدر الليكود برئاسة بنيامين، وتحول دون سقوطه، وهي:
1. حزب كحول- لفان لو حصل على عدد أصوات أكثر من المتوقع؛ فإنها تكون على حساب كتلته (أي أحزاب الوسط واليسار)، في حين أن زيادة أصوات الليكود لا تكون على حساب الكتل اليمينية.
2. نسبة التصويت عند الأحزاب اليمينية هي الأعلى وتتجاوز 75% عند بعض الأحزاب، في حين أن النسبة في أحزاب الوسط واليسار أقل بكثير، وقد تنخفض لتصل إلى 45%.
3. نتنياهو يستطيع تشكيل(גוש חוסם- تكتل مانع) بالاتفاق مع أحزاب اليمين كما فعل ضد تسيڤي ليپڤني سابقاً، في حين أن هذا الأمر صعب جداً على غانتس.
4. نتنياهو يمكن أن يشكل حكومة ضيقة بالاعتماد على أحزاب اليمين، وهذا سيكون متعذر على حزب كحول-لفان.
5. رغم جدية الحديث عن ملفات الفساد ضد نتنياهو، إلا أنها لن تتمكن على ما يبدو من الإطاحة به، وعلى العكس فهو يُجيد استغلال إنجازاته، ومنها قرارات ترامب بخصوص القدس والجولان، والتطبيع مع دول عربية وإسلامية.
وبناءً على ما سبق؛ سوف تكون فرص نتنياهو رئيساً قادماً للوزراء منفرداً أو بالشراكة؛ كبيرة جدًا، وبذلك يكون متفوقاً على بن غوريون من حيث عدد سنوات الحكم.
وهناك من يقرأ المشهد بشكله التقليدي دون النظر إلى طبيعة الطرح البرامجي، والمهددات الخارجية؛ فيطرح سيناريوهين يمكن أن تفرزهما الانتخابات (الإسرائيلية):
السيناريو الأول: حكومة يمين بأغلبية ليكودية، وأتوقع أن تكون حكومة استيطانية بالدرجة الأولى.
السيناريو الثاني: غانتس يفوز ويشكل بدعم من الأحزاب العربية حكومة مثل حكومة شمعون بيريز، وإن حدث ذلك أتوقع أن يزيد الانشقاق.
فيما يتم طرح سيناريو ثالث بطريقة باهتة، وهو أن تتشكل حكومة شلل سياسي بين بينامين نتياهو وبيني غانتس.
وفي الحقيقة أن هذا السيناريو الأخير هو الأكثر أهمية وواقعية، وتدفع إليه الضرورة قبل الحاجة، وقد سبق تبرير ذلك.
ماذا تقرأ السلطة في رام الله في حكومة برئاسة بني غانتس؟
ترى السلطة بتقدم غانتس وإمكانية تشكيله الحكومة بأنه قد يساهم في رفع أسهمها السياسية من خلال تقديم (إسرائيل) تنازلات في الضفة الغربية تخدم مشروع حل الدولتين، الأمر الذي سيجعل السلطة تخرج بمظهر المنتصر الذي استطاع تحقيق إنجازات سياسية من خلال المفاوضات.
لكن الخشية من جانبها فيما يتعلق بقطاع غزة، فالناظم الوحيد الذي يربط (إسرائيل) بالقطاع هي المصلحة الأمنية، سواء كان في ظل حكم اليمين أو اليمين الوسط أو اليسار، إلا أن صعود غانتس للحكم أو المشاركة فيه قد يسرع عملية التسوية مع غزة؛ لإدراكه ويعلون عدم نجاعة أي حلول عسكرية معها، ولا سيما، كونهما شغلوا في السابق مناصب رفيعة بالجيش وقد كان بيني غانتس نفسه رئيساً للجيش في عمليتين عسكريتين على غزة 2012- 2014.
ولن يكون بعيدًا عن هذا التوجه والخروج من المراوحة في شأن غزة بنيامين نتياهو بعد سلسلة التصعيدات الأخيرة واستمرار مسيرات العودة وكسر الحصار.
أبرز المشاركين في الورقة:
عبدالله العقاد، معد لهذه الورقة وعضو معهد فلسطين للدراسات الاستراتيجية.
أحمد فليت، رئيس مركز نفحة للدراسات الإسرائيلية.
عدنان أبو عامر، المختص في الشأن الاسرائيلي
صالح النعامي الخبير في الشأن الإسرائيلي.
أيمن الرفاتي، المختص في الشأن الإسرائيلي.
معهد فلسطين للدراسات الاستراتيجية